نقلًا عن المصري اليوم
يعيش الوطن تحت وطأة عار تعرية السيدة الفاضلة سعاد فى الصعيد بسبب شائعة أو حتى حقيقة يظل العار هو العار، فى الأحوال العادية يتم قتل السيدة المسلمة المتهمة بارتكاب الفاحشة، فلماذا تعرية السيدة المسيحية التى لم تقترف ذنباً إلا من يعتبر أن المسيحية ذنب. لا ينكر أحد أن ثقافة غليظة عمياء صارت تتحكم فى المجتمع تجاه المختلف ديناً وعرقاً وملامح وزياً ولهجة، هناك توجه متطرف يسعى لكى نُصبح كلنا نمطاً واحداً، ولدينا محافظ المنيا لا يزال ممسكاً ببيضة فى يده اليمنى عليها لفظ الجلالة، متجاهلاً أن يُمسك بيده اليسرى ببيضة أخرى عليها وشم الصليب، حالة الدروشة التى نعيشها لم تترك فيما يبدو مسؤولاً إلا وأصابته برذاذها، لتلعب تلك الخزعبلات دور البطولة فى التغييب الذى يمنح غطاءً شرعياً لكل ما نراه من تطرف وعنف بل سادية فى القسوة على أنفسنا، ولن أقول الآخر، فلا يوجد فى الحقيقة آخر، لن أسهب أكثر فلقد كفانى الزملاء ذلك، أريد أن أنتقل إلى تنويعات على نفس «التيمة».
تونى لاعب الكرة تم استبعاده من فريق الناشئين بالنادى الأهلى بسبب ديانته، ثم عاد أيضاً بسبب ديانته، فلقد فضحهم على شبكة التواصل الاجتماعى فتراجعوا، أين الحقيقة؟ هل استبعدوه لأنه مسيحى أم أعادوه لأنه مسيحى! هل نمعن النظر إلى هذه الدرجة فى خانة الديانة حتى فى الفن والرياضة، هناك ظواهر استبعاد بسبب الديانة عانى منها حتى نجيب محفوظ فى الثلاثينيات من القرن الماضى عندما اعتقدوا أنه مسيحى فلم يسمحوا له بالسفر فى بعثة للخارج لا يحصل عليها إلا المتفوقون، ولو قلبت فى تاريخنا القريب ستجد عدداً من الحكايات المماثلة، إلا أنها فى الماضى كانت مجرد حكايات فردية أقرب للنوادر.
نعم لا يوجد سوى عدد محدود من لاعبى كرة القدم المعروفين مسيحيى الديانة، وربما تجد على النت فى قصيدة للشاعر مينا مجدى «جربت تكون لمؤاخذة مسيحى»، التى يقول فيها بمناسبة الكرة:
«جربت تشجع منتخبك/ وتغنى له مهما يروح فين/ مع إنك عارف متأكد/ إنه ممنوع يلعب فيه مسيحيين/ وإن قلت قالوا لك عدد رمزى/ ما تبص وأهو عندك هانى رمزى»، وهو ما حدث فى الحقيقة بالضبط عندما دافع النادى الأهلى عن موقفه، على الفور قال المسؤول: لسنا متعصبين والدليل هانى رمزى.
من الممكن أن تُفسر هذا الموقف اجتماعياً بأن الطفل المسيحى لا يلعب كرة فى الشارع مثل المسلم، وبالتالى لا يُصبح مؤهلاً بعدها للتقدم إلى أى نادٍ، المسيحى يرفض أن يلعب مع المسلم أم أنه يخشى أن يرفضه المسلم، لماذا عبر التاريخ لم نجد لاعب كرة مسيحياً بحجم ونجومية أساطين الكرة:
الضظوى وصقر وصالح سليم والخطيب وأبوتريكة، حتى فى وقت كان المجتمع فيه أكثر تسامحاً، وهو نفس ما يمكن أن تلاحظه بين المطربين المصريين، هل يتذكر أحدكم المطرب السكندرى عزت عوض الله صاحب أغنية حققت شهرة عريضة فى الخمسينيات «يا زايد فى الحلاوة عن أهل حينا/ ما تبطل الشقاوة وتعالى عندنا»، عزت من جيل عبدالحليم، اسمه الحقيقى مرقص عوض الله باسيلى، طبعاً غير اسمه حتى لا يتوقف أحد عند مرقص ويكشف ديانته، إلا أن شهرته لم تتجاوز الإسكندرية رغم أنه غيّر اسمه، لديك مثلاً هانى شنودة منذ السبعينيات وهو حريص على أن يتصدر اسمه فرقة المصريين، ولا أتصور أن ديانة هانى لعبت دوراً سلبياً فى عرقلة نجاحه، بل هو للتاريخ رائد الفرق الغنائية فى بلادنا، بينما توقف الآخرون ظل هو يقاوم الزمن، ورغم ذلك لايزال البعض يسأل: هل نجيب الريحانى مسلم أم مسيحى؟ هل تفرق معك إذا كان مسلماً أم مسيحياً؟ هو أعظم فنان كوميدى عرفته الشعوب العربية، رحل قبل أكثر من 67 عاماً ولا تزال أشرطة أفلامه السينمائية الستة رغم حالتها الهندسية المتردية قادرة على إضحاكنا.
مع الأسف لم يكن هذا السؤال مطروحا من قبل، ولكنه صار عند البعض هو الأهم، وكثيراً ما واجهتنى أسئلة من هذا القبيل، ورغم ذلك فإن لدينا مثلاً ماجد الكدوانى، صائد الجوائز الأول فى السينما والتليفزيون، هل كان لديانته دور سلبى؟ لا أتصور، فهو ينتقل من نجاح إلى نجاح، هل تراجع هانى رمزى عن مقدمة الكادر الآن له علاقة بديانته، أم لأنه فقد قبل عدة سنوات بوصلة الاختيار، فصارت تنقلاته بين السينما والبرامج بل الإعلان تشى بأنه فى حالة «دهولة» فنية.
مصر تُقدم ليلى مراد وتحقق أعلى درجات الجماهيرية وتحظى بأعلى أجر حققه فنان عربى فى التاريخ، نعم أشهرت إسلامها عام 46 ولكن حققت أعلى إيرادات ووصلت لذروة النجاح وهى يهودية، ولم تكن بحاجة مثلا لكى تُغنى «يا رايحين للنبى الغالى» حتى يُحبها المسلمون، فلقد أحبوها وهى تغنى «اضحك كركر إوعى تفكر»، وأيضاً داود حسنى الموسيقار اليهودى رددوا له «قمر له ليالى»، على الجانب الآخر لن تجد فى هذا الزمن مطرباً أو موسيقاراً مسيحياً يحقق نفس القدر من النجاح، رجاء عبده صاحبة أغنية «البوسطجية اشتكوا من كُتر مراسيلى» التى كتبها أبوالسعود الإبيارى ولحنها لها عبدالوهاب، كما أن عبدالوهاب لعب أمامها بطولة فيلم «ممنوع الحب» وشاركته دويتو «ياللى فُت المال والجاه» اسمها اعتماد عبدالمسيح، ولكن لا نذكر لها أغنيات أخرى، نعم لم تُقدم مصر مطرباً قبطياً حقق نجومية طاغية طوال التاريخ توازى عبدالوهاب وفريد وفوزى وعبدالحليم ولا مطربة بحجم أم كلثوم وشادية ونجاة وشيرين، لا أتصور أن الديانة لعبت دوراً أدى إلى توقف مطربة فرقة المصريين منى عزيز، هى فقط تزوجت واعتزلت.
الديانة هل تلعب دوراً سلبياً؟ أقصد هل يعانى الفنان من تراجع فى الشعبية بسبب ديانته؟، أتذكر أن هانى شاكر فى بداية مشواره الفنى، مطلع السبعينيات، كان يؤكد فى أحاديثه حرصه على أداء الصلوات الخمس، لأن البعض أوعز إليه بأنه سوف يفقد شعبيته لو صدقوا شائعة أنه مسيحى، الفنان محمد صبحى منذ 17 عاماً لاحقته تلك الحكاية، وهى أن اسمه الحقيقى مجدى، وأنه مسيحى، ولكن والده أطلق عليه محمد لأن كل الأطفال الذين أنجبهم قبله قد ماتوا، مجموعة من التخاريف صاحبت بطل مسرحية «تخاريف»!!
هل تتأثر شعبية الفنان بسبب ديانته؟ هناك بعض المظاهر لا تجد لها تفسيراً منطقياً، لو أنك مثلاً سألت لماذا لم يظهر «جان» (فتى أول) مسيحى الديانة طوال تاريخ الدراما المصرية يوازى أنور وجدى وكمال الشناوى وشكرى سرحان ورشدى أباظة، وصولاً إلى أحمد السقا ومحمد رمضان؟ لو استسلمنا للتفسير الطائفى الذى يقول إن بعض المصريين يرفضون الفنان بسبب ديانته، سنجد أنه على المقابل قسط وافر من نجوم الكوميديا أقباط، بل إن الضحك فى مصر لو قررت أن تحيله إلى اسم فنان واحد يعبر عنه ويصبح عنوانه لن تجد سوى نجيب الريحانى المسيحى الكاثوليكى.
لا أنكر أن هناك من يعتقد أن الدين قد يشكل حاجزاً بينه وبين مشاعر الناس، ولا أنكر أيضاً أن البعض قد ينحاز دينياً فى التقييم بسبب الدين ولكنى على يقين أن هذا هو الاستثناء.
أثناء إقامة مهرجان الإسكندرية السينمائى قبل خمسة أعوام، جمعتنى جلسة مع يحيى الفخرانى، حكى لى أنه فى مسلسل «زيزينيا» وبعد اعتذار آثار الحكيم عن عدم أداء الجزء الثانى، أصر هو ومخرج المسلسل جمال عبدالحميد، والكاتب أسامة أنور عكاشة، أن الأنسب للدور هى هالة صدقى رغم اعتراض الإنتاج، ولم يجد المسؤول لإبعاد هالة سوى أن يذكرهم أنها مسيحية، والمسلسل يعرض فى رمضان وكأن وجودها يُبطل الصيام، حكى مرة مذيع الراديو الأشهر أسامة منير أنه رسب فى الامتحان كمطرب عندما تقدم للجنة الاختبار فى الإذاعة قبل نحو 25 عاماً لأن اسمه الثلاثى أسامة منير جريس، وأعتقد أن الملحن عبدالعظيم محمد، عضو اللجنة، تعمد إقصاءه عندما عرف اسمه الثلاثى، وكتب بعدها هذا الزجل يقول فى مطلعه: «إن كنت لويس أو جريس/ من حقى أركب الأتوبيس»، إلا أن أسامة حقق بعد ذلك نجاحاً استثنائياً كمقدم برامج ولم يكتف فقط بالأتوبيس بل ركب صاروخاً إلى قلوب الجماهير، نعم بين الحين والآخر قد نلمح تصريحاً طائفياً يحظر السلام أو الأكل أو التهنئة للمسيحيين إلا أن مشاعر الناس عندما تستقبل فناناً أو لاعب كُرة لا تسأله أولاً قبل أن تأذن له بالدخول: أنت مسلم أم مسيحى؟! لماذا يستقبل الجمهور نانسى عجرم ولم يسأل عن ديانتها، وفى رمضان تجد على شاشة التليفزيون نيشان وتونى خليفة وجورج قرداحى هم الأقرب للجمهور، بينما لا نجد مذيعاً مصرياً مسيحياً بعد مفيد فوزى يحقق شهرة فى الشارع!!.
هناك، ولا شك، أسئلة كثيرة لا أستطيع أن أجد لها إجابة قاطعة، قد تبدو بزاوية ما أنها طائفية، إلا أنها من المؤكد- بزاوية مغايرة- تحمل أسباباً أخرى!!.