محمد سلطان محمود يكتب : شوبير والطيب والكبير

جميع المهن تتطور مع تطور الزمن، التعليق الرياضي تطور مع دخول أجيال جديدة من المعلقين، لكن مع تطور أدوات المعلقين بدأ بعضهم في التخلي عن أهم صفة يجب علي المعلق أن يتحلى بها، وهي إلتزام الحياد بين الفريقين.

حمادة إمام وميمي الشربيني كانا من نجوم الزمالك والأهلي، لكن عندما اتجها إلى التعليق إلتزما بهدف واحد هو إمتاع المشاهد بوصف المباراة بإسلوب سلس، بل إن حمادة إمام كان يعلق على مباريات للزمالك ومنتخب مصر يتألق فيها نجله حازم، ولا يمدحه مثلما يمدح باقي زملاءه في الملعب، بينما كان ميمي الشربيني يمتع المشاهدين بمنحه الألقاب للموهوبين والمتألقين، يجعلك تستمتع باللمسات السحرية لمحمد بركات وبعد دقيقة يجعلك تشعر بمهارة حازم إمام أثناء مراوغة المدافعين ويشيد بعبقرية أحد المدربين وإرتداء الحضري لقفاز الإجادة، لذلك بقيت اسماء حمادة إمام والشربيني وكذلك محمود بكر في ذاكرة المشاهدين طوال اكثر من 30 عام من التعليق، وهو ما يجعل المشاهدين في إفتقاد دائم لميمي الشربيني المبتعد حاليًا عن التعليق بإختياره.

فتيل الأزمة

الأزمة لم تشتعل فجأة، نغمة التعصب للزمالك أو الأهلى متواجدة في التعليق منذ فترة، المعلقين أغلبهم يميل إلى الفريق الكبير خلال تعليقه على المباراة، فيتحول إلى مشجع للأهلي امام بتروجيت أو وادي دجلة، ويلوم الدفاع الأحمر لو تلقت شباكه هدف، الشيء نفسه يحدث مع الزمالك

في مباراياته مع الاندية الغير جماهيرية، اندية مثل المقاصة والمقاولون العرب تتم معاملتها نفس معاملة الفرق الأجنبية أثناء التعليق على المباريات من معلقين يحاولوا مغازلة مشاعر جماهير قطبي الكرة المصرية علي استحياء، قبل أن ينضم أحمد الطيب إلى قناة نايل سبورت ويرفع سقف التحيز إلى أعلي مراحله.

الطيب قبل إنضمامه إلى قناة نايل سبورت واجه أزمة مع أحمد شوبير بعد تدخل الأخير لكي يتم إستبعاده من التعليق على مباراة القمة بين الأهلي والزمالك في الموسم الماضي بسبب إنتماءه للزمالك، وقتها خرج الطيب ليهاجم شوبير ويتهمة بإستغلال علاقاته بمسئولي شركة بريزينتيشن لمنعه من التعليق على مباراة القمة، قبل أن ينفي شوبير عن نفسه تهمة التدخل، مؤكدًا أن مسئولي شركة بريزينتيشن كانوا هم من وقفوا وراء إبعاد الطيب عن المباراة.

أحمد الطيب ابن مدينة السويس، ومن المعروف عن أبناء محافظات القناة هو عدم تفضيلهم لتشجيع الأهلي لأسباب تاريخية متعاقبة ومركبة، وبعد إنضمام الطيب إلى قناة نايل سبورت، أصبح شيء متوقع كأقدم المعلقين المتواجدين بالقناة أن يقوم بالتعليق على مباريات الزمالك في الدوري المصري الممتاز، وقتها بدأ الجميع يدرك مدى “زملكاوية” أحمد الطيب أثناء التعليق.

بالتأكيد كان وجود معلق يظهر إنتماءه للزمالك يزعج مقدم الستوديو التحليلي أحمد شوبير بما يعرف عنه من تعصب لناديه، وفي مباراة الأزمة، قام الطيب بأكبر خطوة لإستفزاز جماهير النادى الأهلي.

حتى الأن لا يمكنني تصديق ما يقوله أحمد الطيب عن عدم وجود أى قصد خفي من حديثه عن المطربين الذين يقوموا بتشجيع الزمالك والأخرين الذين يشجعوا الأهلي،فما قاله الطيب ما هو إلا قراءة لواحد من أكثر التعليقات المتداولة على صفحات محبي نادى الزمالك في الأيام السابقة للمباراة، وبالتالي تحول أحمد الطيب أثناء التعليق إلى مشجع درجة ثالثة للزمالك، وهو سلوك إتبعه من قبله شوبير بدرجات أقل حدة ووضوح، وفعله مدحت شلبي بصخب محسوب.

مدحت شلبي ايضًا طرف في تلك الأزمة، وإن كان لم يشارك في الأحداث الأخيرة، جماهير الزمالك تدرك أن مدحت شلبي يعشق النادي الأهلي وكثيرًا ما أقام الأفراح و الإحتفالات عقب تحقيق الشياطين الحمر لأى لقب، لكنه يحرص دائمًا على إنكار إنتماءه لأى من فريقي القمة، وكان يخصص حلقات برنامجه للإحتفال بالأهلي، خاصة أنه إبتعد عن التعليق على المباريات،بإستثناء بعض المباريات الهامة القليلة خلال الموسم،ومن ضمنها بالتأكيد مباريات القمة التي بدأ مشجعي الزمالك في الشعور بتحيزه خلالها.

المعلقين “مالهمش كبير”

تلك الأزمة كان من الممكن إحتواءها في بداية إشتعال فتيلها لو كان هناك رمز كبير متواجد على ساحة الإعلام الرياضي في الوقت الحالي، شخص يمكن أن ينصت إليه الأخرون حين يتحدث، لكن الإعلام الرياضي يعاني من أزمة فراغ كبيرة، خاصة بعد التطور في شكل تقديم البرامج الرياضية والستوديوهات التحليلية التي تستمر حتى صباح اليوم التالي،وهو ما اخرج مقدمي تلك البرامج من صورة مقدم البرامج الرياضية ليتحول إلى ونيس لكل من يشعر بالملل والوحدة حتى ساعات متأخرة.

كل هذا يتزامن مع إفتقاد المعلقين الرياضيين لجيل الكبار وشيوخ المهنة ،بعد وفاة محمود بكر و حمادة امام وإبتعاد ميمي الشربيني عن التعليق بسبب شعوره بعدم الرضا عن ما يحدث في أروقة التليفزيون المصري بعد سوء تعامل القائمين على إدارة البرامج الرياضية معه أثناء حصوله على مستحقات متأخره له،وربما يكون أكثر المستائين من تصرفات المعلقين الحاليين.

ربما يكون وجود فراغ على زعامة التعليق الكروي والإعلام الرياضي أحد الدوافع الخفية للأزمة، فالجميع يتذكر الحرب الباردة التي إستمرت لسنوات بين ستوديو أحمد شوبير وستوديو مدحت شلبي، حتى بعد أن جمعتهما قناة واحدة هي موردن سبورت، قبل أن تضطر إدارة مودرن سبورت إلى فصل كل منهما في قناة ، لكن الصراع لم يهدأ حتى بعد إغلاق قنوات موردن وبيعها لشبكة cbc، فهو الصراع على الريادة وزعامة الإعلام الرياضي، أن تكون الكبير ورقم 1 في المجال، بالتأكيد ذلك عنصر مهم عند التعاقد مع قناة وفي تسويق البرنامج لجذب المعلنين، ذلك الصراع بدأ بعدة ستوديوهات وإنتهي دون حسم حتى أيام قليلة بين شلبي وشوبير.

لكن لا يمكن تجاهل تحذير وائل الإبراشي لشوبير والطيب أثناء صراخ شوبير، عندما نبههما أن بإتباعهما لذلك السلوك لن يحصلا على عمل في أى قناة تليفزيونية،وهو ماحدث عقب وقوع المشاجرة بين الإثنان، وصدور قرار منع التعامل مع الطيب وشوبير في إتحاد الإذاعة والتليفزيون، ليتوقف عمل شوبير في الإذاعة وقناة نايل سبورت ويتبقي له برنامجه في قناة صدى البلد، وكذلك تنتهي فرص الطيب في التعليق على مباريات أى بطولة مصرية، ومحاولة إدارة إتحاد الإذاعة والتليفزيون إعادة الإنضباط إلي ستوديوهاتها التحليلية و التعليق على المباريات من خلال تعديل قائمة مقدمي الستوديوهات التحليلية و معلقي المباريات.

لتنتهي الأزمة في ماسبيرو، وتطوي صفحة شوبير والطيب حتى إشعار أخر مع تليفزيون الدولة، ويبدو أن شوبير هو الخاسر الوحيد في الأزمة بعدما فقد فرصتين عمل، بينما خرج أحمد الطيب دون خسارة أو مكسب بسبب قصر فترة تواجده بقناة نايل سبورت.

أما مدحت شلبي فهو الرابح الوحيد بإهتزاز مكانة منافسه الأبرز، وربما يجدر عليه الأن الجلوس مع دائم الإبداع محمد نصر لتحضير فيديوهات إحتفالية راقصة تستمر حتى إشعار أخر في سباق الصراع على مقعد “الكبير”.