أريج عراق تكتب:ونوس .. الذي خيّب أملي

لا أعتقد أن فكرة إنسانية ما، قد حظت بكل هذا الجدل عبر التاريخ الإنساني مثلما حدث مع فكرة “الشيطان”، أو “إبليس”، أو الصراع ما بين الخير والشر، فمنذ بدأ الإنسان رحلة بحثه عن الإله القوي الذي يتحكم في هذه الطبيعة القاسية التي لا يفهم من أمرها شيئا، وحمّل هذا الإله كل صفات وقيم الجمال التي توصل إليها (الحق، الخير، العدل، الجمال ….. إلخ)، احتاج في المقابل للإله النقيض، حتى يبرر وجود القبح والشر والظلم في حياته ويحملّه كل أوزاره في نفس الوقت، فكان “ست” في مصر القديمة، و”إساج وهدد” في سومر، و”تعامات” في بابل، وصولا لـ “هيدي” إله العالم السفلي في اليونان، في الوقت الذي ظهرت فيه الزرادشتية والتي قدمت الصورة الأكمل لفكرة الشيطان أو الروح الشريرة “أهريمان”، التي كانت ومازالت المصدر الرئيسي للكثير من الأفكار والتصورات عن الشيطان، حتى بعد ظهور الديانات السماوية التي وضعت الإطار النهائي لفكرة الشيطان أو إبليس كما نعرفها.

لكن الديانات السماوية (وخاصة الإسلام) لم تحسم الجدل الأزلي حول هذا الكائن البائس الذي تحمّل ما لا طاقة لغيره عليه، في الحقيقة لقد زادته وعيا وعمقا وإثارة، خاصة مع فلسفات ورؤى المتصوفة الأوائل، التي منحت الصراع سمت المأساة التراجيدية المتكاملة، واعتبرت إبليس هو الضحية فيها، لأنه وقع في فخ الاختيار بين تنفيذ الأمر الإلهي أو تنفيذ المشيئة الإلهية، وأنه باختياره يؤكد على إيمانه المطلق بوحدانية الله وعدم الإشراك به، لذلك اعتبره بعضهم “إمام الموحدين”، وأن عصيانه لأمر الله هو قمة الإيمان بالله.

لسنا هنا في مقام الدفاع عن الشيطان أو تحليل موقفه، لكنني في الحقيقة ومع مشاهدة الإعلانات الأولى لمسلسل “ونوس”، استبشرت خيرا، لم يحتج الأمر لأي نوع من الذكاء لإدراك أن “الشيطان” هو الفكرة الأساسية للعمل، وهي الفكرة القادرة على جذب عدد كبير من المشاهدين طوال الوقت، لكن مع وجود كاتب بحجم وقيمة “عبد الرحيم كمال” فلك أن ترفع سقف توقعاتك لأعلى درجة ممكنة، وهو ما فعلته، وهو ما جعل سقوط السقف فوق رأسي مروّعا ومؤلما جدا.

ما الجديد الذي قدمه كمال لملحمة الصراع الأبدي بين الشيطان والإنسان؟ ما الفارق بين ما يطرحه في العمل وبين حصص التربية الدينية التي حصّلناها في المدارس؟ الشيطان هو تجميع لكل الشرور في العالم، الشيطان يقوم بإغواء الإنسان وتزيين المعاصي له، الشيطان يأتيك دوما من حيث لا تحتسب ….. إلخ، هكذا علمتنا “ميس إيمان” في حصة الدين، لكن عبد الرحيم كمال الذي استطاع أن يقدم “المحبة” بشكل مختلف تماما في “الخواجة عبد القادر”، لم يكن هذا ما أتوقعه منه، فاقترابه من عالم التصوف أو ربما انتماءه له، جعل أمثالي ينتظرون منه طرحا مختلفا بشكل أو بآخر، ربما صراع ذاتي بين الشيطان ونفسه، ربما إظهار لمناطق الضعف عند هذا المخلوق الذي يتكون في تصوراتنا من القبح والكراهية، ربما صورة فنية مختلفة كتلك التي قدمها توفيق الحكيم في مسرحيته “الشهيد”، هل يجوز للشيطان أن يتوب؟ هل في مأساته التراجيدية المتكاملة، تنتظره المكافأة في النهاية؟ الأسئلة وليس الأجابات كالعادة هي المشكة، لكن كمال لم يسع وراء الأسئلة للأسف، واكتفى بنماذج الإجابات الرسمية من كتاب الوزارة حتى الآن، ولا يبدو تغييرا في الأفق، بل ربما خطبة عصماء في النهاية تؤكد أن باب التوبة والرحمة مفتوح دوما لابن آدم فقط.

ورغم كل ذلك، لا أنكر أن العمل مرتفع القيمة على المستوى الفني، بناء درامي “معقول”، أداء تمثيلي رائع (يحيى الفخراني، نبيل الحلفاوي، هالة صدقي، حنان مطاوع) كلٌ في إطار شخصيته كما رسمها السيناريو، إخراج متميز من شادي الفخراني، صورة رائعة من سمير بهزان، موسيقى تصويرية من صلب النسيج الدرامي لأمين بو حافة، مونتاج متميز داليا الناصر، لكنه سقف التوقعات.

أريج عراق تكتب: 6 “رمضانات” بدون أسامة أنور عكاشة

نرشح لك

بالساعة والدقيقة.. مواعيد مسلسلات رمضان 2016

شارك واختر .. ما هو المسلسل الكوميدي الذي تتابعه في رمضان؟ اضغط هنـــا

بنر الابلكيشن