نقلاً عن البوابة
الكلام عن تلحين القرآن وغناء آياته ليس جديدا، ولا فكرة حديثة أسوقها هنا، الطريق سلكه آخرون وبصراحة مطلقة، فى عدد الهلال التاريخى الذى صدر فى العام 1970، كتب ضياء الدين بيبرس تحقيقا صحفيا مميزا، كان عنوانه محايدا للغاية هو ” تلحين القرآن بين أهل الفن ورجال الدين”.
ضياء الدين بيبرس كاتب وصحفى، كان له برنامج شهير فى الإذاعة المصرية، يعرفه عشاق الراديو، اسمه “ماذا تفعل لو كنت مكانى؟”… وأعتقد أنه كان صحفيا فى مجلة أكتوبر بالأساس، ومن بين ما ينسب له أنه كان منحازا وبقوة للرئيس السادات، وكان طبيعيا أن تكون له كتب – ليست مشهورة على الإطلاق – يهاجم فيها الرئيس عبد الناصر.
الكاتب ليس مهما هنا، فقد استطلع آراء أهل العلم والاختصاص والخبرة فى قضية ملحة، وضع لها مقدمة محايدة جدا، قال فيها: “أين موقع الفكر العصرى من فكرة – أو دعوة – تلحين القرآن الكريم؟ وهل تبيح النظرة الإسلامية العصرية، مهما اتسع أفقها، دعوة تحبذ أداء آيات الله أداء يستند إلى تلحين النوتة الموسيقية، سواء أكان هذا الأداء مصحوبا بموسيقى الآلآت أم غير مصحوب بها، وما هو الحد الفاصل بين النظرة العصرية أو التقدمية، وبين الإنزلاق إلى ما يدخل المنطقة الحرام تحت شعار التوفيق بين الدين وروح العصر”.
سجل ضياء الدين بيبرس آراء مجموعة من الكبار من أهل الفن، استعان بالموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب، والموسيقار العبقرى رياض السنباطى، وسيدة الغناء العربى أم كلثوم، ومن أهل الإختصاص فى الدين، سجل رأى كل من الشيخ محمد خاطر الذى كان مفتيا للديار المصرية وقتها، والشيخ محمود الحصرى شيخ عموم المقارئ المصرية، والشيخ عبد الباسط عبد الصمد، والشيخ أحمد حسن الباقورى، والكاتب والفيلسوف الإسلامى الكبير خالد محمد خالد.
هنا سأقوم بعملية فصل بسيطة، أستعرض فيها آراء أهل الفن أولا، ثم نسجل آراء أهل الإختصاص فى الدين، لن أتدخل فى كلامهم ولن أعلق عليهم، أتركهم لكم، على الأقل لتعرفوا أن مصر عاشت عصورا، طرحت فيها أخطر الأفكار، وتبادل المختلفون الرأى، دون أن يتبادل المختلفون الإتهامات لا بالتكفير ولا بالتخلف. الآن يمكن أن تقرأ.
1- أم كلثوم… باب يحسن إغلاقه… لأن القرآن أكبر من الموسيقى ترى السيدة أم كلثوم – وفضل القرآن عليها كبير – أن الحديث عن تلحين القرآن باب يحسن إغلاقه، ومسألة من الأفضل عدم الخوض فى تفاصيلها، فالمشكلة ببساطة هل هى تخدم الموسيقى القرآن؟ أو أن القرآن هو الذى يخدم الموسيقى؟ وترى أم كلثوم – بكل خشوع – أن القرآن أكبر من الموسيقى، وأن موسيقاه النورانية المتمثلة فى تلاوته كما أمر الله والسنة بها كافية لبث الهيبة فى نفوس المسلمين.
2- محمد عبد الوهاب… تدبر القرآن هو دليلى إلى تلحينه… كان محمد عبد الوهاب من بين من تبنوا الدعوة إلى تلحين القرآن، قدمته مجلة الهلال على أنه أبرز وآخر من رفع لواء الفكرة واحتضنها وله فيها محاولات لم تتداول، ولذا كان مهما منحه الفرصة ليتحدث ويوضح فكرته ويشرحها.
يقول عبد الوهاب: من يتدبر كلام الله ويدرسه ويفكر فى مدى تعبير تلاوته أو تجويده حاليا عن معانيه، يلاحظ أن الآيات متباينة وسريعة الانتقال من معنى شامل إلى معنى آخر شامل أيضا، وأن الآيات فيها تتابع فى التعبير المتباين عن الرحمة والزجر والغفران والعذاب والوعد والوعيد، وتقدم صورا شديدة الجاذبية للنار والجنة والإيمان والكفر.
هذه المعانى كلها – كما يرى عبد الوهاب – يؤديها القراء حاليا على نمط واحد، يستوى فيه التعبير فى الأداء عن الرحمة والعذاب، وقد يكون من الأفضل أن يتباين التعبير فى الأداء تباينا يجعل المستمع بتدبير آيات الله، وهو تدبر يدعو إليه القرآن فى آيات عديدة حضره منها وهو يتحدث آية كريمة تقول “أفلا يتدبرون القرآن”؟.
يقترب عبد الوهاب أكثر مما يريده، يقول: تدبر القرآن إذا هو منطلقى إلى فكرة تلحينه، وهو أيضا شفيعى ودليلى والنجم الهادى الذى يلهمنى فكرتى، وأنا أعرف سلفا أن كلمة مثل التلحين تثير مخاوف الكثيرين، وكفيلة بأن تصدم مشاعرهم، إذ ربما يقترن فى أذهانهم التلحين المتواتر للكلام العادى بما يتنافر مع جلال القرآن، وربما ظن آخرون أن التلحين هو الأداء بفرقة موسيقية أو البعد عن الدراسة الوافية للنطق فى القرآن أو الإفتئات على قوانين التجويد الصحيح.
يسير عبد الوهاب على الشوك، بدا أنه يعرف ذلك جيدا، ولذلك يقول: أنا إذا أقدر الخوف الذى قد ينبعث فى الصدور من هذه الناحية، وأطمئن المشاعر الغيورة على الدين من هذه الناحية، فالقصد من كلمة تلحين عندى هو أداء كلام الله أداء يحاول أن يتفق بقدر الإمكان مع معانيه، طبعا أتصور أن يستلزم الأمر نوتة موسيقية، ولكن من قال أن التجويد بأصوله الحالية لا يمكن الألفاظ فى حين أن دعوة تلحين القرآن الكريم، أو أدائه أداء منغما إذا شئنا أن نبتعد عن الكلمة التى تثير ثائرة البعض، هى دعوة تهدف إلى إقتران التجويد بكل أصوله وقواعده التى لا تفكير بالمساس بها، بالأداء الذى يعبر عن المعنى، فى حدود تهيب آيات الذكر الحكيم، وتدبرها، والتعمق فى معانيها، والإهتمام بتفسيرها، والدراسة الوافية لمخارج الألفاظ فيها وقواعد نطقها.
يواصل عبد الوهاب شرحه لفكرته، يقول: العلم بقواعد التجويد إذا شرط أساسى لمن يتصدى لتلحين القرآن الكريم، أى أن التلحين إضافة للتجويد لا إلغاء له، ولى فى هذا المجال – تلحين آيات القرآن – محاولات خاشعة، أشعر أنها ناضجة، وأنا أقر مع تصميمى على الحاجة إلى تقديم القرآن الكريم فى صورة تشجع الناس على تدبر معانيه وتعمق إيمان المؤمنين، أن هذه المسألة خطيرة، وتحتاج فيمن يتصدى لها إلى تفرغ وحذر وإيمان ودقة.
يعلق كاتب التحقيق على ما قاله عبد الوهاب بقوله: “عبد الوهاب إذا يبحث عن حل لمعادلة صعبة، حدها الأول المحافظة على جلال الذكر الحكيم، وحدها الثانى المحافظة على قواعد التجويد، وحدها الثالث ضرورة ادخال تطوير جذرى على طريقة ترتيل القرآن أو أدائه، بشكل يساعد على تدبر معانيه والانفعال به وتعميق الإيمان بأهدافه.
3- رياض السنباطى… فكرة ممتازة بشروط… والشروط فعليا مستحيلة… كان رياض السنباطى يرشح نفسه هو وعبد الوهاب، وحدهما بلا ثالث بين الملحنين المعاصرين لهذه المهمة، ولكن لابد قبل التصدى لها من فترة انتقال روحية خاشعة، يتفرغ كل منهما فيها للعبادة ودراسة القرآن، وقواعد تجويده وتفسيره وتاريخ البعثة النبوية وأحكام الرسالة الإسلامية، ثم لابد أن يكون ملحن القرآن نموذجا للمسلم الصحيح فى حياته الشخصية.
يقول رياض عن رؤيته فى تلحين القرآن الكريم: إذا تنافى التلحين مع جلال كتاب الله، فحينئذ يجب ألا يلحن القرآن، إذا لم ترتق الألحان إلى المعانى النوارانية التى تنبثق منه، فحينئذ يجب ألا يلحن القرآن، إذا لم تحدد العملية بحيث توضع حدود واقية على السماح لكل من هب ودب بالتلحين، فحينئذ يجب ألا يلحن القرآن. يواصل رياض: فى اعتقادى أنه ليس من بين الملحنين المعاصرين من هو جدير بالتصدى لهذه المهمة إلا الأستاذ عبد الوهاب وأنا، ونحن جديران بتنفيذها فى اطار الخشوع الكامل والتوقير الذى لا حد له.
يثبت السنباطى جدارة عبد الوهاب بالأمر، فهو بالنسبة له تلا القرآن فى صدر حياته وجوده، وأما عن جدارته فهو، فله ماض فى تلحين قصائد أم كلثوم الدينية، وهو ما يكفل له ألا يخرج عن الإطار المرسوم، لكنه وضع شرطا لذلك، وهو أن يدرس القرآن قبل أن يتصدى لتلحينه، وأن يتفهمه بعمق، وأن يعايش معانيه، وأن يتفرغ له تماما، بحيث لا يكون هناك ما يشغله معه أو عنه.
يزيد السنباطى فكرته إيضاحا، فبالنسبة له هناك طبعا مخاطر من أن يعهد بمثل هذه المهمة المقدسة إلى ملحنين مغرمين باستعراض عضلاتهم أو مغالين فى تعبيرهم، وقتها سنقول جميعا: يا ويلنا من النتيجة.
يضيف السنباطى شرطا أساسيا لمن يتصدى لتلحين القرآن وهو أن يكون قد عايش أصوات الرواد العظام من أمثال الشيخ محمد رفعت، والشيخ على محمود، والشيخ طه الفشنى، والشيخ يوسف البهتيمى، فهذا الرعيل خدم آيات الله بالصوت الحلو، والأداء الرخيم، والترتيل الجليل الذى يعمد إلى التقريب بمقدار حساس موزون بميزان الذهب، والذى لا يتنافى مع نور القرآن.
نرشح لك
محمد الباز يكتب: متى تدخل مصر عصر غناء القرآن ؟ (القرآن في مصر 4)
بالساعة والدقيقة.. مواعيد مسلسلات رمضان 2016
شارك واختار من النجم الأفضل في إعلان فودافون رمضان ٢٠١٦؟ اضغط هنـــا