يقنعك بالحجة والحيلة ، يكسو الخطيئة متعة فتسير في طريقها مبتسما منقادا ، هذا العدو الذي هو أقرب إليك من دم الوريد لن تتخيلة بأنياب حادة وقرنين طويلين ، وعينان تطلق شرارات الشر ، لو كان كائنا حيا يوسوس في عقلك ويطفيء أنوار قلبك فالأكيد أنه في حاجة لابتسامة تنفذ إلى الروح مثل ابتسامة ونوس .
الشيطان الذي يَعمي بصيرتنا ويُضل طريقنا ، يُضيء أنوار الغواية في عقولنا ، ويعبث في أزرار خطاياك المغلقة ، يحتاج الشيطان أن يكون صديقك كي يقودك إلى جهنم ، هكذا رأى الكاتب عبدالرحيم كمال والعملاق يحيى الفخراني شخصية الشيطان ونوس الذي ينفض عباءة الفضيلة عن عائلة بسيطة قابضة على جمر الصبر والإيمان .
لو سألتني عن أقرب الأفلام المصرية إلى فكرة الرعب سأجيبك : “سفير جهنم” بلا جدال ، إمتلك العظيم الراحل يوسف بك وهبي قدرا كبيرا من الجرأة كي يقدم شخصية ابليس على الشاشة عام 1954 مولفا ومخرجا وممثلا ، الفيلم الذي ظلمته الشاشات لسنوات طويلة أعادة صناع ونوس للأذهان ، قدم المخرج شادي الفخراني والمؤلف عبدالرحيم كمال تمهيدا لما سيحكون عنه بمشهد لأطفال الأسرة يلتفون حول شاشة التليفزيون وتحديدا أمام فيلم “سفير جهنم ” ، لحظات قطعتها طرقات الباب ، خيال خفي ورعشة برد ، ها نحن أمام شبح اختفي ، ثم شاركنا مائدة الطعام ليزف بشرى للعائلة ، عم “ونوس” المجهول عثر على ابانا المختفي منذ سنوات بل ولدية بشرى بأن الأسرة الفقيرة المطحونة تحت عجلات الحياة الصعبة ستطرق أبواب الثراء .
الشيطان يكمن في التفاصيل ، والعبقرية تكمن فيها ايضا، اختيار اسم “ونوس” في حد ذاته عبر بعمق عن علاقتك بشيطانك ، ونوس في المعجم إسم مذكر يعني كثير الأنس، المؤانس، المأنوس به ، ومن أكثر من الوسواس الخناس أنسا لنفسك الضعيفة ؟ من الإسم يبدأ ونوس في مؤانسة ابناء العائلة ، الوسوسة في عقول على شفا حفرة من الخطيئة ، الإبن الأكبر مدرس اللغة العربية الذي يظن نفسه علامة في الدين ، وكأنه في حاجة الى شيطان يضغط على زر خطيئة الغرور في نفسه كي يوهمه أنه داعية وعلامة وفاهم في أمور العباد ، بل ويقنع المصلين باختياره شيخا لهم وإماما يقبلون يده ، الغرور يقود لشهوة السلطة وهنا يبدأ طريق الخطيئة .
الأم التي أغلقت قلبها بعد اختفاء زوجها ، دفنت مشاعرها في تفاصيل الأيام ، فيدفع ونوس شابا للعزف على اوتار توقفت عن الرنين منذ زمن ، ابن الجيران وجارته التي اوشكت على خريف العمر وذبلت أوراق قلبها ، طرفي معادلة يعشقها ابليس ، تماما مثل قدرته على اقناع الابنة انه سيشفي ابنها المريض ، ويقنع الابن الأوسط سائق التاكسي أن يعبث في العداد كي يكسب أكثر ليتمكن من الزواج من خطيبته التي في ذات الوقت يغويها بسماع صوت الشقيق الرابع المطرب الشاب الذي يغريه ونوس هو الآخر بأضواء الشهرة .
سترى كل مايقدمه لك الشيطان جميلا براقا مقنعا ، سيمنحك الحكمة والرضا وسيسلب منك الإرادة والإيمان ، سيصادقك ويؤنس وحدتك حتى تدخل عالمه ، سيفتح لك تسع وتسعين بابا للخير كي يقودك منها الى باب واحد للشر ، تلك النظرة التي تحمل تماسا دعويا في مضمونها الدرامي لم تبتعد كثيرا عما قدمه الباتشينو وكيانو ريفز في فيلمهما الشهير “محامي الشيطان” ، الصحفي الذي اقنع المحامي الشاب بمنح البراءة لمتحرش بطفلة تحت مسمى عدم التخلي عن موكلك ، هو نفسه من سلب حياة المحامي الناجح بالغواية فيما بعد .
عبدالرحيم كمال صاحب القلم ذو الهوى الصوفية ، يرى الشيطان ونوسا لطيفا يقودك الى حيث يريد دون أن تدري ، الامر لم يخل من رؤية كاتب زاهد يعرف كيف يبارز شيطانه ، يحيى الفخراني كعادته ممثل قدير يعرف تفاصيل أدوارة ويمسك بها جيدا بسهولة ، لم يركن الى محاولات اقناع المشاهد أو الإيحاء له انه شيطان ، بالعكس قمة الإتقان أن يضعك في حيرة السؤال هل هو من بني ادم أم من بني إبليس ؟ فسر انت وحرك عقلك واكتشف الحقيقة ومعها استعد شيئا من بصيرتك .
حالة تأمل تتركها أحداث المسلسل في نفسك كلما توقفت أمام تفاصيل قد تمر بها في حياتك ، شيطاني لا يغادرني ، أبحث له عن مروض ، اهزمه ويهزمني بابتسامته التي لمست ملامحها لأول مرة في وجه ونوس ؟ أخيرا وجدت للشيطان شكلا وروحا تمنحني خيار التفاوض معه كلما التقينا ، هو في واقع الأمر الشيطان كما أحب أن أراه .
نرشح لك
مصطفى حمدي يكتب: السبع خطايا في دراما رمضان (فطروني 2)
تفاصيل الدورة الثانية لمهرجان “إعلام.أورج” رمضان 2016
بالساعة والدقيقة.. مواعيد مسلسلات رمضان 2016
شارك واختار من النجم الأفضل في إعلان فودافون رمضان ٢٠١٦؟ اضغط هنـــا