نقلًا عن مجلة “7 أيام”
غضب الكثيرون جدا عبر مواقع التواصل الإجتماعى من صحفية بالدستور اسمها آية حسن لأنها كتبت خبرا عن العثور على جثة فتاة ملقاة فى مكان مهجور .. وقام رجال الأمن باستدعاء الفنان صبرى فواز الذى جاء وتعرف على جثة ابنته .. حكاية طويلة كتبتها الصحفية آية حسن واختارت لها هذا العنوان .. صبرى فواز يتعرف على جثة ابنته بعد العثور عليها .. وكانت آية فى الحقيقة تحكى أحداث حلقة جديدة من مسلسل الميزان الذى يشارك الفنان الرائع صبرى فواز فى بطولته حيث اختفت لينا ابنته فى المسلسل إلى عثر عليها رجال الأمن واختتمت آية لالفعل حكايتها بالإشارة إلى المسلسل وصبرى فواز وابنته الممثلة المقتولة .. وبالطبع أو بالتأكيد تخيلت آية إن هذه هى الإثارة الصحفية اللازمة لإجبار الناس على القراءة .. أو ربما لم تكن تقصد الإثارة أو البحث عن الإهتمام لكنها كصحفية لا تزال فى بداية الطريق تخيلت أن هذه هى الصحافة .. فطيلة السنوات القليلة الماضية أصبح هذا المنهد قائما ومعترفا به فى الصحافة الفنية المصرية .. الخلط بين شخصية الفنان أو الفنانة الحقيقية ودورها فى أى عمل درامى .. فأصبح ممكنا أن نقرا حكايات عن يسرا التى قد تقتل انتقاما من حبيبها .. أو نيللى كريم التى ستذهب إلى السجن ثمنا لخطايا والدتها .. أو يحيى الفخرانى الذى لا أحد يحدد بوضوح الفارق بين أرائه الشخصية الحقيقية وكلمات شخصية يجسدها على الشاشة .. هو ومحمود عبد العزيز وغادة عبد الرازق وكل الفنانين والفنانات فى أعمالهم الدرامية التى ينتظرها عموم الناس ويريدون معرفة الأحداث الجديدة .. ولا أقول ذلك تبريرا لخطأ فاضح وفادح ارتكبته صحفية صغيرة لا أعرفها شخصيا .. فانا أرفض تماما هذا الأسلوب .. وأوجعنى حزن وغضب وانفعال الصديق صبرى فواز بعد أن قرأ مثل هذا الخبر .. فهو قبل أن يكون ممثلا ويصبح نجما شهيرا له إبنة حقيقية وليست ممثلة .. له زوجة وأولاد وعائلة وأقارب وأصدقاء لا أول لهم أو آخر .. وبزعجه ويزعج كل هؤلاء أن يفاجئهم خبر عثور صبرى على جثة إبنته مقتولة .. منتهى السخف ومنتهى الرخص أيضا .. وعلى الرغم من احترامى لحزن صبرى فواز وثورته وكل حقوقه الواضحة فى غضبه وانفعاله إلا أننى أود التوقف أمام آخرين كثيرين انزعجوا ورفضوا هذا الأسلوب لكنهم تعاملوا معه بالقطعة كعادة معظم المصريين هذه الأيام وربما منذ زمن طويل جدا .. فالذين مارسوا كل هذا الغضب والرفض لما كتبته صحفية صغيرة أخطأت .. عليهم أن يراجعوا أنفسهم ويتسقوا مع أنفسهم ليرفضوا هذا الأسلوب كله أيا كان من يمارسه سواء كان كبيرا أم صغيرا .. شهيرا أم مجهولا .. على شاشة تليفزيون أو كمبيوتر أو تليفون أو أوراق صحيفة ومجلة .. فواحدة من مآسينا الحقيقية هى تعدد معايير وموازين الأحكام والأراء والمواقف .. فنحن الآن هو المجتمع الذى إذا سرق فيهم أو أخطأ الشريف أو الكبير او النجم تركوه .. لكن إذا ارتكب نفس الفعل فقير أو صغير أو مجهول أقاموا عليه الحد وغرسوا فى قلبه وظهره كل سكاكينهم وخناجرهم وأشواك ألسنتهم وأقلامهم ولوحات مفاتيحهم الإليكترونية
وبهذه المناسبة .. أتذكر حكاية شهيرة كان بطلها هو الصحفى الكبير الراحل مصطفى أمين .. فمنذ حوالى ستين عاما كان مصطفى أمبن يكتب فى مجلة الجيل .. وحين زادت أوجاعه واستدعت دخوله المستشفى لإجراء جراحة عاجلة .. فوجىء الصحفى الكبير بأنه يقيم داخل المستشفى فى نفس الغرفة التى كانت تقيم فيها الممثلة القديرة الراحلة فاتن حمامة .. فقرر مصطفى أمين أن يكتب مقالا يصف فيه آلامه ومشاعره وخواطره واختار عنوانا غريبا لهذا المقال .. أكتب لكم من سرير فاتن حمامة .. هكذا مرة واحدة أصبح مصطفى أمين يكتب من سرير فاتن حمامة بكل ما يحمله هذا العنوان من معان ودلالات .. وثارت فاتن حمامة وغضبت وذهبت لمصطفى أمين ثائرة ومعاتبة وحزينة أيضا .. ففاتن كانت فنانة شديدة الرقى والإلتزام .. تحرص طول الوقت على صورتها وسيرتها حتى لا يتطرق إليها أى قلم بما ينتقص من احترامها لنفسها واحترام الناس لها .. وبالتالى كان حديث مصطفى أمين وكتابته من سرير فاتن حمامة بالنسبة للفنانة الكبيرة والراقية أمرا مؤلما وصادما وجارحا للغاية .. وحكى مصطفى أمين نفسه فيما بعد أنه حين استضاف فاتن حمامة فى مكتبه اكتشف أنها لم تقرأ إلا العنوان .. فطلب منها أولا أن تقرأ المقال كاملا .. وقرأت فاتن حمامة المقال وأدركت أن مصطفى أمين لم يقصد الإساءة لها أو تجريحها والتشكيك فى اخلاقها وسلوكها .. واختتم مصطفى أمين روايته لما جرى أثناء وبعد هذا اللقاء بأن المشكلة كانت مشكلة فاتن حمامة التى اعتادت ان تكتفى بقراءة العناوين فقط .. ولم تكن بالطبع هى مشكلة هذا العنوان نفسه الذى يتعلق بسرير فاتن حمامة رغم أنه كان سرير مستشفى وليس سرير فاتن حمامة .. ولم يعتذر مصطفى امين أبدا عن هذا العنوان واكتفى فقط بإلقاء اللوم على فاتن حمامة التى لا تقرأ إلا العناوين .. أما الناس فقد صفقت لمصطفى أمين لأنه الصحفى الكبير الذى يملك من الأساليب ما يجعله قادرا طول الوقت على جذب اهتمام وانتباه أى قارىء .. وإذا كنت الآن لا تجد أى فارق بين ما كتبه مصطفى أمين من وعن سرير فاتن حمامة وما كتبته آية حسن عن إبنة صبرى فواز القتيلة .. وأنك ترفض الإثنين وغير مقتنع بالحديث عن سرير الفنانة أو ابنة الفنان .. فأنت إنسان طبيعى عاقل لا مكان لك فى مصر اليوم .. أما إذا كنت تجد ما قام به مصطفى أمين ذكاء ونجاحا وعبقرية صحفية هائلة يستحق عليها وبعدها الشكر والتصفيق والإعجاب .. وتجد فى نفس الوقت ما قامت به آية صحافة صفراء وتدنى أخلاقى ومهنى يستحق اللوم والمساءلة وشديد العقاب .. فأنت الموطن المصرى الحقيقى حاليا .. المواطن المعدل الذى جرى تفصيله اجتماعيا وثقافيا وفكريا حتى يمتلك هذه القدرة الهائلة للتفرقة بين شخص وشخص .. وفعل وفعل .. ويصبح قادرا على الإستقواء على أى ضعيف يجلده ويحاسبه ويعريه ويصلبه ويقتله فى النهاية بينما هو أمام القوى وصاحب المال والمنصب والشهرة مجرد مواكن يحلم بصورة سيلفى سيحتفظ بها عبر صفحته فى الفيس بوك أو تويتر لينتظر تعليقات وإعجاب أو حسد أصدقائه وأعدائه .. هذا المواطن الذى أصبح حريصا على أن ينظر لك اولا ويطبل النظر متمهلا وفاحصا قبل ان يصدر حكمه عليك .. فالأحكام ليست كلها واحدة .. والعدل ليس مطلقا .. والقانون الذى يجرى تطبيقه هو فى حقيقته أكثر من قانون .. فهناك قانون خاص لكل قاض ولكل متهم أيضا .. وهذا ليس النظام السائد فى الامور الفنية أو الصحفية فقط .. إنما فى كل مجالات ودوائر حياتنا .. فلابد أن تحدد لى أولا موقفك من الرئيس السيسى وثلاثين يونيو والجيش والإخوان قبل أن تقول رأيك فى أى أمر أو قضية .. فإن اختلفنا فى الرأى والرؤية رغم أننا فى خندق واحد وجبهة واحد فقد أغفر لك وألتمس لك ألف عذر وأكون هادئا ورقيقا للغاية فى مواجهتك ومناقشتك اقتناعا منى بأنك مخدوع أو مضحوك عليك وسرعان ما تعود لوعيطك وتسترد عقلك ورشدك وحكمتك .. أما لو قلت نفس الرأى وأنت تنتمى للفريق الآخر أو تقف على الرصيف المقابل .. فأنت خائن وفاسد وعميل تستحق الشنق والتنكيل والتعذيب والنفى والحرق والقتل دون أى حوار أو السماح لك بأى حق أو أى دفاع .. ومن السياسة إلى كرة القدم .. فلو كنت منتميا للنادى الأهلى فلا احد سيقبل منك أى انتقاد للزمالك والعكس صحيح .. حتى لو كان الذى تقوله صحيح جدا وضرورى جدا أن يقال .. فكل ذلك ليس مهما لكن المهم فقط هو من أنت حتى نقرر أن نقبلك أو نرفضك .. نسمعك أو نلعنك .. وهذا كله فى النهاية يجعلنا ندور طول الوقت فى نفس الدائرة .. لا نسمع أو نقرأ أو نرى إلا الذى كنا منذ البداية نحب أن نقرأه ونسمعه ونراه .. وهو مناخ يغلق كل أبوابنا فى وجه أى فكرة جديدة أو رأى حكيم وصائب .. ونبقى كلنا نتظاهر بأننا نجرى بينما نحن فى الحقيقة لا نتحرك خطوة واحدة للأمام .. نبقى كلنا نتظاهر بالحوار واحترامنا للآخر وللديمقراطية بينما نحن فى الواقع مجرد مجتمع كل من فيه أصبح ديكتاتورا صغيرا لا يعيش إلا فوق جثث وشرف وسمعة وسيرة من هم حوله
نرشح لك
محمد عبد الرحمن يكتب: الجمهور لا يرحم
دعاء فاروق تكتب: الكماشة رقم (١) في مصر.. قناة الحياة سابقًا
شارك واختار .. ما هو المسلسل الكوميدي الذي تتابعه في رمضان؟ أضغط هنـــا