وليد رشاد يكتب: "يونس ولد فضة".. حينما يعود الحوار بطلاً

waled-rasad وليد رشاد

قديماً كان نجاح المسلسل الرمضاني أو غير الرمضاني يعتمد في المقام الاول على النص المكتوب سواء كان المقصود بمصطلح النص القصة الاساسية أو مجموع جمل الحوار، وتداولت وقتها المقولة الشهيرة ان الدراما كاتب والسينما مخرج والمسرح ممثل، وتفسيرها بسيط وواضح وهو ان نجاح الدراما يعتمد في المقام الاول على اسلوب الكاتب بينما نجاح الفيلم يعتمد على رؤية المخرج في حين يعتمد نجاح المسرحية على اداء الممثل.

كان ذلك الكلام بالتزامن لوجود جيل عظيم من كتاب الدراما بعضهم اصلاً تحول من كتابة الادب مباشرة للدراما، في ظل اهتمام التليفزيون المصري وقتها والمحطات الارضية في الدول العربية (قبل ظهور الفضائيات) بإنتاج المسلسلات الدرامية، في حين أن تلك الفترة منذ بداية الثمانينات شهدت تراجعاً كبيراً في اصدار الكتب وخصوصاً الروايات وتدهورت فيها حركة النشر بشكل عام، قبل أن تعود اكثر قوة في السنوات الاخيرة بعد ظهور نمط جديد من القراء ومتعاطي الثقافة تواكب مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي وظهور ما يسمى نجوم “الفيسبوك” و”التويتر” (وتلك قصة اخرى ممكن ان تكون موضوع مقال جديد).

كان ذلك الجيل من كتاب الدراما النجوم يضم امير الدراما العربية “اسامة انور عكاشة”، “محمد جلال عبد القوى”، “محمد صفاء عامر”، “يسرى الجندي”، “صالح مرسى” وغيرهم، وتخصص كلاً منهم في نمط درامي معين فمثلاً “اسامة انور عكاشة” اشتهر بالدراما الاجتماعية وربما تخصص اكثر فيما يمكن ان يطلق عليه الدراما التاريخية الحديثة والمعاصرة، بينما اشتهر “محمد جلال عبد القوى” بتلك النوعية من المسلسلات ذات المغزى الديني والاخلاقي، وتألق “محمد صفاء عامر” في الدراما الصعيدية او تلك التي تناقش قضايا الصعيد، وتحرك “يسرى الجندي” بحرية بالغة في ملعب التراث، في حين ارتبط اسم “صالح مرسى” بمسلسلات الجاسوسية أو عالم المخابرات، وأصبح لا يمر رمضان الا وتجد عمل لكاتب من تلك الاسماء الكبيرة بل ربما تجد موسم رمضاني يجمع مؤلفين او ثلاثة منهم في ابداعات متعددة.

ورغم سخاء الانتاج المتمثل في قطاع الانتاج وقتها واختيار مخرجين وممثلين على اعلى مستوى ظل الجمهور ينسب العمل لكاتبه، فتجد التتر يتصدره عبارات من نوعية رائعة “اسامة انور عكاشة” او المؤلف “محمد جلال عبد القوى” قبل اسماء النجوم، بل ان هذا الثنائي بالتحديد اصر على كتابة اسمه على التتر ثلاثياً، ورفضا الاكتفاء بالاسم الثنائي مثل “اسامة عكاشة” او “محمد جلال”، واذكر ان “محمد جلال عبد القوى” ظهر في أحد البرامج التليفزيونية رافضاً بشدة اختزال اسمه الى “محمد جلال” واثار وقتها زوبعة لأنه خاف أن تنسب أعماله الى الروائي الراحل “محمد جلال”.

لكن فى السنوات الاخيرة وبعد رحيل “مرسى”، “عكاشة”، “صفاء عامر” وندرة ظهور “عبد القوى”، “الجندي” واختفاء هذا الجيل من كتاب الدراما الكبار اختلطت الاوراق بظهور جيل من الكتاب الشباب، هؤلاء الشباب اعتمد بعضهم على اقتباس افكار اجنبية في مسلسلاتهم او تحويل رواياتهم الناجحة على الفيسبوك الى اعمال درامية او تأليف موضوعات بالتفصيل للنجم او النجمة او ركوب موجة الاحداث الجارية او اعادة اعمال قديمة ناجحة وقليل منهم فقط من يقدم افكار مبتكرة، ومع افتقاد معظم هؤلاء الشباب للنجومية والدأب وغزارة الانتاج كان طبيعياً ان تنسحب حدوته صدارة المسلسل من الكاتب وتعود بمنتهى السهولة الى النجم، واصبحنا نجد في السنوات الاخيرة مسلسلات منسوبة الى ابطالها “عادل امام”، “يحيى الفخراني “، “يسرا”، “محمود عبد العزيز”، “نادية الجندي” ومؤخراً الجيل التالي “غادة عبد الرازق”، “احمد السقا” وبعدهم “نيللي كريم”، “يوسف الشريف”، “محمد رمضان ” وغيرهم.

ولأنني هذا العام لم يجذبني أيّ عمل درامي كي يجبرني على متابعته في رمضان واكتفيت فقط بالحصول على انطباعات مبدئية، لعلها تكون مرشداً لي في المشاهدة التالية بعد رمضان لأني اساساً من عشاق الدراما واحب مشاهدتها طوال العام وليس في رمضان فقط، ولذلك استغل مخزون المسلسلات الرمضانية في المشاهدة بعد رمضان، ولكنى اكتفيت فقط بمتابعة الجزء السادس من “ليالي الحلمية” لأسباب تاريخية ليست لها علاقة بالمحتوى الفني !!

إلا أنني وبعد ايام من بداية رمضان فوجئت بشخص اثق تماماً في رأيه يدعوني لمشاهدة مسلسل “يونس ولد فضة”، ولأنن من المعجبين بأداء النجم الشاب “عمرو سعد” وتابعت بعض اعماله في السينما والدراما، خصوصا مسلسل “شارع عبد العزيز” الجزء الاول ولذلك فقد قررت متابعة المسلسل، وكان مفاجأة سارة بالنسبة لي أن اجد حوار المسلسل بتلك الدرجة من الرقى، وعرفت ان كاتب المسلسل هو “عبد الرحيم كمال” صاحب ملحمة “شيخ العرب همام”، لذلك لم يكن غريباً عليه ذلك الحوار البديع ووجدت نفسى كذلك مشدوداً الى قصة الحب الصعبة بين “يونس” وابنة عمه “صفا”، والتي رفضت العائلة اتمامها لانهم ينسبون “يونس” الى امه “فضة” فقط ، ويرفضون الاعتراف بانه ابن شقيقهم الراحل ولا يريدون ان يختلط دمهم بدم ولد “فضة”!! وهى قصة حب اظن انها موجودة في حياة الكثيرين منا وهو الحب المستحيل او الحب الصعب و الذى تقف الظروف عائقاً امام اتمامه.

والغريب ان ذلك المسلسل لا تكمن روعة مشاهده فقط في تلك المشاهد الرومانسية المبتكرة التي تجمع بين “يونس” وحبيبته “صفا” التي تؤدى دورها ببراعة الفنانة الشابة “ريهام حجاج”، والتي لا اذكر انى شاهدتها في أيّ عمل فنى قبل ذلك، لكنى مقتنع تماماً انها تؤدى شخصية الصعيدية الثرية العاشقة بمنتهى الاتقان، ولكن هناك ايضاً المشاهد الرائعة التي تجمع بين “يونس” وزوجته “رضوى” التى تزوجها بعد رفض اسرته زواجه من “صفا” وتقوم بالدور المتألقة “سهر الصايغ”، واعتقد ان “سهر” تألقت ونضجت فنياً عن دورها فى مسلسل “ابن حلال”.

لكن اروع الحوارات والمشاهد فى المسلسل هى تلك التى تجمع بين “يونس” واخوه غير الشقيق الشاب الضرير “شبل” والتي تتجلى فيها ابداعات وفلسفة “عبد الرحيم كمال”، خصوصاً حينما يذكر “يونس” لأخيه بعض الاقوال المأثورة وينسبها لاصحابها فى النهاية بطريقة اساتذة الجامعة والمفكرين، ويؤدى الشاب “عمرو امام” دور الشاب الاعمى بعذوبة ربما لم نشاهدها من قبل فى تجسيد شخصية الاعمى على الشاشات العربية، ولا يمكن ان ننسى الحوارات والمشاهد التى تجمع بين “يونس” ووالدته “فضة” التي تؤدى دورها القديرة “سوسن بدر”، والتي اتصور انها وصلت لمرحلة من التمكن جعلتها في مصاف النجمات الكبار مثل “سميحة ايوب، والراحلة “سناء جميل”.

والجميل انك تجد فى هذا المسلسل كل الابطال فى حالة توهج درامى وربما تجدهم فى افضل حالتهم الفنية فمثلاً الفنانة الشابة “هبة مجدى” تؤدى دوراً مختلفاً وجديداً وهو الفتاة الصعيدية ومعها اختها “الهام عبد البديع” حيث تؤديان شخصيتي الشقيقتين “شمس”، “قمر”، علاوة على الاداء الرائع لكل النجوم الكبار ومنهم “صفاء الطوخي”، “انعام سالوسة”، “فتوح احمد”، “احمد صيام”، “احمد حلاوة”، “محمد التاجي”، “سامى مغاوري”، ولا ننسى المشاركة المتميزة للفنان “ضياء عبد الخالق” فى دور الشخص المهم شقيق “رضوى” زوجة “يونس”، وكذلك الفنانة الشابة “ايمان سلامة” التي ادت دور زوجته بإطلالتها الكلاسيكية المتميزة والتي تناسب زوجة رجل مسئول فى الصعيد.

ويكفى ان اختار بعض الجمل الحوارية ضمن احداث المسلسل وانقلها بتصرف لتعرفوا مدى روعة حوار المسلسل، ففى حوار يجمع بين “يونس” واخوه “شبل” يسأله “يونس” بذكاء (ايه اجمل حاجة خلقها ربنا يا “شبل”؟!) فيجيبه “شبل” (الشوف.. العينين يا “يونس”) فيرفض “يونس”( لا.. الاحساس.. احلى حاجة خلقها ربنا الاحساس.. ربك عادل.. فيه ناس ما تشوفش.. وناس ما تسمعش.. وناس ما تتكلمش.. لكن كل الناس بتحس.. صح؟؟!!) فيتألق “شبل”ويقول له (كله حيحس بس مش زى بعض.. فيه ناس احساسها رقيق.. وناس جلدها تخين!!) وبعدها يعود “يونس” ويقول له (ده احلى حاجة فى الدنيا خلقها ربنا.. البنات) فيتعجب “شبل” (وبعدين معاك.. مش قلت ان احلى حاجة خلقها ربنا الاحساس) فيرد “يونس” بابداع (وايه لازمة الاحساس يا حزين من غير البنات ؟؟!!)

وكذلك لا يمكن ان انسى المشهد العبقرى بين الزوجة “رضوى” والحبيبة “صفا” حينما ذهبت اليها لتثنيها عن الزواج من “يونس” والد ابنها، وبعد حوار طويل يمزج بروعة بين الرجاء والتهديد اختتمته “رضوى” بجملة تاريخية وقالت لها (ربنا يفرح قلبك.. ويسترك.. ستر ما يوجعش غيرك يا صفا !!!!)

وحتى تكتمل الصورة تبقى فقط ان اشير الى ان تتر المسلسل (وهو بالمناسبة واحد من افضل التترات الرمضانية هذا العام) هو من كلمات الشاعر والكاتب المبدع “عمر طاهر” (الذى اسعد بصداقته عبر مواقع التواصل الاجتماعى) وغناء وتلحين المطرب ذو الاحساس الجميل “احمد سعد”

نرشح لك

وليد رشاد يكتب: “سقوط حر” اسم على مسمى!

بالصور: فنانون وإعلاميون وكتاب ونقاد في ضيافة إعلام.أورج

10 اختلافات بين جراند أوتيل المصري والأصل الإسباني

شارك واختر.. ما هو “أسوأ” مسلسل في رمضان 2016؟ اضغط هنـــا

بنر الابلكيشن