محمد الباز يكتب: الإعلام القرآنى... كيف تصبح صحفيا على سنة الله ورسوله؟ (القرآن في مصر 26)

نقلاً عن البوابة 

من بين النكت التى يتبادلها أبناء كليات الإعلام فى مصر، أن باحثا من جامعة الأزهر، أعد دراسة عن الإعلام الإسلامى، ذهب فيها إلى أن القرآن كشف عن أول صحيفة فى العالم، واستشهد بآيات من سورة الأعلى، تقول: ” إن هذا لفى الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى”.

ورغم أننى أثق أن هذه نكتة لا أكثر ولا أقل، إلا أن هناك من يؤكد أن الحادثة وقعت، وأن الباحث نال توبيخا هائلا، لأن صحف إبراهيم وموسى ليست صحفا بالمعنى المتعارف عليه فى عالم الإعلام الحديث.

الباحثون فى علوم الإعلام، وتحديدا أصحاب الخلفيات الدينية، مثلهم مثل كل من حاولوا أن يكتشفوا فى القرآن الكريم وجها من وجوه الإعجاز، حتى يثبتوا أن هذا الكتاب وسع كل شئ، ولم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.

ورغم أن هناك عددا كبيرا من الباحثين فى مختلف كليات ومعاهد الإعلام على طول العالم الإسلامى وعرضه، قدموا بحوثا وكتبا، كشفوا فيها ما يرون ملامح إعلامية فى كتاب الله العزيز، إلا أن أهم الكتب التى صدرت فى هذا السياق، هو كتاب ” الإعلام فى القرآن الكريم” الذى ألفه وزير الإعلام السابق محمد عبد القادر حاتم، والدليل على ذلك أن جميع من كتبوا فى مساحة الإعلام القرآنى جعلوا منه مرجعا، وعادوا إليه فيما توصلوا إليه من أفكار ونظريات ونتائج.

الكتاب كتب له مقدمة قصيرة الشيخ جاد الحق على جاد الحق شيخ الأزهر السابق، ومن بين ما قاله فيها: ” هذا المؤلف ” الإعلام فى القرآن الكريم” للدكتور محمد عبد القادر حاتم إبراز لوظيفة هامة لكتاب الله واستظهار لمهمة من مهامه، لوضع بنى الإنسان على الطريق الصحيح فى حياتهم، تلك هى الإعلام، وهل جاء القرآن إلا بلاغا للناس، ولينذروا به، وليذكر أولوا الألباب، وهل كانت الرسالة النبوية إلا بلاغا لكتاب الله الذى حمل إلى الناس خيرى الدنيا والآخرة، استنارت به العرب بعد عناد واستعلاء، فانقادوا للإسلام وبالقرآن بعد شرود، واستجابوا للدعوة بعد إباء وانتقلوا به ومعه من الضلالة إلى الهدى والرشاد، ومن البداوة إلى الحضارة، ومن الجهالة إلى العلم، ومن الفرقة إلى الألفة والوحدة، ومن الضعف إلى القوة”.

يخلص شيخ الأزهر إلى أن الكتاب بما حواه من بحوث إعلامية بينة يعتبر إضافة لعلوم القرآن بلغة العصر وأساليبه، وتقريبا لمادة الإعلام الإسلامى للدارسين وللعاملين فى حقل الإعلام بوحه عام، فقد رسم أكثر من صورة مضيئة بنور القرآن، حتى كأنما هى نماذج حية متحركة، تقول الحق وتنطق بالصدق.

يمكنك وبسهولة شديدة أن تكتب على محرك البحث جوجل” الإعلام والقرآن”… وستجد بين يديك مئات من الكتب والبحوث التى انشغل أصحابها بتأسيس ما يمكن تسميته “نظرية إعلامية إسلامية”، لكن تأكد أن ما سأقوله لك هنا لن تجده فى كتب، لأن الكتب ببساطة لن تجرؤ أن تدخل إلى هذه المساحة.

ومن يدرى، فقد يكون ما أسجله هنا بداية لدراسة شاملة عن ملامح الإعلام فى القرآن الكريم، الذى هو بالنسبة لى كتاب عبادة، وليس علم على الإطلاق، لكن طالما أن هناك من يدخلونه بهذه الروح، فلا مانع من أن نصحح لهم ما ذهبوا إليه، ( وإن كنت اعتقد أن هذا لن يحدث لأسباب موضوعية كثيرة، لكن من يدرى… فيمكن أن تتبدل الأمور كلها).

****

من السهل على أى باحث أن يقارب بين مكونات العملية الإعلامية والقرآن الكريم.

فالمرسل هو الله صاحب الكتاب الذى تعهد بحفظه، وهو ليس موضوع للدراسة فهو حق مطلق، لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

ولذلك يمكن أن يخضع المستقبل وهو النبى محمد صلى الله عليه وسلم إلى دراسة مستفيضة، عن المتلقى وتكوينه الإجتماعى والثقافى، وطريقة استقباله للرسالة التى جاءته من السماء.

أما الوسيلة فى هذه العملية الإتصالية المتكاملة فكانت جبريل عليه السلام، ويمكن أن تتعامل مع ما حدث على أنه إتصال مباشر واضح، فجبريل تمثل للنبى وجلس إليه وحدثه، ونقل إليه القرآن، وكان يراجعه معه كل عام مرتين.

تبقى الرسالة وهى هنا هذا النص الهائل الذى لا يزال يكشف أسراره للناس، فلا تخفى عجائبه، ويمكننا أن نتعامل معه كخطاب يخضع للتحيل، من خلال الأداوت العلمية، وأعتقد أننا لن نخذله ولن يخذلنا أبدا.

يمكن أن تواصل المقاربة.

فرد الفعل الذى يتحدثون عنه كأثر مباشر أو غير مباشر للرسالة الإعلامية  واضح وممتد من اللحظة الأولى التى وصلت فيها الرسالة، وحتى الآن حيث يتجدد ويتنوع ويتناقض ويتوحد ويتشعب ويتلون، وهو رد الفعل الذى يبدأ بالتشكيك فى مصدرها وأهدافها، إلى الإيمان المطلق بها.

وحتى لو أردت دراسة ما نسميه بالتشويش على الرسالة، فستجد تشويشا هائلا عليها منذ عرفتها البشرية، وهو تشويش تقف وراءه نفوس مريضة لم تستطع النيل منها، لانها محفوظة بكلمة الله.

من السهل أيضا أن نطبق كل نظريات الإتصال القديمة منها والحديثة على القرآن الكريم، ولن تعدم عبقريا يأتيك بدليل على أن كتاب الله الخالد يضم بين دفتيه كل ما توصل إليه الإعلام فى العالم، وتحديدا نظريات الإتصال التى يفتن بها البعض، ولا يكون له فضل فيها إلا ترجمتها واستحضارها وكأنه من اخترعها وسهر على صياغتها، بل يمكن أن يؤكد لك هذا العبقرى أن القرآن لا يزال يملك ما يعجز كل من يعمل فى المجال الإعلامى.

هذه مناطحة لن تتوقف أبدا، ولذلك تعالوا ندخل بكم مدخلا جديدا.

****

بعد أن تلقى النبى محمد الرسالة، أدرك قيمة ما لديه، كان عليه أن يؤسس فقها إعلاميا إذا جاز التعبير، حتى تصل هذه الرسالة كاملة إلى من يستحقونها، المستهدف من الرسالة هنا البشرية جمعاء” وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”، وعليه تحدث النبى بأحاديث يمكن تطويعها إلى تفسير العمل الإعلامى فى الإسلام.

الحديث الجامع فى هذا السياق يقول ” نضر الله إمرا سمع مقالتى فوعاها وحفظها وبلغها عنى كما سمعها”.

لو أردت إحاطة كاملة بكل أخلاقيات العمل الإعلامى وأسسه وقواعده لن تجدها خارج هذه الكلمة الموجزة التى قالها النبى صلى الله عليه وسلم.

فهو يمتدح من سمع منه كلمة أو حديثا فوعاه، أى فهمه كما قاله تماما دون زيادة أو نقصان، وبعد أن يفهمه يحفظه فى إشارة إلى التوثيق، وهى نصيحة نوجهها للصحفيين، فلا تترك الأمر للذاكرة أبدا، سجل كل شئ، حتى لا تنسى أى شئ، وبعد أن يحفظها ويوثقها، يبلغها ولاحظ دقة الرسول عندما يوصى بكلمة : كما سمعها.

هل يمكن أن نعتبر هذا الحديث إشارة إلى الدقة والموضوعية فى نقل الأخبار؟

هو كذلك بالفعل، فالمطلوب ببساطة أن ينقل الصحفى الخبر كما حدث، لا يضيف عليه ولا يتنقص منه، وكأنى بالرسول يضع قاعدة مهمة جدا، هى مواجهة تلوين الخبر الصحفى.

بالقرب من هذا الحديث، يأتى حديث أخرى، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “نضر الله إمرا سمع منى شيئا فبلغه كما سمع فرب مبلغ أوعى من سامع”، قد يكون المعنى واحد، لكن الإضافة المهمة هنا، تشير إلى أن الصحفى لابد أن يلتزم بما يسمعه أو يقال له، وينقله إلى المتلقى، فربما يكون المتلقى أكثر وعيا من الصحفى الذى ينقل الخبر، ورغم أن هذا يعد عيبا فى الصحفيين لابد أن نعترف به، إلا أنه كثيرا ما يحدث، فكثير من سوء الفهم الذى يجرى بين أيدينا يحدث من عدم الدقة فى النقل، ولن أقول التحريف فيما جرى.

لكن الرسول صاحب الرسالة الذى كان يعرف أنه يواجه خصوما لا يريدون لهذا الدين أن ينتشر، خطا خطوة مهمة جدا فى سياق هذه المواجهة، واسمعوا إلى هذا الحديث: “بلغوا عنى ولو آية، وحدثوا عن بنى إسرائيل ولا حرج، ومن كذب على متعمدا فليتبؤا مقعده من النار”.

لن أتوقف كثيرا عند “بلغوا عنى ولو آية”، ولا عند “ومن كذب على متعمدا فليتبؤا مقعده من النار”، لأنها قد تدخل فى الأمور الدعوية البحتة المجردة، لكن ما رأيكم فيما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم ” وقولوا عن بنى إسرائيل ولا حرج”… سأتحدث بما أفهمه هنا، فالرسول يوصى المحدثين أن يتكلموا عن بنى إسرائيل ولا حرج، فهل كان يقصد إذاعة أخبار عنهم لم تحدث، على الأقل من باب الحرب النفسية؟… ولما لا قد يكون ذلك.

لم يكن الرسول يقول إلا الصدق، لكنه قال أن الحرب خدعة، ومن بين الخدعة إشاعة أخبار لم تحدث عن العدو، حتى نستطيع مواجهته والقضاء عليه، وربما يتبع إعلام الإخوان شيئا من هذا فهم يختلقون أحداثا وأخبارا وحكايات وروايات ما أنزل بها من سلطان عن مصر وما يجرى فيها، ولو كانوا يستخدمون هذا السلاح بإعتبار أن الكذب على الخصوم أمر شرعى أوصى به النبى، فلا أقل من أن نحاربهم بنفس سلاحهم، ففى الحرب كل شئ متاح ومباح، فما بالنا لو كان هذا الشئ شرعى أيضا.

****

ستسألنى هل أنت مقتنع بما تقوله؟

سأقول لك لست مقتنعا على الإطلاق.

فأنا ضد الزج بالقرآن فى مساحة تلبيسه بعلوم مختلفة، رغم أن هذا سهل، فلو حدثتنى مثلا عن ” نظرية ترتيب الأولويات” سآتى لك بآيات كثيرة فيه ترتيب ما يجب أن يفعله المسلم مثل ” وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة” ويمكن أن أستعين بمن تحدثوا عن أهمية تقديم الصلاة على الزكاة فى كل الآيات.

ولو حدثتنى عن قادة الرأى فى المجتمع، سأضرب لك مثلا من واقع مهمة الأنبياء الذين نقلوا عن ربهم رسالته إلى أقوامهم، وهؤلاء الأنبياء اختارهم الله على عينه، وحدد لهم وظائفهم، وجعل الناس أقل منهم مكانة ومنزلة عنده.

****

لن أزيد على ذلك، ولكنى أدعو أى باحث فى الإعلام أن يجرب هذه اللعبة، يأتينى بالنظرية العلمية سواء كانت حديثة أو قديمة، وأنا سآتيه بما يدل عليها من القرآن، فالأمر ليس صعبا على الإطلاق.

سبب رفضى لذلك لأن الباحثين فى شئون الإعلام القرآنى، أو الإعلام فى الإسلام كما يطلقون عليه، كثيرا ما يلجأون إلى لى عنق الآيات، يضعون الإعلام كعلم حديث له قواعده وقوانينه فى مواجهة مع الإعلام الإسلامى، الذى يقولون عنه أنه الأسمل والأعم والأنفع للناس.

لو كان هؤلاء الباحثون سبقوا علماء الغرب، فاستخرجوا كل القواعد والقوانين الإعلامية من القرآن، وقدموها للعالم على أنها إنجازهم العلمى الكامل، لرفعت لهم القبعة، ولأشدت بما يقولونه ويفعلونه، لكنهم يفعلون كما فعل الذين من قبلهم، يتسولون العلم من الغرب، ثم يعايرونه به.

ودعونى أذكركم بهذا المثل الذى قرأتموه فى بداية هذه الحلقات.

كان أحد أساتذتنا فى كلية الإعلام يتحدث بفخر شديد عن وصوله إلى نظرية إعلامية قرآنية، قال أن القائم بالإتصال وهو هنا الصحفى أو المذيع أو الكاتب…. إلخ لابد أن يكون منتميا بشكل كامل إلى المجتمع الذى يعمل فيه ويمارس من خلاله وظيفته الإعلامية، لأن إنتماءه لهذا المجتمع يجعله قادرا تماما على فهم مشاكل هذا المجتمع، فيصبح قادرا تماما على حل هذه المشكلات، فليس معقولا أن نأتى بإعلامى من خارج المجتمع، ونطلب منه أن يشعر بمشكلات الناس، أو نطالبه بأن يقدم لهم حلولا منطقية وواقعية.

وقبل أن يلتقط الأستاذ أنفاسه، قال هذه نظرية مهمة، وقد تحدث بها علماء كثيرون فى العرب، وأثنوا عليها، واعتبروها فتحا، فما رأيكم أن هذه النظرية نفسها جاء بها القرآن قبل 1400 سنة، عندما قال ” هو الذى بعث فى الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وإن كانوا من قبل لفى ضلال مبين”… وأكمل: ها هو القرآن يقول رسولا منهم، عرف أن القائد لابد أن يكون من نفس المجتمع.

لم يصفق له أحد، ولم يثنى أحد على ما قاله، لأن النظرية كانت موجودة، ولم يفعل أكثر من المقاربة بين ما تمت صياغته وما قرأه، اعتبر أن هذا إعجازا إعلاميا جاء به القرآن الكريم، واعتبرته وقتها ولا أزال محاولة للسطو على مجهود الغير، ثم معايرته بأن القرآن جاء به، لكن من يفعلون ذلك يتصرفون وكأنهم من وضعوا النظرية بأنفسهم، وليس القرآن الكريم.

*****

لقد حاول كثيرون على مدى تاريخ الإعلام المصرى أن يضعوا مواصفات للجريدة المسلمة وللصحفى المسلم وللشاشة المسلمة وللإذاعة المسلمة.

ولا أدرى لماذا لم يحاول أن يعمل أحد على استخراج الأشكال الصحفية من القرآن؟

لو حاول هؤلاء لوجدوا عجبا، فالقرآن فيه تأسيس للخبر الصحفى، وتأسيس للحوار الصحفى والمواضع كثيرة ومتعددة، وللتحقيق الصحفى ويمكن أن تتأمل قليلا فيما تقرأ ستجد عجبا، بل إن القرآن يحوى ما أسميناه المقال الاستطرادى الذى كتبه هيكل فى أخريات حياته، وهو مقال يحتوى على كل الأشكال الصحفية.

ولا تتعجب إذا قلت لك أنك يمكن أن تعثر فى القرآن على صفحة حوادث، راجع سورة يوسف عليه السلام، فإلى جانب أنها أعظم قصة فى التاريخ، فهى عبارة عن سلسلة من الجرائم التى تتكشف فى النهاية.

يمكن أن أفعل هذا بسهولة، لكننى لن أفعله، لأنه فى النهاية ليس إلا تجاوزا فى حق القرآن، لدينا مواثيق شرف، وهى بالمناسبة لمن يهتمون بتأصيل حكاية الإعلام الإسلامى والقرآنى تضع الصحفى على طريق الله ورسوله، ولو اتبعت ما جاء فيها فستجد نفسك صحفيا شرعيا – هذا إذا أردت – على سنة الله ورسوله.

الأمر لا يحتاج إلى مزايدة إذن.

يحتاج أن ننظر إلى كل أمر بقواعده، وكفانا تحميلا للقرآن الكريم بأكثر مما يحتمل، فهو عندى ليس أكثر من كتاب عبادة…فلا تجعلوه أكثر من ذلك.

نرشح لك

محمد الباز يكتب: التفسير النفسى للقرآن… محاولات غير مكتملة (القرآن في مصر 25)

مهرجان إعلام.أورج ..أفضل 9 ممثلين في رمضان 2016

مهرجان إعلام.أورج .. أفضل 9 ممثلات في رمضان 2016

شارك واختار .. ما هو “أسوأ” مسلسل في رمضان 2016 ؟ أضغط هنـــا

بنر الابلكيشن