شريف ثابت يكتب: سقوط حر ..بين المحاضرة الدرامية والدراما الأكاديمية

 

شريف ثابت

على مدار الأعوام الأربعة الفائتة دشنت مريم نعوم لنفسها اسماً مُعتبراً لدى المنتجين والمحطات الفضائية وقطاع لا بأس به من جمهور المُشاهدين -يتجاوز الإطار النخبوى- أصبح ينتظر مُسلسلها من رمضان لرمضان، وذلك بعد خبرة تكونت من نجاحات متتالية فى مسلسلات ذات وموجة حارة (٢٠١٣) سجن النسا (٢٠١٤) وتحت السيطرة (٢٠١٥) فى استعادة مُستحقة لنجومية السيناريست.

المُتابع الدءوب لمشروع نعوم الدرامى يَعى الآن الهَم الرئيسى الّذى يتمحور حوله وهو قضية المرأة المهضومة المُنسحقة فى مجتمع ذكورى. وهى فى “سقوط حر”، أحدث حلقات هذا المشروع، لا تبعد عن منطقتها الفيمنستيّة الأثيرة وإن كانت قد وسّعَت من نطاق تناولها لتأثير الضغوط النفسية والعصبية والاجتماعية لتشمل الكل، نساء ورجال وأطفال، أغنياء وفقراء، شباب ومُسنين، مع التركيز بطبيعة الحال على المرأة أولاً وأخيراٌ باعتبارها الكائن الهَش، شيالة الحمول والتى تعانى ضغوطاً مُضاعفة وسط المجتمع الذكورى.

“السِت لما بتبطل تحس بالأمان، بتبطل تحِس انها سِت أصلاً”.

الضغوط العصبيّة وما يمكن أن تدفع إليه من تداعيات خطيرة هى قضية شديدة الأهمية، وتزداد أهميتها مع تفاقم خطورة التداعيات إنسانياً ومُجتمعياً، وبالذات فى السنوات الأخيرة التى تصاعدت فيها حدة هذه الضغوط بأشكال وصور مُختلفة نلمسها ونعانى كلنا تحت وطأتها. مَن مِنا مثلاٌ لم تراوده الرغبة مرات ومرات ليحذو حذو سليم فى أن يخرج من سيارته العالقة فى الزحام والحر والتراب ودوشة الكالاكسات وسفالات وانحطاط السائقين ويصرخ فيهم أو يعتدى عليهم بالضرب؟!.

اختارت نعوم وشريكها فى الكتابة، السيناريست وائل حمدى، قالب السايكودراما فى عرض رؤيتهم، واستعدوا جيداً لهذا اللون الصعب بالدراسة والتدقيق، الأمر الذى ظهرت ثماره واضحة فى دقة عرض وتشريح الأزمات النفسية والعصبية التى يعانى منها “كل” أبطال الحدوتة بقدور متفاوتة، ومتانة البناء السايكولوچى لكل شخصيّة على حِدة. فهل كانت السايكودراما خياراً مثالياً لمناقشة هذه القضية الخطيرة، قضية الضغوط وتأثيراتها؟ وما مدى نجاح هذا الخيار؟.

إجابة السؤال الأول بالطبع هو نعم كبيرة. أما السؤال الثانى فإجابته تستلزم تحديد المقصود بـ “النجاح”. فإذا كان مُجرد عرض وتبسيط القضية علمياً وأكاديمياً لجمهرة المُشاهدين، فالمسلسل ناجح “تعليمياً”. ولكن الحُكم على مشروع “درامى” يستلزم معايير أخرى يعرفها صُناعه -وهم أساتذة- أكثر من غيرهم. معايير جعلت عوام المشاهدين والذين طالما استحسنوا ذات وسجن النسا وتحت السيطرة، يعربون عن تحفظات وتأففات معينة هذه المرة.

التحفظ الرئيسى مُتعلِق بالمَط والتطويل، وهُما الشكوى الرئيسية من أغلب مسلسلات هذا الموسم الرمضانى.

للدقة والإنصاف، فالقصة والأجواء هنا فى “سقوط حر” ربما استلزمت إيقاعاٌ بطيئاٌ يناسب بطلة فاقدة للذاكرة تسترجع شتاتها. بُطء الإيقاع هنا جزء من الكابوس الذى تناضل مَلَك (نيللى كريم) للخروج منه، ولكن هذا شئ والمَط والإطالة غير المُبررة شئ آخر. كَم مرة على سبيل المثال رأينا فيها مشهداً طويلاً للأبطال داخل السيارة تقطع بهم الشوارع، ثم تعبر “وببطء” ممر تحفه الشجيرات داخل المستشفى، تتوقف، يغادرها سليم وآدم أو سليم وسهام أو أنوشكا، ويسيرون متجاورين حتى باب المستشفى، فى حين أنه من الممكن ببساطة شديدة توفير هذا الوقت غير المُستغَل درامياً والقفز بهم لقلب المشهد المطلوب مُباشرة؟!!. بطء شديد وتثاقل فى الإيقاع أخل بعادة المتابعة اليوميّة، وبخاصةً مع توافر الحلقات بانتظام على يوتيوب.

اختار الثنائى (نعوم – حمدى) استعراض تداعيات الضغوط العصبية على مستويين: المستوى المباشر مُمثلاً فى رفيقات ورفاق رحلة مَلَك الاستشفائيّة، نُزلاء المصحة النفسيّة سواء الحكوميّة بالعباسيّة أو الخاصة. وهو المستوى الأضعف والأكثر ركاكة، واقتصر على ان كل شوية تتوقف الكاميرا عند إحدى المريضات وتبدأ فى حكاية حكايتها بمونولوج من البكاء والشحتفة أو الشرود المُفتعَل وستوب على كدا وانقل ع الحالة اللى وراها.. نماذج نماذج نماذج تُستعرَض بشكل “تعليمى” فصيل درامياً. وبالرغم من أن نعوم لجأت لتكنيك شبيه سابقاً فى “سجن النسا” إلا أنه كان أكثر نجاحاً وتأثيراً لأن النماذج كانت أكثر تشابكاً وتضفيراً مع الخط الرئيسى للأحداث، تنمو بالتوازى معها. وهذه الملاحظة تحديداٌ هى السبب فى تفوق المستوى غير المباشر فى استعراض تداعيات الضغوط مُمثلاً فى الأبطال خارج أسوار المصحات العلاجيّة. سهام وسليم وعلا ورضوى والّذين تتكشف أزماتهم رويداً رويداً بتمهل تشويقى كابوسى، وبتضفير بارع مع أزمة مَلَك نفسها، بطلة المسلسل الرئيسيّة. ولم يكن هذا هو التقاطع الوحيد بين رؤى المسلسلين، ففى كليهما نجد المقابلة بين اليوتوپيا داخل الأسوار (المستشفى/ السجن) والدستوپيا النفسية والاجتماعية خارجها.

شوقى الماجرى، مخرج المسلسل، قدم صورة أكثر من ممتازة.. قاتمة بألوان داكنة مُلائمة لطبيعة الأحداث والشخصيات، واستعمل اللونج شوتس بغزارة استعمالاً موفقاً جداً بحركة كاميرا مدروسة ومُخططة بعناية فائقة للتنقل بين شخصيات عديدة وخطوط متوازية بل وزوايا وأحجام مختلفة للّقطة داخل المشهد الواحد من دون قَطعة مونتاچ واحدة. وسجل نقطة تفوق حقيقيّة فى استخدام المؤثرات البصرية بكفاءة فى مشاهد هلوسة مَلَك.

هذا التميز البصرى الهائل والذى دعمته موسيقى بديعة وملائمة لـ رعد خلف، لم يقابله للأسف تميز مماثل فى إدارة الممثلين والتى عانت تذبذباً كبيراً بين أداء جيد جداً لصفاء الطوخى وإنچى المُقدِم وأحمد وفيق (باستثناء الحشرجة البشعة فى صوته) وأنوشكا وأحمد داش والممثل الشاب الذى لعب دور على (هو نفسه الطفل الذى لعب دور ابن كريم عبد العزيز فى “واحد من الناس” قبل عشر سنوات!!) وأداء يتراوح بين المتوسط والضعيف لبقية الممثلين والذين بدوا لفرط ضعف أداءهم أقرب لكومبارس أو روبوتس، وساعد فى الوصول لهذه النتيجة المؤسفة أن الحوار فى مناطق غير قليلة كان “كليشيهيّا” تقليدياً اتقال كتير قبل كدا!.
أما نجمة العمل، نيللى كريم، فاجتهادها واضح للقاصى والدانى، لكن نفس ملاحظتى عليها فى “تحت السيطرة” أكررها هنا: نيللى مع كاملة ابو ذكرى هى غير نيللى مع أى مخرج آخر!. لمعت فعلاً فى مشاهد الحيرة والهلوسة والتشتت ومحاولات التنقيب عن ذاكرتها المدفونة (وهى مشاهد كثيرة وممتازة) واضطرب أداءها فيما سوى ذلك.

المُحصلة رغم الهنّات غير الهينة أن المسلسل مُهِم ومثير للجدل وبالذات مع تراجع مستوى أغلب مسلسلات الموسم، ولم يَخلُ -رغم المَط- من التشويق، ونجح صُناعه فى عمل كابوس حقيقى خطورته أنه مُتماس مع خبرات واقعية نعيشها ونكتوى بها يومياً.
ثمة حاجة ضرورية للتوقف والمراجعة والإنصات للأصوات الناقدة وبخاصةً أنها صادرة عن حب وتقدير للمشروع الدرامى المُهِم الّذى بدأته مريم نعوم منذ أربعة سنوات. المُسلسل هذا العام يعانى من مشكلات ليست بالبسيطة خصمت من رصيده وتسببت فى حالة عامة من التذمر بين جمهور طالما أشاد بأسلافه السنوات الخالية.

نرشح لك

داعية إسلامية تعنف متصلة: دا تهريج!

مهرجان إعلام.أورج ..أفضل 9 ممثلين في رمضان 2016

مهرجان إعلام.أورج .. أفضل 9 ممثلات في رمضان 2016

شارك واختار .. ما هو “أسوأ” مسلسل في رمضان 2016 ؟ أضغط هنـــا

بنر الابلكيشن