نقلًا عن “البوابة”
لم أصدق زينب الغزالى في أى يوم من الأيام، اعترضت الزعيمة الإخوانية الكبيرة طريقى بكتابها “أيام من حياتى”… الذى تحكى فيه قصتها في معتقلات عبد الناصر، كان مفروضا أن أتعاطف معها على الأقل بحكم العدوى، فقد حصلت على الكتاب من صديق إخوانى في المدرسة الثانوية، كاد يبكى وهو يحكى لى عما رأته هذه السيدة المجاهدة في سجنها.
انتهيت من الكتاب لأكتشف أنها ليست أكثر من نصابة، فما روته لا يمكن أن يكون حقيقيا، وبعد سنوات تأكد لى صدق ما ذهبت إليه، فقد اعترف القيادى الإخوانى يوسف ندا، أنهم تعمدوا إضافة حكايات كثيرة عن التعذيب في كتاب زينب الغزالى لشيطنة نظام عبد الناصر.
أطلقوا عليها اسم ” أم الصابرين”… حاولوا أن يصنعوا منها قديسة، قدموها للبنات المصريات على أنها رمز للنضال والعمل من أجل الإسلام، بل حاول الإخوان عندما وصلوا للحكم أن يقدموا قصة حياتها في مسلسل، ورشحت له رانيا محمود ياسين لتقوم بدورها، لكن ثورة 30 يونيو قضت عليهم وعليها.
لم يغير كل ذلك نظرتى لها، ولا رأيى فيها، فمن تكذب مرة مؤكد أنها لن تتردد عن الكذب في أى وقت، ولذلك لم أتفاعل كثيرا مع التفسير الذى قدمته للقرآن الكريم، وأطلقت عليه اسم “نظرات في كتاب الله”… المواقع الإسلامية والإخوانية منها، تروج لهذا التفسير على أنه أول تفسير تكتبه إمرأة في التاريخ الإسلامى.
****
القصة تستحق أن تروى.
عرفت حكاية أول تفسير نسائى للقرآن هذه، وأنا اقرأ مذكرات المذيعة التليفزيونية كريمان حمزة، وهى المذيعة الوحيدة التى كانت تظهر محجبة في التليفزيون المصرى، ورغم أنها لم تظهر إلا بموافقة قيادات التليفزيون ووزير الإعلام وقتها صفوت الشريف، إلا أنها كانت تعتبر ما فعلته بطولة ونضالا وانتصارا للحق والاسلام… في محاولة للإيحاء بأنها كانت في حرب مقدسة.
كانت كريمان – التى قضت 39 عاما من عمرها في تقديم البرامج الدينية، 32 منها في تليفزيون الحكومة، و7 في القنوات الخاصة وعلى رأسها قناة ” اقرأ” الفضائية – قد اختفت بشكل شبه كامل عن الإعلام، إلا أن حوارا جمعها مع الدكتور ناجح إبراهيم الذى كان يجرى حوارات مطولة لموقع الجماعة الإسلامية الرسمى، كشفت فيه عن سر اختفاءها.
كان هذا منذ سنوات – أعتقد أن الحوار جرى في العام 2010 – قالت كريمان: أنها تفرغت تماما للانتهاء من وضع أول تفسير نسائى كامل للقرآن الكريم، وقد راجعته 7 مرات، تمهيدا للدفع به إلى إحدى دور النشر لطبعه وتوزيعه.
وقتها روت كريمان قصتها مع التفسير، فقد انقطعت من أجله ثلاث سنوات كاملة لتنتهى منه بشكل كامل، ابتعدت عن الندوات والمؤتمرات والمقابلات والكتابة الصحفية ومن أى حديث في الشأن العام أو الخاص.
بدأت الفكرة عند كريمان عندما أخبرتها شقيقتها الصغرى المذيعة التليفزيونية بأن مسئولة من الهيئة العامة للكتاب تريد منها تفسيرا لثلاثة أجزاء من القرآن للأطفال تصدر في كتاب عن الهيئة.
رفضت كريمان في البداية، تخوفت من التجربة، كل ما قامت به هو كتابة بعض قصص السيرة النبوية للأطفال، وصدرت ملونة عن دار الشروق، ثم إنها ليست فقيهة ولا مفسرة، استخارت كريمان ربها، لتبدأ بعدها مباشرة في تفسير الأجزاء الثلاثة الأخيرة من القرآن ( قد سمع – تبارك – عم ).
توجهت بما أنجزته إلى هيئة الكتاب، لم تجد المسئولة التى طلبت التفسير، فشعرت أن الله لا يقدر لها هذا الأمر، لم تعد إلى بيتها، مرت على عادل المعلم في دار الشروق، طلبت منه أن يتولى طباعة الأجزاء الثلاثة التى فسرتهم، وبعد أن اطلع على ما كتبت، قال لها: سوف آخذهم وأقوم بطبعهم بشرط أن تفسرى القرآن كله.
صلت كريمان حمزة صلاة الإستخارة مرة أخرى، وجدت أن الله شرح صدرها لتفسير القرآن كاملا وبدأت تكتب، وبعد فترة من الكتابة تولدت فى نفسها الرغبة فى أن تعرض ما تكتبه على بعض المشايخ المتخصصين لتتأكد من أنها تسير فى الطريق الصحيح.
توجهت إلى الدكتور أحمد عمر هاشم الذى رحب بالأمر، وبعد أن قرأ ما كتبته ألمح لها أن الطلبة فى المراحل الأولى من الدراسة الأزهرية فى حاجة لهذا التفسير.
توجهت كريمان حمزة بعد ذلك إلى الشيخ ياسين رشدى فى الإسكندرية – وهو داعية اشتهر فى نهاية الثمانينات وبداية التسعينات وكانت كريمان هى السبب فى شهرته من خلال استضافته فى برامجها التليفزيونية – لتعرض عليه بعض ما كتبته، إلا أنها للأسف الشديد وجدته مريضا.
قابلت كريمان بعد ذلك الشيخ عبد المقصود الذى سألها عن أمرها فأخبرته أنها بحاجة إلي عالم لتعرض عليه بعض ما كتبته، فدلها على أحد العلماء الأجلاء وهو الشيخ عبد الباسط وهذا الرجل حاصل على أربعة دكتوراه في غريب القرآن وهو شيخ ضرير، (هكذا ذكرت كريمان حمزة أسماء شيوخها دون أن تهتم بإكمالها).
وبالفعل حدد لها الشيخ عبد الباسط موعدا، وكان عبارة عن موعد أسبوعي لمدة ساعة واحدة أسبوعياً لتقرأ عليه ما كتبته، فكانت تذهب إليه في منزله بصحبة زوجها وتظل تقرأ عليه وهو يصحح لها، وبالرغم من أنه ضرير كان إذا مرت الساعة يضرب بكفه علي رجله إيذاناً بأن الموعد قد انتهى.
تكررت لقاءات كريمان حمزة بالشيخ عبد الباسط أربع مرات فقط، ففى المرة الرابعة هز رأسه وهو سعيد وكانت هذه إشارة منه أنها تسير فى الطريق الصحيح، فلم تعد إليه مرة ثانية.
تدخل الناشر عادل المعلم فيما قامت به كريمان حمزة كثيرا، تقول هى عن ذلك فى حوارها الطويل مع موقع الجماعة الإسلامية: عرضت بعض ما كتبته على الأستاذ عادل المعلم صاحب دار الشروق فأفادنى كثيرا وخاصة فى الجزء المتعلق بحديث القرآن عن العهد القديم والعهد الجديد وكلام القساوسة والحاخامات.. حيث أن هذه المادة لم تكن موجودة عندى و كانت متوفرة لديه، أيضا كان يطلب منى وضع بعض الإضافات في بعض الأماكن وكانت وجهة نظره أن يعرف الشباب الذي يقرأ الوضع سياسياً ولا يكونوا مغيبين عن الواقع.
فى البداية اعترضت كريمان حمزة على تدخلات عادل المعلم، وحدث بينهما شد وجذب، لكنها التزمت فى النهاية بما رآه المعلم ثقة منها أن ما يراه صحيح.
انتظمت كريمان حمزة فى تفسير القرآن من خلال برنامج يومى مكثف ومنظم، كانت تبدأ العمل من الساعة الثانية عشر مساء إلى الثامنة صباحا، لا يقطعها إلا صلاة الفجر، وكانت تصلى لله كل يوم ركعتين وتدعوه ألا يقبضها إلا بعد أن تنتهى من التفسير.
حتى الآن لم يظهر هذا التفسير إلى النور، لا عند عادل المعلم ولا عند غيره من الناشرين، وأغلب الظن أن كثيرا مما قالته كريمان حمزة لم يكن صحيحا، فلو أنها انتهت منه، فأين هو، لقد قالت إنها راجعته ودفعت به إلى المطبعة، مرت سنوات على ما قالت، ولا أثر لهذا التفسير.
*****
قد تقول ما الذى جعلك تبدأ بزينب الغزالى إذا كنت ستتحدث عن كريمان حمزة؟
والحقيقة أننى ما تحدثت عن كريمان حمزة إلا من أجل زينب الغزالى.
لقد قدمت كريمان نفسها لفترة طويلة على أنها أول سيدة في التاريخ الإسلامى تفسر القرآن كاملا، رغم أنها كانت تعرف أنها لا تقول الحقيقة، فقد سبقتها إلى ذلك زينب الغزالى.
قد تلتمس العذر لكريمان حمزة وتقول إنها لم تكن تعرف، لكن المفاجأة أن كريمان كانت حاضرة في بدايات تجربة زينب الغزالى.
في الحوار الذى أجراه معها ناجح إبراهيم، كان السؤال: هل يعد تفسيرك النسائى الأول في العصر الحديث؟
قالت: تفسيرى هو التفسير الأول الذى يقدم إلى الأزهر ويجيز الأزهر النص ويأخذ ترخيصا بالصدور، لكن أذكر هنا حقيقة للتاريخ، فلست أول من فسر القرآن من النساء، فقد سبقتنى السيدة زينب الغزالى، وكانت من الأخوات المسلمات، وفى عام 1970 ذكرت لى أنها ترغب في عمل مجلس لتفسير القرآن الكريم، وطلبت منى أن أدير هذا المجلس.
حاولت كريمان أن توحى بأن ما فعلته زينب الغزالى لم يكن تفسيرا للقرآن، بل كان مجرد جلسات لتفسيره، وهو ما لم يكن حقيقيا.
ويمكن من هنا أن نبدأ الحكاية من جديد.
*******
في نوفمبر 2010 نشرت المواقع الإخوانية خبرا مكثفا كان عنوانه “صدور كتاب نظرات في كتاب الله”… لزينب الغزالى رحمها الله في 1300 صفحة.
كانت زينب قد توفيت في أغسطس 2005، وصفت المواقع الإخوانية تفسيرها بأنه أول تفسير للقرآن الكريم تكتبه امراة على مدى التاريخ الإسلامى.
اللافت للانتباه أن “نظرات في كتاب الله” لم يصدر في العام 2010، كان قد صدر الجزء الأول منه ( الكتاب في مجلدين) في العام 1995 عن دار الشروق، لكن بعد وفاة صاحب الدار محمد المعلم، توقفت دار الشروق عن استكمال طبع التفسير، فتولت المهمة “دار التوزيع والنشر الإسلامية” وهى دار إخوانية طبعه وتوزيعه.
لم يحصل تفسير زينب الغزالى على إجازة من الأزهر، وإن كان راجعه الدكتور عبد الحى الفرماوى، الذى كان أستاذا للتفسير في جامعة الأزهر، وقد يكون فعل ذلك بشكل ودى، ربما لخلفيته الإخوانية.
ماذا قالت زينب الغزالى عن تفسيرها للقرآن؟
يمكن أن ننظر في تقديمها لكتابها قليلا.
تقول: “كانت عدتى في تسطير هذه الصفحات ما علق بذاكرتى، مما سطرته في السجن على هامش مصحفى وبين سطوره، مما كان يفيض على خاطرى وقلبى وأنا أعيش في رحاب آياته سبحانه وتعالى، وتزودت من زاد علمائنا السابقين ممن توفروا على تفسير كتاب الله، فتتلمذت على القرطبى في تفسيره، وعلى الحافظ ابن كثير وكان لى معه أشواق وأشواق، وعلى الألوسى وأبى السعود والقاسمى والأهوازى، وعشت في ظلال سيد قطب رحمه الله، وكانت أكثر جلساتى مع كتاب الله بين صفحات ابن كثير، فأخذت على لبى، فكنت أطالع ما سطره وكأنى انظر إليه وحبات النور تتلأل في جبينه وتنفجر من ثناياه”.
توضح زينب الغزالى منهجها، تقول: ” إن القرآن ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ليكون دستورا لحياة البشرية إلى يوم القيامة، نزل ليحكم لا ليهجر، ولا أعتبر ما يسر الله لى كتابته ” مع كتاب الله” إلا خطوة نحو العودة إلى كتاب الله”.
الكلام محايد جدا، لكن عندما تقرأ تقديم الدكتور الفرماوى لهذا التفسير، ستكتشف أنك لست أمام تفسير للقرآن تبتغى صاحبته من ورائه وجه الله، ولكنه فخ إخوانى متكامل، تجر قدميك لتقرأ، لتكتشف بعد ذلك أن زينب الغزالى فسرت القرآن لمصلحة الإخوان فقط.
وقبل أن تعتبر ما أقوله تعسفا، يمكنك أن تقرأ ما كتبه الفرماوى.
*****
تحدث الفرماوى بقصد إحاطة القارئ بالمنهج الذى تقوم عليه معايشة زينب الغزالى للقرآن، ووضع من أجل ذلك نقاطا محددة اتبعتها المفسرة.
أولا: شرح الداعية للآيات، وكشفها لمعانيها، بعبارات سهلة، وأسلوب واضح، لا غموض فيه ولا غرابة ولا إبهام.
ثانيا: ربط معانى القرآن الكريم وأحكامه بواقعنا الذى نعيشه، في محاولة صادقة لتقويم هذا الواقع على هدى هذه الأحكام، وفى إطار هذه المعانى، وفى محاولة دائبة لعلاج أمراض المجتمع، عن طريق إبراز هذه المعانى، وتلك الأحكام، والأخذ بأيدى المسلمين، أفرادا وجماعات وإسعادهم عن طريق الإلتزام بهذه الأحكام.
ثالثا: (انتبه قليلا إلى ثالثا هذه)… التركيز الشديد على الجانب العملى في الإسلام والذى يقوم على:
· بناء الفرد المسلم على أساس فهم سليم ومعرفة واسعة شاملة لهذا الدين، وثقة به عقيدة وشريعة، والتزام به وتطبيق له، كل ذلك بخلق قويم وعاطفة نبيلة يصطبغ بهما عمله وكل تصرف له.
· بناء البيت المسلم في تكوينه وفى تسييره وفى تقويمه، على أساس من عقيدة سليمة وخلق قويم وعواطف صادقة، بما يعين أفراده على السكن في حياتهم، ويشيع المودة بينهم في تعاملاتهم ويظللهم بالرحمة ولو كان في خصوماتهم.
· تكوين الأمة المسلمة التى يبنى أفرادها وتتكون أسرها على الأسس والمعانى السابقة، كل ذلك ليكون للدعوة حصاد.
· الدعوة القوية إلى إحياء فرائض الإسلام الغائبة.
· وجود الجهاد في سبيل الله تعالى لجعل كلمة الله هى العليا، وإزالة العوائق من طريق تبليغها، ونصرة الإسلام وأهله.
· الإكثار من التوجه إلى الله تعالى بالحديث المباشر.
· اعتماد الداعية المجاهدة على الصحيح من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
عندما عرض الإخوان مقدمة الدكتور الفرماوى اختزلوها بما يخدم هدفهم ومصالحهم، قالوا: أشار الفرماوى في المقدمة إلى المنهج الذى اعتمدته الداعية الكبيرة في إعداد التفسير، ولخصه في الآتى: شرح الآيات وكشف معانيها بعبارات سهلة وأسلوب بعبارات سهلة وأسلوب واضح لا غموض فيه ولا غرابة ولا إبهام، وربط معانى القرآن الكريم وأحكامه بالواقع الذى تعيشه في محاولة صادقة لتقويم هذا الواقع على هدى أحكام الإسلام، وكذلك التركيز الشديد على الجانب العملى في الإسلام والذى يقوم على بناء الفرد المسلم والبيت المسلم والمجتمع المسلم وتكوين الأمة المسلمة، فأستاذية العالم.
كان هذا هو المقصد إذا، تأتى امراة من الإخوان، لها ما لها وعليها ما عليها، يقدسونها فيما بينهم، تقدم قراءة إخوانية للقرآن إذا جاز التعبير، وحتى يوحوا أن الأزهر وافق عليه، يجعلون أحدهم يكتب له مقدمة، بوصفه أستاذا في جامعة الأزهر، ثم يقومون بحشر هذا التفسير حشرا بين كتب التفسير الكثيرة.
لماذا تعاملت مع هذا التفسير على أنه فخ إخوانى؟
ببساطة شديدة لأن السيدة زينب الغزالى التى كذبت في مذكراتها، أو جعلت الآخرين يكذبون باسمها، سربت كل التعاليم الإخوانية بين سطور تفسيرها، أخذت من الكتاب العظيم وسيلة لتصل الأفكار الإخوانية إلى الجميع، وهى حيلة خبيثة ومنحطة، اعتاد الإخوان عليها في عملهم، ولم يسلم منهم حتى كتاب الله، الذى صدعوا رؤوسنا بشعارهم الذى يقول “القرآن دستورنا”.
كان القرآن بالفعل دستورهم، لكن على طريقتهم، لم يلتزموا بما جاء فيه لينفع المسلمين جميعا، بل ما ينفعهم هم فقط، وكانت هذه عادة الإخوان دائما، ينتفعون بأى وكل شيء، طالما أنه سيصب في مصلحتهم في النهاية.
كان تفسير زينب الغزالى للقرآن الكريم نفعيا بإمتياز، وكما مارست الكذب في حياتها، مارست الكذب في تفسيرها، فلم تقدم ما قدمته لوجه الله… بل لوجه جماعتها فقط.
نرشح لك
بالصور: فنانون وإعلاميون وكتاب ونقاد في ضيافة إعلام.أورج
تعرف على أظرف أم في إعلانات رمضان
شارك واختر.. من أفضل ثنائي في إعلانات رمضان؟ اضغط هنـــا