قد يبدو أن الوقت متأخر الآن للكتابة عن مسلسل ساق البامبو خاصة بعد مضي ما يقرب من عشرين حلقة من بداية بثه مع أولى أيام رمضان، ولكن أن تكتب متأخراً خيرٌ من ألَّا تكتب أبداً، حتى إن العديد من المسلسلات الرمضانية قد تستمر في تصوير حلقاتها الأخيرة حتى بعد منتصف رمضان..
من الصعب أن أتجاهل أو أتكاسل عن الكتابة عن ذلك العمل الدرامي الذي لم يُسعِفني حظي أن أتابعه مع عرض أولى حلقاته، فالشهر الكريم قد لا يتحمل متابعة أكثر من عملين دراميين على أقصى تقدير، أحدهما بعد تناول الإفطار والآخر أثناء تناول السحور، وللأسف لم تتوافق مواعيد عرض مسلسل ساق البامبو مع أي من تلك الفترتين، ولكن “يوتيوب” دائماً ما يحل ذلك الإشكال خصوصاً مع ملاحظة تزايد حدة آراء المتابعين المتأرجحة ما بين الإعجاب الشديد بالمسلسل وبين النفور منه وإبدائهم الندم على متابعته!
تدور أحداث المسلسل حول حيرة الشاب “عيسى الطاروف” أو “هوزيه ميندوزا” أثناء بحثه عن كيانه ما بين الهوية العربية الكويتية لأبيه، وبين الهوية الأجنبية الفلبينية لأمه، وتتناول مصير الأبناء الذين يولدون لآباء وأمهات مختلفين في الجنسية والدين والعِرق، فيؤدي اختلاف ملامح وجوههم واختلاف ثقافاتهم إلى خلق مزيد من العوائق والحواجز بينهم وبين أي مجتمع يحاولون الانتماء إليه والعيش فيه، وخاصة في مجتمعات تتعاظم فيها النظرة الطبقية والإحساس بالعار والفضيحة من كل ما يخالف الأعراف والتقاليد..
الشاب وُلِد لأب كويتي تزوج سراً من “الخادمة” الفلبينية التي كانت تعمل لدى أسرته بعد أزمة نفسية تعرَّض لها على إِثر رفض أمه المتسلطة الزواج ممن أحبها، وبعد انكشاف أمر حمل الخادمة ورفض العائلة مباركة ذلك الزواج أو على الأقل الاحتفاظ بالحفيد، وبعد أزمة نفسية حادة تعرض لها الأب على إثْر مقتل أعز أصدقائه في حادث طائرة، أجبر زوجته على السفر وابنها إلى الفلبين، على وعد بالعودة مجدداً بعد تحسن الأوضاع، إلَّا أن ذلك لم يحدث في ظروف طبيعية لأن الأب مات أثناء الغزو العراقي للكويت..
المتابع لوسم أو هاشتاج #ساق_البامبو أو #مسلسل_ساق_البامبو على تويتر سيجد مدى الهوة العميقة بين المؤيدين لإبداع المسلسل وبين المؤكدين على هشاشة العمل وعدم بلوغه روعة الرواية، وإذا حاولت استخراج استفتاء من تلك الآراء على مدى نجاح المسلسل فإنك ستعجز عن ذلك، وذلك بسبب:
– أن العديد من المشاهدين ممن قرأوا الرواية، سيقومون بمقارنتها حرفياً مع ما يدور من أحداث في المسلسل، وسيختلف ذلك بحسب أعين وميول كل مشاهد، ومدى رؤية الشخص النقدية في التوافق أو الاختلاف، وفي كل الأحوال فقد وقع قارئ الرواية في فخ المقارنة الذي قد لا يكون منصفاً لا للراوية ولا للعمل الدرامي..
– والبعض الآخر يشاهد المسلسل ولم يكن له حظ سابق بقراءة الراوية لذا فإن رأيه يأتي مجرداً عن المقارنة وينحصر في إبداء الرأي بأداء الممثلين ومدى سرعة وترابط وتسلسل الأحداث في العموم، فعلى سبيل المثال استنكر كثيرون كيف لممثل كوري أداء الدور ونطق الحروف مُكَسَّرة وأنَّه كان لزاماً الاستعانة بممثل يُجيد العربية، ولم يُدركوا أن ذلك أساس العمل، فالرضيع الكويتي الذي تربَّى في الفلبين لابد له أن ينطق الحروف العربية مُكسَّرة ولا يتكلم بطلاقة بعد عودته شاباً إلى الكويت..
ساق البامبو عمل درامي من الدرجة الأولى، إذ يعرض العديد من القضايا الحساسة في المجتمعات الخليجية المحافظة، وينتقد الطبقة المترفة التي تعامل الخدم وكأنهم عبيد رقيق يباعون ويُشتَرُون، كما يتناول المسلسل العديد من القضايا منها: الزواج من العمالة المنزلية، والشتات بين الدين الإسلامي والمسيحي، والمشكلة الاجتماعية الأولى في الكويت وهي الكويتيون “البدون”؛ أي ممن لا يحملون الجنسية الكويتية، وقد يكون ذلك كله هو سبب رفض المسلسل من الرقابة الكويتية ومنع تصويره في الكويت، الأمر الذي دفع طاقم العمل للتصوير في دبي والفلبين..
المسلسل اهتم بأدق التفاصيل في إطار مُشوِّق يثير العواطف والشجون تارة ويثير الحماسة تارة أخرى، إلَّا أن المسلسل أهمل فترة هامة من فترات حياة الشاب، وهي الفترة التي عاشها في الفلبين بعد اضطراره للعودة مع أمه، حين رفضته عائلته وهو رضيع، وأهمل تفاصيل تناولتها الرواية من انجذابه لابنة خالته “ميرلا” التي لا تبادله ذلك الشعور كونها تميل جنسيَّاً إلى صديقتها، ربما تم تجاهل ذلك الجزء من الرواية بسبب الكثير من الخطوط الحمراء التي لم تتعدَّاها الدراما الخليجية بعد، بعكس نظيرتها المصرية التي تجاوزت كل الخطوط الحُمر في مواضيع المثلية الجنسية..
اختيار اسم ساق البامبو للرواية ومن ثم للمسلسل هو كناية عن إعادة غرس جذور الابن المطرود من بلد أبيه الكويت إلى أرض أبيه مجدَّداً، كما نبتة البامبو التي لا تحتاج زراعتها إلَّا كسر جزء من ساق نبتة مزروعة، وزراعته في أي تربة أخرى، رواية ساق البامبو للكاتب الكويتي سعود السنعوسي حصلت على جائزة البوكر العالمية عام 2013 ، والمسلسل سيناريو وحوار الكاتب والناقد السينمائي المصري رامي عبد الرازق الذي قام بكتابة الأحداث بلغة “عاميّة” ومن ثم قام الكاتب سعود السنعوسي بـ “تكويت” الحوار، أي بإعادة كتابته باللهجة الكويتية..
ربما أحس البعض صعوبة في فهم اللهجة الكويتية، ولكن بالتدريب والمتابعة لن تصبح اختلاف اللهجات عقبة لمتابعة الدراما الكويتية الجديرة بالمشاهدة، كما اعتاد الجمهور اللهجة السورية بمتابعته للدراما التركية..
نرشح لك
هالة منير بدير تكتب :وَنُّوس عامل فيها بني آدم !
أبو تريكة: هؤلاء اللاعبون ساندوني بعد التحفظ على أموالي
محمد عبد الرحمن يكتب: الجمهور لا يرحم
شارك واختر.. من أفضل ثنائي في إعلانات رمضان؟ أضغط هنـــا