نقلا عن مجلة “7 أيام”
الأمر الواقع يقول إن القراء حسموا أمرهم وباتوا يطلعون على الأخبار التي تظهر أمامهم على “التايم لاين”، وانتهت إلى غير رجعة “الصفحة الرئيسية” في المواقع الإلكترونية، أي لم يعد مستخدم الإنترنت يفتح المواقع أولا ويقرأ الأخبار الرئيسية ثم يدخل للقسم الذي يفضله، قبل سنوات محدودة كان في كل متصفح خيار “المفضلات” ومن خلاله يحفظ القارئ عناوين المواقع المفضلة إليه ويعود لها وقت الحاجة، بدلا من كتابتها في خانة “العنوان” كل مرة، وبالتدريج ظهرت مواقع مهمتها تجميع الأخبار من مصادرها لتسهيل عملية البحث والتصفح، لكن في عصر السوشيال ميديا تغيرالسلوك تماما، وبات القارئ يطلع على الأخبار التي تظهر له عبر الصفحات الرسمية للصحف إذا كان يتابعها “عامل لها لايك” أوعن طريق قيام الآخرين باعادة نشر هذه الأخبار، بالتالي لو فرضنا أن الموقع الفلاني نشر تقريرا غاية في الأهمية عن شأن يهُم الملايين، يقرأه المئات فقط إذا ظل محبوسا داخل الموقع ولم يرسل عبر فيس بوك وتويتر وغيرهم من مواقع وتطبيقات التواصل.
هذا عن القارئ الذي هو حر في تغيير سلوك إطلاعه على الأخبار كلما تغيرت المنصات التكنولوجية التي يستخدمها، لكن أزمة كبرى بدأت تتشكل عندما نهج الصحفي المسار نفسه، فبات يستقى أخباره من صفحات مواقع التواصل، مع الوضع في الإعتبار أن بعض المصادر باتت تعتبر تلك الصفحات المتحدث الرسمي لها، وهنا أيضا يجب -ونحن نلقى اللوم على الصحفيين الذين دخلوا المهنة من باب الفيس بوك- يجب أن نلوم المصادر التي تكتب معلومات وآراء ثم تعلن الغضب من تحولها لأخبار باعتبارها مكتوبة للأصدقاء عبر فيس بوك فقط، ولو كان الأمر كذلك، فعلى هذا الشخص -وهو غالبا من المشاهير- أن يُحكم إغلاق حسابه على أصدقائه فقط، ويطلب منهم عدم نقل ما يكتبه للأخرين لأنه “شخصي”، وبما أن هذا مستحيل عمليا، فيا حضرة المشهور أو المسئول؛ لا تكتب على فيس بوك ما قد يغضبك تحوله إلى خبر.
مناسبة هذا الكلام، ما جرى مع بروفايل المرحومة “سمر عز الدين”، مضيفة مصر الطيران التي لقيت حتفها على متن الطائرة المنكوبة، فما يحدث هو أن أحد الصحفيين يصل بطريقة أو بأخرى لصفحة على فيس بوك ثم تصبح على المشاع، سواء في نقل المعلومات منها أو تأويلها، كما حدث مع الصورة التي نشرتها “سمر” لمضيفة تعطي ظهرها للبحر وهي تمسك شنطة سفر واعتبرها البعض (في أخبار وتقارير) وكأنها تعكس إحساس “سمر” بما سيجري لها ولركاب الطائرة، ليخرج والدها من وسط أحزانه مرغما ويؤكد أن الصورة وضعتها سمر قبل عامين فور التحاقها بمصر للطيران، لا علاقة لها بالحادث، ليس هذا فحسب بل أكد الوالد أن تقريرا بصحيفة قومية كبرى عن ابنته كان مفبركا بالكامل، وضرب مثلا بما جاء في التقرير أنها اتصلت بصديقتها قبل السفر وقالت لها “خللي بالك من ماما” وتساءل مندهشا “هل في مضيفة هتوصي على مامتها وهي بتسافر كل يوم؟”.
نحن هنا إذا أمام أسلوب جديد وسهل لجلب المعلومات لكنه يحتاج إلى ترشيد وتدريب من قبل المحررين الصحفيين، لا يمكنني أن أطلب من الصحفي أن يمتنع عن الدخول لصفحات ضحايا أحد الحوادث بحثا عن معلومة، لكن ما هي المعلومة التي سينقلها؟، ولماذا لا يكون “البروفايل” وسيلة للوصول لأصدقاء ومعارف الضحية والحصول على معلومات منهم؟، بدلا من نقل الصور والتعليق عليها وتفسيرها حسب الهوى، هوى الترافيك؟.
على خط مواز، قامت إحدى المضيفات بنشر كلام يقول إن الطائرة كانت متهالكة، وعلى الفور تناقله الآلاف وتحول لخبر، قبل أن تضطر إلى غلق صفحتها على فيس بوك بعد أن وضعت الشركة الوطنية في حرج بالغ، هنا وقبل أن ألوم الصحفي الذي نقل “المنشور” وكأنه كلام مسلم به، ألوم من لا يسيطر على انفعاله وقت الكارثة ويكتب ما قد يؤخذ عليه، المسئولية مشتركة إذا بين المصدر الذي لا يجيد التعامل مع حسابه على فيس بوك وبين الصحفي الذي لم يعد يرى من المصدر سوى حسابه على فيس بوك، وإن كان الثقل الأكبر يقع على عاتق الصحفي بالتأكيد، خصوصا إذا كان “البروفايل” لشخص توفاه الله فجأة ولم يتوقع أن ما كتبه سينقله الصحفي للملايين.
هل مطلوب من كليات الإعلام أن تضيف لمناهجها مادة تدرب الطلاب على طريقة التعامل مع مواقع السوشيال ميديا؟، أعتقد أن ذلك بات ضروريا بلا جدال.
نرشح لك
محمد عبد الرحمن يكتب: أزمة “المادة 42”
محمد عبد الرحمن يكتب: قواعد السوشيال ميديا العشرون