ذكر الكاتب الكبير الراحل “اسامة انور عكاشة” فى احد حواراته التليفزيونية ان بداية فكرة “ليالى الحلمية” ظهرت خلال رحلة العودة مع المخرج الراحل “اسماعيل عبد الحافظ” بعد تكريمهما على النجاح الاسطورى لمسلسل “الشهد والدموع”، ووقتها فكر الثنائى فى عمل درامى يحتمل ان يشمل عدة اجزاء وكان حلمهم ان يكون مسلسل يرصد التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية فى مصر خلال قرن من الزمان.
وعلى الفور اختار “عكاشة” الحلمية مسرحاً للاحداث لكى تتحول المنطقة الى البطل فى العمل الدرامى وليس الحدوتة كما كانت فى “الشهد والدموع”، لان البناء الدرامى لمسلسل “الشهد والدموع” اعتمد على قصة صراع قوي بين شقيقين مختلفين فى كل شئ، وامتداد ذلك الصراع لجيل الابناء وعلى هامش القصة تم طرح المكان كعامل مساعد، حيث كانت المغربلين معقل اولاد الاخ الطيب الفقير “شوقى” واصبحت الزمالك معقل اولاد الاخ الغنى الشرير “حافظ”، لكن الامور اختلفت فى “ليالى الحلمية” حيث كان الاساس هو منطقة الحلمية والتناقضات التى شهدتها عندما تحولت من منطقة تضم الباشاوات وقصورهم وكذلك الفتوات والعوالم الى منطقة تقتصر على العمال وابناء الطبقة الوسطى من الموظفين، لذلك كان البناء الدرامى الاساسى لملحمة “الحلمية” يعتمد على رصد ذلك التحول السكانى والانسانى لحى الحلمية.
ليس هذا فقط لكن شملت القصة مجموعة من الصراعات الرئيسية مثل الصراع الشخصى بين ابن الباشا “سليم البدرى” والعمدة “سليمان غانم” بعد ان نجح والد الاول “اسماعيل باشا البدرى” فى الحصول على ارض والد الثانى”عبد التواب غانم” بل وسجنه حتى مات محسوراً، ولذلك صمم ابنه “سليمان” على الثأر لوالده عن طريق توجيه الضربات (اوعلى حد قوله) الكفوف لابن “البدرى”.
وكذلك الصراع الطبقى بين طبقة ابناء الباشاوات الممثلة فى “سليم البدرى” وزوجته “نازك هانم السلحدار” واهالى الحلمية حيث ابن العم الفقير “توفيق البدرى” وزوجته “انيسة” وشقيقتها “علية” الزوجة الثانية للباشا “سليم البدرى”، وايضاً الصراع بين الباشاوات والفتوات ممثلين فى الفتوة “زينهم السماحى” صاحب قهوة الحلمية، واخيرا الصراع الاخلاقى بين اخلاقيات المدينة واخلاقيات القرية بين سلالة الباشاوات القاهريين والفلاحين ابناء قرية ميت الغانم فى محافظة البحيرة.
ويتضح من سرد الصراعات المبدئية التى احتشد بها الجزء الاول للعمل ان “اسامة” كان ينتوى بوضوح ان تكون “الحلمية” عمل ضخم بل وعمل درامى ممتد، وتأكد ذلك ايضاً من اختياره فترة مبكرة وثرية لبداية الاحداث وهى الفترة التى اعقبت ثورة 1919 وسبقت ثورة يوليو.
لكنه لم يغفل ان يدعم صراعاته بمجموعة من المشهيات والتوابل الدرامية مثل قصة حب الشاب الثورى “طه السماحى” للفتاة الثرية “نجاة” ابنة الضابط الكبير فى القلم السياسى “عبد الفتاح باشا سلطان”، وكانت العقدة الدرامية الابرز متمثلة فى طلاق “نازك السلحدار” من الباشا “سليم البدرى” بعد علمها بزواجه من ابنة العطار”علية” وزواجها من العمدة “سليمان غانم” فى لحظة عند بل وانجابها منه ابنتها الوحيدة “زهرة”، لتظهر تلك التوليفة ربما لاول مرة وهى الثلاثى “على”، “عادل”، “زهرة” لان “على” ابن “علية” واخو “عادل” من الاب بينما “زهرة” اخت “عادل” من الام، لتتشابك الامور وتصنع منحنيات درامية شيقة تتوج بقصة الحب الاشهر فى الدراما العربية بين “على” و”زهرة” والتى يقف الصراع العائلى سبباً وراء عدم اتمامها.
ووفقاً لكل ما سبق كانت اساسات “الحلمية” تحتمل بناء جزء ثانى وثالث وربما رابع وكان الجمهور ينتظر الاجزاء بشغف ويحفظ الاحداث والشخصيات خصوصاً ان انتاج الاجزاء كان متلاحقاً بفارق عام او عامين او ثلاثة على الاكثر، وكان “اسامة” مالكاً لادواته ومتمكناً من استحضار شخصياته، واستمرت “الحلمية” بنفس القوة حتى الجزء الرابع والذى تصور البعض انه مسك الختام لان الابطال الرئيسيين ظهروا فيه فى المرحلة الاخيرة من الشيخوخة واصبح من الصعب الاعتماد على وجودهم فى اجزاء قادمة !!
وحدث جدل كبير بعدها حول امكانية اضافة جزء خامس خصوصاً بعدما اشيع عن رفض النجم الكبير “يحيى الفخرانى” النجم الاول للمسلسل الاستمرار فى العمل حتى انه ادى مضطراً مشهدين فقط فى الجزء الخامس، وهنا يجب ان نوضح انه فى وجود “اسامة انور عكاشة” كاتباً للسيناريو ،”اسماعيل عبد الحافظ” مخرجاً للمسلسل وفى ظل وجود اغلب نجوم العمل ورغم ذلك واجه الجزء الخامس رفض جماهيرى واسع، ولم يشاهده سوى الاشخاص الذين يعشقون العمل ويعتبرونه جزء من حياتهم (زى حالاتى) !!!!
ولكن “اسامة” لم يكن مجرد كاتب عادى بل هو اشبه بالساحر الدرامى ونجح فى امتصاص كثيراً من النقد حينما حول ذلك الجزء لنهاية فعلية للقصة وكأنه فصل اخير فى رواية ضخمة، وكانت مسك الختام كلمة “سليم البدرى” لابنه الاكبر “على” فى المشهد قبل الاخير (كده الدايرة قفلت يا على .. الولد سر ابيه)، وكانت فكرة قفل الدايرة هى احد اشهر حيل “عكاشة” الدرامية، وكان المشهد الختامى كوميدياً وحاسماً حينما اشتمل على صراعاً هزلياً بين العواجيز الباشا “سليم البدرى” والعمدة “سليمان غانم” من خلال خوض ابنيهم “على”، “زاهر” الانتخابات البرلمانية متنافسين عن دائرة الحلمية وكان لقاء التحدى امام قهوة الحلمية.
عمل ضخم وملحمى مثل “الحلمية” واجه صعوبات كثيرة خلال اجزائه المتعددة، اصعبها اعتذارات النجوم فاعتذرت “فردوس عبد الحميد” ثم “دلال عبد العزيز”، “سهير المرشدى”، “اثار الحكيم” وكذلك وفاة النجم “صلاح قابيل”، ولكن “عكاشة”، “عبد الحافظ” تخطوا كل تلك الظروف سواء باستبدال المعتذرين كما حدث مع “فردوس”، “دلال”، “اثار” او استبعادهم مؤقتا من الاحداث كما حدث مع “سهير المرشدى” او اعلان وفاتهم فى الاحداث كما حدث مع “صلاح قابيل”.
ورغم مشاهدتى لمعظم حلقات “الحلمية” اثناء عرضها الاول ثم مشاهدتها اكثر من مرة كاملة خلال اعادة عرضها، الا انى اقر بانى ورغم تركيزى الشديد لم ارصد سوى تناقضات هزيلة فى الاحداث مما يدل على تمكن “عكاشة” من ادواته وحفظه جيداً لشخصياته، وكانت ابرز ملاحظة لى على المسلسل كاملاً هو مشهد فى الجزء الرابع فى منزل “فتحية” الخادمة التى تزوجت من العمدة “سليمان غانم” واختها تؤكد لها ان اهل الطفل الذى استعارته كى تدعى انه ابن العمدة يريدونه، وبعدها فى الجزء الخامس حلفت “فتحية” على المصحف للعمدة بان الولد ابنه !! ولا ادرى هل كانت سقطة بسيطة ونادرة من “اسامة” ام انها كانت مقصودة ؟؟!!
وبعد هذا العرض المبسط لفكرة واساسيات عمل درامى على وزن “ليالى الحلمية” اترك لحضراتكم الحكم والتعليق على الجزء السادس من المسلسل، بعد ان تكونوا قد ادركتوا جيداً اهمية هذا العمل وحساسيته عند المشاهدين لانه يعتبر جزء من تاريخ مصر المعاصر، وبعدها يمكن ان تحكموا بدقة على مدى ابتعاد او اقتراب الجزء السادس من تلك المعايير القياسية التى قدمتها (من حيث الصراعات الاساسية والتوابل الدرامية) والتى يمكن قياس نجاح او فشل “الحلمية” درامياً من خلالها، على ان يكون لى مقال او مقالات اخرى هنا على موقع “اعلام اورج” اوضح لكم فيها رأيى التفصيلى فى الجزء السادس من معشوقتى “ليالى الحلمية”، ولكن بعد عدد مناسب من الحلقات حتى يكون حكماً نقدياً وموضوعياً وليس مجرد انطباعات ….
نرشح لك
وليد رشاد يكتب: “ماجدة الرومي”.. والعصير والجبنة ومسحوق الغسيل!!
تفاصيل الدورة الثانية لمهرجان “إعلام.أورج” رمضان 2016
بالساعة والدقيقة.. مواعيد مسلسلات رمضان 2016
شارك واختار من النجم الأفضل في إعلان فودافون رمضان ٢٠١٦؟ اضغط هنـــا