هند كرم تكتب : " عُـراتُـنا في الداخل والخارج "

” المصري يعني جدع ، و شهم ، وابن بلد ” ….

هذه هى أولى الصفات التي تُقرن بالشخص المصري وتـُنسب اليه وتلازمه أينما حل وارتحل في وطنه او في بلاد الغربة وطالما ظلت عنوانا عريضا للصورة الذهنية المطبوعة في ذاكرة الاخرين عنه ومختصرا عاماً لسمات شخصيته .. هذا الشهم الجدع وابن البلد والذي يستطيع أن يبهرك بسلوكه الرجولي في المواقف البطولية والقتالية باستبسال لايضاهيه فيه أحد ، هو نفسه المصري ابن البلد الذي قد يبهرك في أحيان أخرى بابتلاع شهامته وجدعنته لاسباب تدور في حلقات متداخلة  يجمع بينها “الخوف والضعف والجـُبن وفي بعض الظروف شعوره بالدونية والقهر” ..

قد يكون حديثي قاسيا بعض الشيء وقد لايرُقْ لكثيرين على رأسهم المزايدين و” المنتفضين اللحظيين” لمصريتهم التي تظهر وتخبو حسب طلبهم ! وقد أواجـَهُ باتهاماتٍ صريحة بالاساءة للرجل المصري الذي هو في حقيقة الامر وببساطة – أبي وأخي وحامي عرضي وأرضي …. لكن سياسة النعامة لم تعد تـُجدي نفعا ولن تقودنا الى إصلاح عوالمنا الخارجية بكل مافيها ومن فيها ، قبل أن نخرج رؤوسنا المدفونة ونرفع أعيننا المكسورة لنعترف أولا بحاجتنا الملحة والعاجلة لإصلاح دواخلنا البالية الصدأة بسبب تراكم العادات والسلوكيات والافكار التي نخر فيها سوس النـَفس ودود المجتمع !

حادثتان شغلتا الرأي العام المصري ربط بينهما ( الكرامة الانسانية ) ، الأولى / حادثة سيدة الِمنيا المُسنة ذات السبعين عاما و التي تعرضت للإهانة والاساءة بتجريدها من ملابسها وسحلها وضربها أمام منزلها بأحد قرى الصعيد على يد عشرات من البلطجية على خلفية اتهامات غير مؤكدة بعلاقة محرمة ربطت بين نجلها وسيدة تنتمي للقرية نفسها نتج عنها افعال انتقامية خارجة عن القانون في حق السيدة المسنة على مرأى ومسمع من رجال القرية ” الصعايدة ” الحاميين الجدعان ولاد البلد الذين ابتلعوا شهامتهم ولم يحركوا ساكناً لستر وحماية هذه المرأة لاسباب لازالت مجهولة ، بل أن سريعا ما انحرف مسار تناول الحادثة لتأخذ طابعا ( طائفياً ) وإرهاصات فتنة نفخ فيها المستفيدون والمستثمرون للكوارث وفورا  طالعتنا العائلة المصرية والازهر بدعوة مجتمعية للإلتئام في البرواز الكلاسيكي المتهالك الذي يؤطر الصورة التقليدية لرجال الدين المسيحي والاسلامي جنبا الى جنب وملاصقة الهلال للصليب ،  في محاولة مُستنسخة لإنفاذ ( القضاء العُرفي ) والصلح الأهلي بين معشر الاقباط ومعشر المسلمين للتأكيد على أن الاسلام دين سماحة وسلام وان ماحدث على يد بعض نفر من المنتمين اليه ماهو الا خروج عن النسق المصري الشهم الأصيل المحترم ذي النسيج الوطني الواحد .! ولا اعلم لوكان ابطال الحادثة مسلمين فقط أو أقباط فقط هل كانت ستلتئم الاسرة المصرية للفصل في جريمة جنائية تستوجب التعامل معها بالقانون وليس بدعوة غداء أو كوباية شاي على المصطبة وعفا الله عما سلف يا أبونا  ، خلاص حصل خير ياشيخنا وتحيا مصر  !!!!

الحادثة الثانية / ماتناقلته مواقع التواصل الاجتماعي لمقطع فيديو مؤلم وقاسي لتعرض شاب مصري للضرب والصعق بالكهرباء والسباب بأقذع الالفاظ على يد كفيله في دولة الكويت بعد أن جرده تماما من ملابسه .  والمؤسف ان أجهزة الدولة المصرية المعنية لم تتفاعل مع الحادثة او تصدقها من الاساس  ولم تتحرك الا بعد انتشار الفيديو بشكل مذهل واجراء اتصالات بالجهات المعنية على اعلى المستويات في كلتا الدولتين نتج عنها القاء الامن الكويتي القبض على المتهم وهو من فئة البدون- ومعاونه ( الشهم الجدع ابن البلد المصري) الذي قام بتصوير تعذيب مواطنه المصري بكاميرا هاتفه .

الحادثتان المؤسفتان ليست الاولتين من حيث نوعية الجريمة ( الاعتداء بالضرب والاهانة ) ولكن اسلوب الجريمتين هو المستحدث حيث لجوء الجناة الى تجريد الضحايا من ملابسهم وتعريتهم قبل الاعتداء عليهم بقصد الاذلال وكسر الكرامة وتفريغ شحنة عدوانية انتقامية بشكل سادي مقيت …

تأثير الخوف والضعف وسطوة القوة والظلم هي المشاعر التي سيطرت على أجواء الحادثتين – ولا أقصد الضحايا فحسب بل المجتمع المحيط بهما من أهالي وأقارب ومسؤولين  … أتحدث عن ” المصري الجدع ، ابن البلد ” الذي ابتلع شهامته وتخلى عن رجولته في الشدائد واحتفظ بنوعه “ذكراً”  فقط في خانة الجنس بشهادة الميلاد – هذا المصري الجدع الذي أختفى في قرية الكرم الصعيدية أو في حي العزيزية بالكويت  ./  وماقد يزيد في حادثة الكويت هو تغلب مشاعر القهر والدونية والذل فوق الخوف والضعف للضحية أمام كفيله أو رب عمله وهو ماقد يفسر ان الحادثة قد تمت قبل عام ونصف دون ان يبلغ بها الضحية !

إذن ؛ نحن أمام حوادث (فردية نعم ) – ولكن ايضا متكررة لاغتصاب الانسانية وانتهاك الحُرمة المصرية من بعض المتجاوزين للاخلاق والقانون وتجار البشر ( في الداخل والخارج ) ، حوادث ( فردية نعم ) ولكنها تقع في ظل خنوع وتستر مجتمعي افرادا ومؤسسات لايقل جرما عن كاشفي العورات ..

أما حادثة العـُري الثالثة فلن أُفرد لها أكثر من سطرين لفُجر الخصومة في تفاصيل ماحدث من انتهاك لحرمة المشاهدين في العراك المسف والسقوط الاخلاقي على الهواء بين اثنين من الاعلاميين الرياضيين في برنامج الاعلامي الثالث صائد الفضائح !

أيا كان نوع الانتهاك فالكرامة الانسانية داخل الوطن أو خارجه لن تُحفظ وتُصان الا بتفعيل القانون وتغليظه ضد منتهكي ومغتصبي الانسانية دون تمييز أو تحيز لدين أو اعراف دبلوماسية أو نفوذ من شأنه أن يجور على حق الانسان في العيش والعمل بكرامه أينما كان…

وهمسة في أذن كل من يعمل خارج وطنه او على أرضه : الساكت عن حقه شيطان أخرس ، ولن يُحييك أو يُميتك أو يـَقطع عيشك سوى ربك الذي خلقك ورزقك ، وليس ربَ عملك الذي هو عبدٌ الى الله مثلك ، ولتتذكر ” إن الله لايـُغير مابقومٍ حتى يـُغيـِّروا ما بأنفُسِهم ” / صدق الله العظيم.

إقرأ للكاتب:

هند كرم تكتب: رحلة العودة الأخيرة 

هند كرم تكتب: فتيل الدولة قابلٌ للإشتعال!

بنر الابلكيشن