محمد أبو مندور يكتب: وكأنك

تصحو من نومك وكأنك لم تنم، تقوم إلى حمامك وكأنك ما زلت تحلم، ترتدي ملابسك وكأنك روحك ما تزال عارية، تخطو بخطوات مرتبكة إلى الشارع وكأنك لم تطئه من قبل، تذهب إلى عملك وتتصرف وكأنك تعمل وكل هؤلاء من حولك يتعاملون معك وكأنك زميل لهم وأنت تعاملهم كأنهم زملاء عمل تعرفهم وتتعامل مع أحدهم وكانه مديرك وهو يصدر تعليمات وكأنه مدير، ويرن هاتفك وتتناوله كأنك ترد على المكالمة وتتحدث وكأنك سعيد بمكالمة من شخص كأنه عزيز، تمضي يومك في نقاشات تبدي فيها رأيك وكأن رأيك مهم أو كأنه سيغير العالم، تبدو وكأنك متحمس لكل كلمة تبدو وكأنها تخرج منك وأنت لا تبالي بتبعاتها.

تخرج إلى الشارع مرة أخرى ويبدو عليك ما كأنه الإرهاق والشرود، تتأفف مما يبدو وكأنه زحام بسبب حادث مزعوم أو اشتباه في وجود قنبلة أو شجار مفتعل بين سائقي سيارات الأجرة ورجال يرتدون زي رسمي كأنهم رجال مرور، تحاول أن تتناسى كل ذلك وتتصرف وكأن الزحام لا يؤثر عليك، تقوم بتشغيل راديو السيارة وكأنك لم تأبه لاحتمال فرض ضريبة على وجوده في سيارتك، وتتنقل بين الترددات المختلفة لتجد ما كأنه محطات إذاعية تعيد وتكرر عليك نفس الرسائل الإعلامية وموسيقى وأصوات تبدو وكأنها أغاني تتبعها ما كأنه موجز لأهم الأخبار، تظهر اهتمام ببعض ما يرد فيه مما كأنه أخبار، وتصل إلى ما قد يكون منزلك وتجد أطفالاً كأنهم فرحون بعودتك، ترسم ابتسامة على وجهك وكأن تعب اليوم قد زال برؤيتهم، تدخل إلى ما كأنها غرفتك وتبدل ملابسك، تجلس إلى ما كأنه غداءك وتتناوله بتلذذ وكأنما لم تتناول طعاماً من قبل، وتتوجه بالشكر إلى من كأنها زوجتك وتشاهد على وجهها ما قد يبدو وكأنها ابتسامة رضا.

تجلس وكأنك تتصفح جرائد اليوم لتتابع ما كأنه يحدث من حول فيما كأنه عالم وتهتم بأحداث ما كأنها دولتك، تقرأ وتقرأ وكأنك تحاول العثور على ما قد يبدو وكأنه حل لما يبدو وكأنها مشكلات مستعصية تهدد ما كأنه مستقبل. مستقبل؟! أي مستقبل؟ أين هو الحاضر ليكون هناك مستقبل – أوليس كل هذا الحاضر غير واقعي ونبدو وكأننا نعيش فيه؟ بكل تفصيلاته المفترضة، بكل تداخلات علاقاته وبكل ارهاصاته المحسوبة وانفعالاته المضروبة وكل ردود أفعاله – لم يتغير شيء فكل شيء يبدو وكأنه “تمام يا افندم” بينما حقيقة الأمر ان شيء لم ينصلح لأننا لم نتغير من داخلنا فلم يتغير ما حولنا، ما زلنا نعيش في الفقاعة أو القوقعة الآمنة وكل ما نفعله أننا نغير ألوانها من الخارج والباقي ثوابت لا تتغير

حالة ال “كأن” التي نمارسها كلنا موجودة في كل وقت وكل حين لكن الحالة استشرت وبشدة وأصبحت عمومية ولعل أغنية محمد منير التي نسرد كلماتها تعبر عن تلك الحالة:

وكأنى عصفور مدلع اة متلوع وفى قلبة حكايات بتولع
راح اغنى ولازمنى ادفى وابعد حزنى
ولكنى بحس اكمنى عاشق لزمانى اللى تاعبنى.. اة تعبنى
لو حقدر اغير راح اغير لو مش قادر انا لازم اغير واتغير
ولان محدش كلمنى انا بمشى على شاطىء حزنى
وكأن العالم مش ملكى

وأسمعوها هنا

نرشح لك

محمد أبومندور يكتب: الرأي وإعدام الرأي الآخر

محمد أبومندور يكتب : شخصيات من 140 حرف (1)