قابلتها صدفة لكنها تركت شيئا بداخلى .. كنت فى بداية حياتى المهنية كصحفى مبتدأ و مقدم لأحد برامج التليفزيون .. كنت جالسا وسط مجموعة من الأصدقاء نتبادل أطراف الحديث ، و فى طياته تعالت الضحكات و ارتسمت على الشفاه بسمة قلما نجدها هذه الأيام ، و فجأة ظهرت فتاة يافعة .. يانعة.. جميلة المظهر .. ممشوقة القوام .. مقبلة على الحياة .. تبتسم و هي قادمة تمشي الهوينى و تسير كالفراشة على الأرض ، الأصدقاء و الحضور لم ترتجف رموشهم و هم ينظرون اليها و هي تقبل علينا بكل ثبات و ثقة ، حتى اقتربت و سمعت همسات أصدقائى و شفاههم تحاول أن تقول : لمن يا ترى هي قادمة ؟ من ستقبل هي عليه ؟!! ثم صمت الجميع لبرهة و قالت هي بصوت دافىء ” أنت مذيع ؟” فرددت عليها ب “نعم” فابتسمت و قالت “شكلك متغير شوية عن التليفزيون ، انا عرفتك من صوتك أكتر من الشكل على فكرة ” لم أرد عليها سوى بابتسامة هادئة .. فقالت اتشرفت بيك لكن بحس ان مهنة الاعلام صعبة وكتير منكم مش فاهمها .. عموما ربنا يوفقك ” ثم غادرت ..
الجميع استمر فى النظر إليها ، لكننى أنا و برغم بساطة اللقاء ظللت أفكر فى كلماتها ، و تساءلت : هل كانت تريد شيئا ؟ هل أرادت أن تبعث برسالة ما ؟ شعرت أنها كانت تريد أن تقول : آه لو تعلمون كيف ننظر إليكم ؟ كيف نترقب مواقفكم ؟ كيف نتأمل تعبيراتكم ؟ .. لم يتوقف ذهنى عن التفكير و لم أنم و ظل عقلي يردد أسئلة كثيرة .. هل يعي كل من يمتهن هذه المهنة قيمة الإعلام ؟ هل يدركون طبيعة الرسالة التى من المفترض أن يقدموها ؟ هل يعرفون ماذا ينتظر الناس منهم و كيف ينظرون اليهم ؟!!
ربما الإجابة “لا” و الدليل ما نراه على شاشاتنا من هزل أو فراغ أو تطميس للهوية و الثقافة المصرية و العربية أو تغييب للعقول عبر ما يقدم أو القائمين على تقديمه .. و الحقيقة أن بعض الإعلاميين لا يدرون طبيعة و حجم المسئولية الملقاه على عاتقهم ، و بعضهم ممن دخلوا حقل الإعلام عبر المال أو الواسطة و المحسوبية أو حتى بإجبار النفوذ و السلطة ،بالتأكيد لا يعى ولا يفهم ولا يدرك بسهولة ما هو مأمول من وجوده أو من ظهوره على الشاشة أو دخوله دون طرق الباب الى بيوت ملايين المشاهدين ، أعتقد أن السبب هو صغر السن أحيانا ، قلة الوعى و الإدراك ، غياب الرؤية الإعلامية ،كثرة المعروض من الراغبين فى إمتهان الإعلام بشتى صوره ، لكن الحقيقة أن هناك شروطا و معايير و مواصفات لا بد من توافرها لكى تكون ضربة البداية ناجحة و موفقة و أنت كالحمل الوديع فى بداية الطريق و على أول درجات سلم النجومية .. سأقترح عليكم عشر نقاط لكى تكون مذيعا ناجحا..
1- الكاريزما
الكاريزما أصدقائى الأعزاء هى الجاذبية المقنعة أو السحر الذى يمكن أن يلهم الآخرين ، الكاريزما مصطلح يونانى مشتق من كلمة “نعمة” أى الهبة الآلهية التى تجعل المرء مفضلا عند الناس لجاذبيته ، علميا الكاريزما هى الصفة التى تنسب الى الأشخاص أو المؤسسات بسبب صلتهم المفترضة بالقوى الحيوية المؤثرة و القوى ذات التأثير و النفوذ الروحى ، و هى من أسلحة المذيع الناجح ، و أحيانا تسمى بالحضور أو الطلة أو الشخصية ، فيقال هكذا ” هذا المذيع لديه حضور أو عنده شخصية ، وكلها مرادفات لكلمة واحدة هى ” الكاريزما “.
2- الثقة بالنفس
هناك فارق كبير بين الغرور و التعالي و بين الثقة بالنفس ، هى شعرة معاوية التى لا بد أن يتمسك بها كل مذيع فى مقتبل حياته المهنية .. الثقة بالنفس فى الموسوعة العلمية هي غياب الشكوك أثناء إنجاز عمل أو مهمة ما ، يجب أن تدرك عزيزى القارىء أنك كلما تشككت فى نفسك كلما فقدت مصداقيتك أو تأثيرك على المشاهد أو المتلقى أو المستمع ، و هى بالمناسبة صفة من صفات القرن 21 و لكن بشرط ألا تتحول الى غرور و كبرياء مبالغ فيه.
3- الذكاء
لا بد للمذيع أن يكون ذكيا و فطنا .. الذكاء يتضمن القدرة على التحليل و التخطيط و رسم الاستنتاجات و الحكم على الأشياء بالعقل ، كما يشمل القدرة على التفكير و جمع و تنسيق هذه الأفكار ، و يتضمن حسب بعض العلماء القدرة على الإحساس و إبداء المشاعر و فهم مشاعر الآخرين ، و بعض الناس يربطون الذكاء بقوة الذاكرة عند الأشخاص ..
4- الموضوعية
أفضل كلمة الموضوعية عن كلمة الحيادية ، علما بأن مدرسة الحياد هى مدرسة الكثير من قدامى المذيعيين ، لكننى أفضل أن أكون موضوعيا ، واضحا .. و هناك فارق بين الوضوح و الإنحياز لطرف دون الآخر .. أفضل توضيح كفتى الميزان ، الرأى و الرأى الأخر ، ولا أحب صفة الفتور عند المذيع ، و كأن لا رأى له ولا تأثير لوجوده .. المذيع الموضوعى يجب أن يعبر عن وجهتى النظر و يقوم بتوضيح الأمر للمشاهد حتى ينير عقله و يفتح أمامه أبواب الإختيار ، و كل شيء بالحجة و البراهين .. علميا الموضوعية هي الواقعية و هى أقرب الأمور التى يصدقها العقل بعيدا عن المبالغة أو التقليل و هى من الصفات التى تعطى الهيبة للمذيع .
5- الثقافة
كل إناء ينضح بما فيه ، والمذيع المثقف عملة نادرة هذه الأيام ، فلا شك أن اللباقة فى الحديث و التلقائية و الثقافة الواسعة و طلاقة اللسان هى من أهم مقومات المذيع و مقدم البرامج الناجح ، و كون المادة التى يقدمها المذيع يفترض أن تكون مهمة و موجهة لشريحة كبيرة من المجتمع ، فلا بد أن يكون القائم على تقديم هذه المادة من ذوى الثقافة و العلم ، و يشترط أن يكون لديه منهج علمى فى التفكير و طريقة لسرد الموضوع فى تسلسل بسيط و جذاب للمتلقى ، فلا بد دوما من القراءة و الاضطلاع و متابعة كل ما هو جديد .
6- سرعة رد الفعل
تعرف أيضا بسرعة الاستجابة و أحيانا كثيرة يكون المذيع فى إختبار صعب أمام ضيوفه ، حينما يباغته الضيف بسؤال يستلزم الرد أو التعامل بحرفية و مهنية عالية ” و إن كان المذيع لا يسأل طبعااااا J)) ” هذه الأمور تعتبر من المواقف التى تكشف المذيع و خلفيته العلمية و الثقافية و تستلزم لباقة فى الحديث و قدرة على استيعاب الموقف و الخروج منه بأقل الخسائر ، خاصة إن كان المذيع لا يعرف حقيقة ما تم سؤاله عنه .. علميا يمكن تعريفها بأنها الفترة الزمنية بين ظهور الحدث المثير ( سمعى أو بصرى ) و لحظة الاستجابة له .. و الاستجابة إما بكلمات أو إيحاءات أو حركات تعبر عن ما يرغب المذيع فى قوله .
7- اللغة
تخيلوا معى رجل أو امرأة يمتلك كل ما سبق من صفات و لم ينعم الله عليه بصوت يستطيع به ايصال ما يرغب للمشاهد أو المستمع الكريم .. مثلا فى نشرات الأخبار نحتاج الى صوت رخيم قوى و لا بد أن يتم تنظيم النفس لكى تكون قراءة النص الإخبارى صحيحة ، و أحيانا تحتاج المذيعة الى صوتها الدافىء للتعبير عن حالة مذاجية معينة ، و هناك مدارس صوتية مختلفة ، لكنها جميعا تقر بأهمية الصوت الصحيح و مخارج الحروف السليمة و انتقاء الألفاظ و المفردات التى تجسد ما يرغب به من يطل علينا عبر أسير الإذاعة أو على شاشة التلفاز .. اللغة و الصوت يحتاجان الى تدريب على يد متخصصين أكفاء .
8- الاستماع
تعودت على ذلك .. أن أستمع الى من يتكلم أكثر مما أتحدث أمامه ، و هى من صفات الحكمة عند المذيع ،و هى من الأمور المحببة لدى المشاهد الذى يمل من كثرة مقاطعة المتحدثيين .. من تدربت على يديهم من رواد الإعلام فى الوطن العربي كانوا يقولون بوضوح أن المذيع لا بد أن يكون قناصا ، بمعنى أنه يعرف متى يتكلم و متى يقاطع الضيف و متى يجب عليه أن يصمت و يستمع ، و يقتنص الفرصة الملائمة لايصال المعلومة بأبسط صورها .. و لذلك فرأىي واضح فى كثير من برامج التوك شو التى تحولت الى مكلمة ، إما أن يكون رأيك مؤيد لما تسمع و يكون المذيع حينها محترف ، و إما أن يكون رأيك معارض و تقول وقتها ” المذيع ده راجل طيب ” .
9- إدارة الأزمات
و هى لا تحدث بين الدول أو كبرى المؤسسات فحسب ، فهناك كثير من استديوهات الهواء شهدت ملاحم و معارك و مشادات كلامية ، كانت تحتاج الى مهارة ادارة الأزمات و لكن هيهات .. فما نراه الأن يجعلنا نشعر أن المذيع لا وجود له و كأنه كان يرغب فى أن يشاهد لهيبا فى الاستديو و شرارة كلمات ضيوفه و هى تتطاير فى سماء مدينة الانتاج الاعلامى و تضرب سهاما فى قلوب المشاهدين ، و هناك أمثلة كثيرة و انتم تعلمون بها أكثر منى .
10- التوفيق
بالتأكيد هناك صفات كثيرة لم أتطرق اليها لكننى سأختتم كلمات مقالى بهذه الآية الكريمة من سورة ” هود” .. بسم الله الرحمن الرحيم ” و ما توفيقى إلا بالله ، عليه توكلت و إليه أنيب ” صدق الله العظيم .. فإن أراد الله لك التوفيق عزيزى القارىء فأعلم أن الباب مفتوح تجاه قلوب الجميع .
للتواصل مع الكاتب من هنـــا
نرشح لك
محمد عبدالله يكتب: يورو 2016 بين غضب الطبيعة و شبح الإرهاب
بالفيديو : أحمد الطيب يعود على هذه القناة
التفاصيل المتوقعة لنهاية مسلسل “الأسطورة”
القائمة الكاملة لنجوم مهرجان إعلام.أورج – رمضان 2016
شارك واختار .. من الممثلة الشابة الأكثر جاذبية في رمضان 2016؟ أضغط هنـــا