برغم ما رأيناه من متابعات إعلامية يسود عليها التكذيب لخبر تعرية إمرأة مسيحية مسنة بمحافظة المنيا، والتحريض على إقامة جلسة صلح عرفية بين الجاني والمجني عليه، من خلال بعض وسائل الإعلام، إلا أن الوجه المشرف للإعلام المصري قد تجلى في مجهودات تضافرت لبيان حقيقة الواقعة بإظهار صوت المرأة التي تعرضت للحادث، والبحث عن التفاصيل الحقيقية الدقيقة لما جرى بمجرد نشر بيان الكنيسة الذي أكد الواقعة.
غالبية وسائل الإعلام اهتمت بالرجوع إلى بيان الكنيسة القبطية عن واقعة سيدة قرية الكرم، الذي نشر على الصفحة الرسمية للمركز الإعلامي للكنيسة بموقع فيسبوك في مساء يوم الأربعاء الماضي، باعتبارها الأقرب إلى الحادث، ومع ذلك جائت تصريحات محافظ المنيا وعمدة القرية عن الحادث مخالفة ومتعارضة إلى حد تكذيب تصريحات الكنيسة التي أطلقها أنبا مكاريوس أسقف عام المنيا، مما أسقط بعض وسائل الإعلام في فخ نفي الخبر، ولعل هذا ما دفع إيبارشية المنيا إلى نشر صورة السيدة المعتدى عليها، على غير العادة في مثل هذه الحوادث التي تمس عرض النساء، لتقف حائلاً أمام التشكيك في الواقعة.
الملاحظ من التغطية الإعلامية لحادث قرية الكرم، الاهتمام باستبيان حقيقة تعرية السيدة المسنة دون التعويل على إحراق منازل ونهبها من قبل نفس الجناة، وهذا يرجع لعدة أسباب، أولها، أن الاعتداء الطائفي على امرأة بهذه الصورة هو الأول من نوعه إعلاميا، ثانيها، اهتمام الرأي العام المصري خصوصا مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي بهذا الشق الخبري المثير للجدل، ثالثها، أن الاعتداءات الطائفية التخريبية حالها مثل حال الحوادث الإرهابية صارت معتادة وجدانيا ونفسيا لدى المصريين بعكس جرائم الشرف الطائفية التي صارت بهذه الواقعة جرئم مستحدثة.
المختلف إعلاميا في حادثة قرية الكرم عن الحوادث الطائفية الماضية هو تمسك الكنيسة ممثلة في أنبا مكاريوس أسقف المنيا من خلال تصريحاته إلى وسائل الإعلام المرئية والمقروءة برفض الاشتراك في جلسة صلح عرفية سوف تنتهي حتماً بتنازل المجني عليها عن حقها في مقاضاة الجناة، مما يعد تطوراً كبيراً في تعامل قيادات الكنيسة القبطية مع القضايا الطائفية، كما يعتبر تطوراً في تعاملهم مع وسائل الإعلام، فقد كان الإعلام في حوادث سابقة هو آخر من يعلم وتحول في هذه الأزمة إلى منبر لإعلان الرأي والراي الآخر، بل وصل إلى حد محاولات إتمام الصلح بين أسقف المنيا وعمدة القرية في مناظرة على الهواء تمت في أحد البرامج التليفزيونية الشهيرة نظراً لانغلاق القنوات الاعتيادية بين الطرفين.
أخيراً، كشف الإعلام المصري الخاص في متابعاته لقضية قرية الكرم، الستار عن النقائص التي تشوب المحافظات والقرى في صعيد مصر، والتي لا تظهر إلا بعد البحث والتنقيب لأن المسؤولين في الغالب لا يودون إعلان الحقائق التي تكشف تراجعهم عن القيام بأدوارهم على أكمل وجه، فلولا الاستقصاء الإعلامي الذي تم بجهد دؤوب لكانت الحقائق قد ذابت في ثنايا الماضي دون مراجعات أو محاسبة.