العناوين كانت تهاجم بقسوة مكتب رئيس الجمهورية، توقعت أن رئيس تحرير الجريدة الصفراء أحد المتعاطفين مع الإخوان، المفاجأة كانت في أنه من أهم الإعلاميين الذين تلقوا تربية مثالية بأروقة أمن الدولة !! ثار فضولي واشتريت عددا، جلست على المقهى، طلبت كوبا من الشاي ثم تأملت، وجدت أن رحلة هذا الطبال وغيره من دنيا الإيقاع إلى مربع الهجوم على مكتب الرئيس – وليس الرئيس – هي نتيجة طبيعية لثلاثة أسباب أدت إلى صورة قاسية و فعل خارج الصندوق !!
السبب الأول، غياب الإدراك .. حينما صاحوا يوم انتخابات الرئاسة بشكل هستيري على الفضائيات: لماذا لم تنزلوا ؟! لماذا لم تصوتوا ؟! رغم أن الواقع كان مختلفا , لكنهم بسذاجة مفرطة سعوا لجعل كتلة التصويت بحجم كتلة الخروج يوم 30 يونيو !! في غير إدراك منهم لطبيعة الفارق بين الحدثين !!
السبب الثاني , غياب الوعي .. في التعامل يوم كرم القواديس , في جنون طالبوا بتصفية بدو سيناء !! تلك الآلية كادت أن تكبد الدولة خسائر فادحة , خاصة وأن الجيش حينها كان يخوض ولساعات معركة حالت دون إشهار دولة الخلافة بسيناء !! إعلاميون افتقدوا الوعي بأن لا انتصار في سيناء بدون أهلها !!
السبب الثالث، غياب الحرفية .. في الطريقة الوقحة التي أداروا بها المعركة مع قطر اعتمادا على الإساءة لسمعة والدة الأمير !! قال الرئيس للإعلاميين صراحة على هامش زيارته للولايات المتحدة : أرجوكم لا تجبروني على الاعتذار للأمير تميم حين أقابله !!
الصورة القاسية .. في رأيي أن النظام الجديد وصل لقناعة بأن المتعاملين مع تلك المشاهد ليسوا إعلاميين بقدر ما هم شخصيات تقتات على أزمات المصريين !! هذا في أسوأ الاحتمالات، أما في أحسنها فهم غير مؤهلين للقيام بأدوراهم في المرحلة الجديدة !! الطامة الكبرى كانت في أنهم يتنافسون بقوة أمام الجماهير للحديث بإسم الرئيس !!
لذا كان المشهد في حاجة إلى “فعل خارج الصندوق” .. تمثل هذا في توجيه الرئيس رسالة للجميع مفادها أن هؤلاء لا يمثلون سوى أنفسهم، وبالتالي جاءت صور لقاء الرئيس بشباب الإعلاميين بدونهم، وحين تم سؤال الرئيس عن “الطبالين” أجاب بذكاء بالغ : هل ترون أحدهم بينكم الأن !! اكتملت الرسالة في رحلته بالصين حينما استبقى الوجوه الجديدة في اجتماع منفرد عقب إخراج الوجوه التقليدية من القاعة !!
هذا الفعل أفقد بعض الوجوه القديمة ثباتها الانفعالي، ولأن تربيتهم الأمنية جعلتهم أقل جرأة من عتاب الرئيس نفسه، لذا جعلوا من “المحيطين به” هدفا لهم كأسلوب للضغط عليه !! وبناء عليه لم أتعجب من تلك الجريدة التي تهاجم أفراد مكتب الرئيس رغم أن رئيس تحريرها أمني بامتياز !! فقط هو لم يحظ بما حظي به أيام مبارك !!
توقعي – وقد أكون مخطئا – أن الرئيس ودائرته الضيقة يخوضون مواجهة أشبه بالمواجهة التي خاضها السادات مع مراكز القوى، أنا لا أعلم عن دائرة الرئاسة إلا بمقدار ما أتيح لي كفرد بمنظومة الإعلام، لكن بعض الفاسدين خلف أسوار مدينة الإنتاج وبأروقة الصحف الخاصة، أعلم عنهم الكثير، في النهاية حاسبت صبي المقهى وقمت عائدا في برد ديسمبر، وأنا أتعجب من هذا السباق المحموم بين الإعلاميين لاحتساء الشاي بالياسمين، في وطن يشرب فيه الناس الشاي بلا سكر، لكن يقين بداخلي أنه سيصبح غدا بالسكر.