لا أعلم إذا كان المهندس شريف اسماعيل رئيس الوزراء يهتم بمتابعة لعبة كرة القدم أم لا .. وهل كان واحدًا من ضمن الملايين فى مختلف أنحاء العالم الذين تابعوا بالأمس مباراة نهائى دورى أبطال أوروبا أم لا .. شخصيًا لا أتمنى فقط أن يكون قد شاهد المباراة ولكنى أتمنى لو كان متابعًا جيدًا لفريق أتليتيكو مدريد تحديدًا ومسيرته مع المدرب الفذ دييجو سيميونى والذى برغم خسارته بالأمس فتجربته مع الأتليتيكو على مدار 5 سنوات مليئة بالدروس المجانية لكيفية تحقيق النجاح بأقل الإمكانيات وفى أصعب الظروف وانت تواجه أعظم التحديات ، فقد تولى سيميونى إدارة الفريق وهو فى مصاف الفرق المتوسطة والمنسية فلا هو يمتلك الكثير من المال ولا يوجد بصفوفه لاعبون سوبر من نجوم الصف الأول ولا يعرفه الكثيرون حول العالم فحوله خلال فترة قليلة إلى أحد عمالقة أوروبا الكبار .
ما أحوجنا فى هذا الوقت إلى رئيس حكومة بعقلية وفكر وإرادة سيميونى ، وإذا كان وجود شاب مثله فى منتصف الأربعينات من عمره يمتلك فكرًا وصاحب رؤية ولديه قدرة على الإنجاز فى رئاسة حكومتنا ضربًا من ضروب الخيال ، فتبقى التجربة والتى تستحق التأمل مليئةً بالدروس المجانية كما ذكرت وسأحاول هنا أن أذكرها بإيجاز لعل وعسى تنهض حكومتنا التى تصارع من أجل البقاء وعدم الهبوط إلى دورى المظاليم وتتحول إلى عملاق شرس مثل الأتليتيكو مدريد ..
1- الالتزام بالخطة الموضوعة
وهو يكاد يكون أمرًا مقدسًا لدى الفريق ، فأتليتيكو فريق تكتيكى بامتياز وما يريده المدرب يتم تنفيذه بحذافيره على أرض الملعب وبأقل نسبة من الأخطاء .. لقد وصلوا من الالتزام بالخطة إلى درجة أن أصبح لهم أسلوب لعب معتاد يعلمه الخصوم جيدًا وبرغم ذلك تجد فرق مثل برشلونة والبايرن واجهت أتليتيكو وهى تعلم أنه يدافع بشراسة ويباغت هجوميًا بالمرتدات ولكنها فشلت فى إيجاد طريقة مناسبة للتغلب عليه .. إلتزام واضح وصارم بالخطة وهى بالمناسبة خطة حقيقية وليست مجرد بيان هزيل لبرنامج مبهم ملىء بكلام الإنشا ، وحتى هذه (اللا خطة ) لا يتم الالتزام بها !
2- العمل الجماعى
لن تجد نجمًا فى الفريق يخطف الأضواء من الجميع ويتحرك أسلوب اللعب كله من خلاله ويتأثر الفريق أو ينهار فى حالة غيابه ، فالفريق هو النجم واللعب يتم بشكل جماعى مذهل لدرجة أن سيميونى فى نهاية كل موسم يستغنى عن بعض من أهم لاعبيه ولا ينهار الفريق أو يفقد بريقه .. رحل فالكاو ثم دييجو كوستا والحارس كورتوا ثم أردا توران وغيرهم ولم يتأثر الفريق مطلقًا لرحيل أحد .. إذا نظرت إلى لاعبى أتليتيكو كأفراد ستجدهم ف الأغلب عاديين جدًا ولكنهم عندما يتحدون كفريق عمل جماعى يصنعون المعجزات .. المسئولية جماعية والهدف فى النهاية واحد ولذلك لن تجد أبدًا كل لاعب أو ( مسئول ) فى وادى يغنى على ليلاه ويعزف منفردًا لحنًا ( نشازًا ) لا يطرب أحد !
3- أهل الكفاءة مش أهل الثقة والخبرة
لن تجد لاعبًا لدى سيميونى يلعب لأنه (محسوب عليه) أو (من رجالته) وبيثق فيه لأنه من أولئك الذين يمتازون بأى شئ سوى أنهم (بيسمعوا الكلام) ولا يمتلكون أى موهبة أخرى تؤهلهم للعب ، ولن تجد لاعبًا يلعب لمجرد أنه خبير أو قديم فى المكان و (فاهم الدنيا ماشية ازاى) .. لا وجود لأهل الثقة فالثقة تبنيها الأفعال والكفاءة والالتزام وليست الطاعة والنفاق والمحسوبية .. ولا وجود لأهل خبرة إن كانوا غير مفيدين أو بعقلية الموظفين يؤدون مهامهم دون أى تجديد أو ابتكار .. قد يوجد فى الفريق أهل خبرة مثل اللاعب الكبير توريس ولكنها خبرة تسبقها المهارة وتجاورها الموهبة وتدعمها الكفاءة .. فلا يوجد أى مجال للعواطف والمجاملات والمحسوبية فى تشكيل الفريق وهو ما نأمل فى وجوده أيضًا بالتشكيل الوزارى !
4 – الطموح
الشئ الذى قد يميز شخصًا متوسط الموهبة ويجعله يتفوق على الأكثر منه تميزًا هو الطموح ، الطموح المضاعف والرغبة الأكيدة فى تحقيق النجاح ، الطموح يقلل من الفجوة الكبيرة بين الشخص العادى والشخص المتميز ، لذلك تجد سيميونى حريصًا على اختيار عناصر فريقه من لاعبين من هذه النوعية ويختارهم بعناية ، فالموهبة يجب أن يسبقها الطموح ، بينما لدينا ليست المشكلة فقط فى غياب الطموح فالمصيبة أنه لا توجد موهبة من الأساس ، ولذلك لم نجد سيميونى يخرج يومًا ليقول ( إحنا شبه فرقة ) أو يصرح أحد لاعبى الفريق قائلا (إحنا فرقة غير رائدة ولا نسعى إلى الريادة) .. عشان عندهم طموح ..
5- الواقعية وترتيب الأولويات
ان تعرف قدراتك جيدًا وتصارح نفسك بعيوبك قبل مميزاتك وتسعى لتحقيق أهدافك بطريقة تناسب ما لديك من إمكانيات دون (فزلكة) أو فلسفة زائدة وألا تهتم (بالمنظر) أو (الصيت) والشكل الجميل على حساب (الجوهر) و (المضمون) وكل ما يشغل بالك هو تحقيق الإنجاز نفسه ، فأنت شخص واقعى مثل سيميونى ولاعبى فريقه الذين لا يهتمون بتقديم كرة قدم جميلة قدر اهتمامهم بتحقيق الانتصار ولم يورطوا أنفسهم فى (مشاريع) أكبر من قدراتهم أو (باعوا الوهم ) لجماهيرهم بوعود زائفة غير حقيقية ، ورغم ذلك عندما رتبوا أولوياتهم وتفانوا فى عمل ما يستطيعون تحقيقه وصلوا بالجهد والمثابرة إلى ما كان قد يبدو مستحيلًا بالطموح وبالواقعية ومصارحة النفس !
6- التغلب على ضعف الموارد المالية
كرة القدم أصبحت صناعة كبرى وبدون امتلاك المال لن تقوى على المنافسة أو الاستمرار فيها ، ولكن سيميونى حقق المعجزة بميزانية ضعيفة نسبيًا مقارنة بعمالقة القارة الأوروبية ويكفى أن نعلم أن القيمة التسويقية للاعبى أتليتيكو 364 مليون يورو – وهى بذلك قد ارتفعت كثيرًا عن آخر 3 سنوات ، بينما القيمة التسويقية لفريق مثل بايرن ميونخ 521 مليون يورو وبرشلونة 693 مليون يورو وريال مدريد 697 مليون يورو ، واستطاع أتليتيكو أن يهزم الأول والثانى ويخرجهم من البطولة ويخسر من الثالث فى النهائى بضربات الجزاء ، لم يشكُ سيميونى من قلة المال ولم يطلب من الجماهير أن (تصبح على أتليتيكو بجنيه ) أو التبرع (لصندوق يحيا أتليتيكو) ، فالجماهير بالفعل هى مصدر الدخل الأساسى سواء من قيمة ما تشتريه من تذاكر لحضور المباريات أو حتى عائدات البث التليفزيونى .. فمهما كانت مواردك ضعيفة ، فحسن استغلالك لها سيضاعف منها ، أما الشكوى الدائمة من قلة الموارد المالية وتحميل الناس فوق طاقتها فهو تهرب من المسئولية وتعبير واضح عن العجز والفشل وقلة الحيلة !
7- أفعال لا أقوال
برغم أن سيميونى معروف بعصبيته الشديدة وحماسه الزائد إلا أنه ليس من هواة الكلام الكثير ولا الدخول فى معارك كلامية مع مدربى الخصوم لجذب الأنظار إليه مثلما يفعل بعض المدربين ، والأهم أنه لا يفرط فى الحديث عن نفسه و عن إنجازاته الشخصية لأن ببساطة أى إنجاز حقيقى لن يحتاج إلى من يتحدث عنه وسيفرض نفسه على الجميع وهو ما يحدث بالفعل فعمل سيميونى وجهده وما أنجزه أصبح حقائق ثابتة على أرض الواقع يشعر بها الناس وليست مجرد أرقام او إحصاءات وبيانات عن معدلات نمو ونجاحات لا يشعر بها أحد !
8- الرجل المناسب فى المكان المناسب
هذه المقولة وإن كانت مصرية خالصة فلم أرَ أحدًا يطبقها حرفيًا مثل سيميونى فتحت إداراته تجد كل لاعب فى الفريق يلعب فى مكانه تمامًا فهو ليس من المدربين هواة ( التأليف ) وتغيير مراكز اللاعبين عمال على بطال .. وأيضًا تنطبق هذه المقولة بسبب إجادة كل لاعب لمهام مركزه والقيام بواجباته على أكمل وجه وهو ما يثبت حدس سيميونى الصائب فى أغلب الأحيان وبراعته فى اختيار عناصر أفراد الفريق فلن تجد أبدًا مهاجمًا فى تشكيل مباراة يلعب مدافعًا او حارسًا للمرمى فى تشكيل آخر أو وزيرًا للتربية والتعليم فى تشكيل وزارى يتحول إلى وزير للتنمية المحلية فى تشكيل وزارى آخر ، أو وزيرًا للسياحة يتحول إلى وزير للتجارة والصناعة .. مفيش عك !
9- روح الشباب
متوسط أعمار لاعبى فريق أتليتيكو يبلغ 25.7 عامًا وهو من أقل المعدلات فى أندية القمة بأوروبا ، وأهم لاعبى الفريق أغلبهم من الشباب والمواهب الصاعدة ، وهو ما يؤكد إدراك سيميونى التام بأن أهم عامل للنجاح فى أى عمل جماعى هو ارتكازه على عنصر الشباب .. أعطى سيميونى الفرصة للشباب للتعبير عن أنفسهم ، فتح أمامهم المجال للإبداع والابتكار وهو ما يؤكد بأن عام 2016 كان (عام الشباب) فى أتليتيكو مدريد أكثر من أى مكان آخر ..