لدى الإعلامي والصحفي في مصر عقدة “المكان الأول”، حين يدخل إلى المهنة من خلال جريدة معينة أو قناة معينة، فهو يقدم تنازلات عديدة من أجل البقاء فيها، بلا سبب حقيقي سوى أنه “يحب المكان” ويعتبره “بيته الأول” الذي يأبى أن يغادره مهما حصل، تتغير الظروف والحياة وتباع المؤسسات وتشترى وتنتقل بين أيادي أصحاب رؤوس الأموال على اختلاف توجهاتهم السياسية، وهذا الصحفي أو الإعلامي يريد البقاء في مكانه الأول!، حتى حينما يعرضون عليه أموالا أكثر في مكان آخر يرفض الذهاب بعيدا عن المكان ملخصا الأمر بفكرة بعيدة تماما عن سوق العمل “ياعم أنا هنا واخد وضعي”، هذا ليس تعميما بالتأكيد، فخارج مصر مثلا يبقى الإعلاميون كثيرا في قنواتهم الأولى، لفترات طويلة تزيد عن العشر سنوات لكن بالتأكيد النظام هناك مختلف، وانتقال الملكية أيضا وأشياء أخرى كثيرة لا تبدأ عن الإمكانيات ولا تنتهي عند التوجهات السياسية.
لا يتعلم الصحفيون من هذا الأمر، حالة الإعلامي جابر القرموطى الآن ومن قبله يوسف الحسيني مماثلة تماما، وتنطبق عليها كل هذه الأمور، فجابر القرموطي صحفي دخل مجال الإعلام من خلال قناة “أون تي في”، عرفه الناس من خلالها ومن برنامجه “مانشيت” الذي حظي بنجاح كبير، حتى بفكرة الاختلاف حول ما يقدمه جابر من مضمون أو طريقة تقديمه لهذا المضمون، 7 سنوات مرت عليه في القناة، وعرضت عليه خلالها عقودا جديدة فى قنوات أخرى، منها ما كان يود أن يزيد من “الشو” الذي يؤديه جابر على الهواء يوميا واعتبروه مادة البرنامج الرئيسية، ومن هذه العروض بالتأكيد ما كان يقدم لجابر أموالا أكثر من تلك التي يتقاضاها في “أون تى في”، لكنه كان يترك كل هذا ويعود إلى “بيته”، فيما يبدو أنه تعود على المكان وارتباط به أكثر منه عملا مهنيا تتقاضى عليه أجرا وعليك أن تفكر في تطويره في قناة أخرى مثلا، بالطبع لم نطلب من جابر أن يذهب لمن يدفع أكثر -وإن كان هذا ليس عيبا على الإطلاق-، لكن كنا نطلب منه قراءة في مشهد قناته منذ وقت طويل، قناته التي مرت بظروف عديدة منذ أن جاء الإخوان إلى الحكم، مرة هناك ومرة هنا، ساويرس باعها -ولو صوريا- ثم عاد إليها مع رحيل الإخوان، جاء السيسي إلى الحكم وما بدا حتى الآن أن “الكلمة الواحدة” هي المطلوبة، و”الاتجاه الواحد” هو ما يود النظام أن يسير عليه الجميع، وفي وسط كل هذا ابتعد عن القناة واحد من أهم مؤسسيها وهو ألبرت شفيق.
صحيح القرموطي ليس معارضا شرسا للنظام، وهو يركب الطائرة أحيانا، لكن في الأفق يبدو أن الأمر أكبر من هذا، فـ”شو” القرموطي يصل لقطاعات كثيرة تحب طريقته التلقائية في التعليق على المشاكل، وربما هذا مزعج بعض الشيء للنظام فهذه الطريقة تعلم أكثر مع الجمهور، ثم إن عملية البيع والشراء الأخيرة التي مرت بها القناة لا تدع مجالا للتكهنات بأن “البيت” هو مكان كثيرين خلال الفترة القادمة، فمن هذا الذي فكر للحظة أن إجازة يوسف الحسيني من أون تي في منذ ما قبل مظاهرات 25 أبريل الرافضة للتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، ستنقطع وسيعود في اليوم الذي قالوا إنه سيعود فيه؟ كان على القرموطي أن يقرأ لماذا رحل فودة ثم عيسى عن القناة، على اختلاف الأسباب التي أدت بهم إلى الرحيل.
يتطلب العمل الإعلامي قراءة في المشهد السياسي والاقتصادي أيضا، والقرموطي صحفي اقتصاد قبل أن يصبح إعلاميا، فكان عليه حسابها كويس حتى لا يجلس في البيت.
نرشح لك
آلبرت شفيق يكتب: جابر القرموطي كما عرفته
بالصور: فنانون وإعلاميون وكتاب ونقاد في ضيافة إعلام.أورج
تعرف على أظرف أم في إعلانات رمضان
شارك واختر.. من أفضل ثنائي في إعلانات رمضان؟ اضغط هنـــا