تشبه جدتى وجدتك، تجاعيد وجهها شاهدة على تاريخ مصر، جبينها يحكى يوم هتف الشعب لعبد الناصر، وانكسار النفس فى حرب 67، ونظرة الإنتصار الممزوجة بالعزة والفخر فى عبور 73، وصوت أم كلثوم وهى تغنى أنا الشعب وحليم عندما يشدو بـ عدى النهار، ونرى فى عينها صورة سيد درويش وعبد المطلب وسيد مكاوى، ونسمع صوت السادات أثناء إذاعته خطاب ثورة يوليو، مازال صوتها لا يفارق مسامعى.
وهى تقول “بهدلوني يا بيه .. حرقوا البيت ودخلوا جابوني من جوه.. رموني قدام البيت وخلَّعوني هدومي، زي ما ولدتني أمي .. مخلوش حاجة حتى ملابسي الداخلية وأنا بصرخ واعيط”، مازال صوتها يقتل قلبى ويوجع روحى، وكلماتها تنزل على صدرى كشظايا بركان حرق جميع أشجار الزيتون المجاورة له، أتذكر نظراتها المكسورة وحروفها التى تتوارى خجلاً ، ليتنى استطع تقبيل طهر قدميكِ.
ربما شائعة عن قصة حب بين شاب وفتاة لا يحمل قلبهما أى نوع من الكراهية وأفكار العنف التى تسرى فى المجتمع كمجرى الدم فى الشرايين، كانت الوقود الذى تحرق به كرامة بلد بأكملها ، عندما حرق ٣٠٠ شخص ٧ منازل فى المنيا، ليس ذلك وحسب بل ارتكبوا أبشع الجرائم حين جردوا السيدة العجوز المصرية سعاد ثابت في السبعين من عمرها، من ثيابها أمام حشد كبير في الشارع، لتعرى العجوز ما تبقى من دولة.
عندما تصبح التعرية والتشويه أسلوب مجتمع، وهتك عرض الناس قاعدة وليس استثناء، فعندما تُأكل قلوب الصغار وينطفأ ضوء أعينهم، و يستقوى الأقوى على الضعيف ويتباهى بكسره، فى تلك اللحظة لا تتعجب من أن يكون الضرب والبطش والتعرية جزاء الخصم فى كل مكان وفى كل وقت ، القهر يُورث وينتقل من الأقوى إلى الأضعف فى دائرة تسحق بداخلها الجميع.
لا تحزنى يا جدتى والله إنا لمكروبون وتقتلنا دموعك، سيظل اسمك محفورا فى قلوبنا وستبقى أنتِ تاج على رؤوسنا، لن ننساكِ مثلما لم ننسى الجميلة هيباتيا التى جُردت من ملابسها لتُعرى مجتمع متخلف يرفض أن يصل النور إلى البسطاء، رأوا فيها خطرا على سلطتهم فقتلوها، وأيضا مازلنا نتذكر “غوديفا” وهى تعتلى ظهر حصان عارية، والتى تٌعرت لتخفّف من معاناة الناس ويرفع عنهم الضرائب.
“كيف ترعرع فى وادينا الطيب كل هؤلاء السفلة والأوغاد؟”، لا تدفن رأسك فى الرمل واجه الخطر الذى يتربص بك، لأنه حينما يتم التغطية على جرائم بعينها لأنه عندما تأمن العقوبة حتماً ستُسيء الأدب، لابد أن تكون تلك هى النتيجة بل ستكون أبشع وأحط وأخطر، فالجرائم سلسلة متصلة فجريمة مثل هذه لا يمكن إغفال خطورتها خاصة فى بلد صعيدى يعرف معنى الشرف والتعرية كالمنيا، فاليوم كانت السيدة العجوز غدا ابنتك، أو أختك أو زوجتك.