محمد الباز يكتب: هذا قرآنى... اعملوا لكتاب الله كما يريد لا كما تريدون (القرآن في مصر 30)

نقلاً عن البوابة

كتاب الله واحد، لكن لك منا قرآنه.

جرب وتحدث مع أى عابر سبيل، ستجد عنده قصة خاصة تربطه بالقرآن الكريم، فهو حاضر فى حياة الجميع، حتى هؤلاء الذين لا يهتمون به، ولا يجعلونه مكونا أساسيا أو حتى فرعيا من مكونات حياتهم.

كانت لى محاولات لحفظ القرآن، سبقت المرة التى أتممته فيها.

كانت سورة المططفين تحديدا تقف بينى وبين السير فى الحفظ إلى نهايته، وحتى الآن لا أعرف لذلك سببا مقنعا أو منطقيا، فآياتها سهلة وبسيطة، لكن المفاجأة أننى وجدت كثيرين لديهم عقدة سورة المططفين، وعندما بدأت حفظ القرآن من أوله وليس من آخره، كنت أتحسب اليوم الذى سيأتى فيه الدور على هذه السورة، لكنى حفظتها بسهولة، جعلتنى أتساءل من جديد عن سر الصعوبة التى كنا نجدها قى سنواتنا الأولى معها.

ليس صحيحا أن سور القرآن الكريم تحظى بنفس المحبة والمودة، فلدى كل منا سورة هى صاحبة الحظوة كلها، يميل إليها، ويحب قراءتها أكثر من السور الأخرى، عن نفسى أميل إلى سورة آل عمران أكثر من غيرها، حفظتها بلا أى عناء، ولا أملك لذلك أيضا أى سبب مقنع أو منطقى.

فالأريحية الشديدة التى وجدتها وأنا أتنقل بين آيات آل عمران، لم أجدها وأنا أعيش مع سورة البقرة التى تشغل وحدها جزأين ونصف من أجزاء القرآن الثلاثين، فهى سورة أتعامل معها كالمدينة الواسعة طرقاتها معروفة ومتشابهة، عماراتها متراصة الى جوار بعضها البعض، لا تسطيع أن تفرق بينها، لا تتوه فيها، لكنك بالجملة لا تستريح.

أما لماذا سورة آل عمران تحديدا؟ فتلك قصة لن أخفيها عليكم.

كانت قصة السيدة مريم –  السيدة الأولى فى العالم –  فى “آل عمران” أكثر جاذبية من قصتها فى السورة التى وردت باسمها.

لا أعرف سرا لذلك، ولم أبحث عن سببه حتى الآن، لكننى كنت أتعجل القراءة والمراجعة حتى أصل إلى ” إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين، ذرية بعضها من بعض، والله سميع عليم”.

كانت هذه الآيات القصيرات تنقلنى إلى القصة الأكثر روعة بالنسبة لى، تفوق فى روعتها قصة يوسف عليه السلام التى وردت فى سورته، فرغم كل ما يقال عن قصة النبى الذى حاز شطر الحسن، إلا أن أحداثها بالنسبة لى كانت باردة جدا، لا روح فيها، ورغم أن مقرئى السرادقات وعلى رأسهم الشيخ سيد سعيد منحوا سورة يوسف من روحهم الكثير، إلا أنها ظلت عندى فى مكانها لا تبرحه أبدا.

أما القصة التى أقصدها، فهى التى تنقلها هذه الآيات الرائعات ” إذ قالت إمراة عمران رب إنى نذرت لك ما فى بطنى محررا، فتقبل منى إنك أنت السميع العليم، فلما وضعتها قالت إنى وضعتها أنثى، والله اعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى، وإنى سميتها مريم، وإنى أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم”.

كنت أتوقف قليلا عند هذه الآية” فتقبلها ربها بقبول حسن، وأنبتها نباتا حسنا، وكفلها زكريا، كلما دخل عليها زكريا المحراب، وجد عندها رزقا، قال يا مريم أنى لك هذا؟ قالت هو من عند الله، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب”.

وكأنى كنت حاضرا معهما، أقف على باب الحجرة الصغيرة التى تقيم فيها الفتاة التى تقبلها ربها، ورضى بها. مريم الصغيرة التى كفلها زكريا، يدخل عليها النبى الطيب، فيجد عندها رزقا، لم يحضره لها، ولا يعرف من أن جاءت هى به، ورغم معرفته بها، فهى لا يمكن أن تقترب من الحرام، لكنه سألها، قال لها: أنى لك هذا؟.

إنه بالضبط كما وصلك المعنى قانون من أين لك هذا؟

فإذا رأيت أحدا من أولادك معه مالا لم يأخذه منك، ولا تعرف مصدره على وجه التحديد، ومع إحترامى الشديد لتربيتك له، وثقتك فى أخلاقه، لكن لابد أن تسأله : من أين جئت بهذا المال؟ السؤال مهما حتى لو كان عابرا، فالحياة تضيع من بين أيدينا لأننا لا نسأل.

لم يكن إعجابى بالسورة لأننى وضعت يدى على هذا القانون الإنسانى فيها، ولكنها كانت مثل الواحة التى تريحنى كلما قرأتها، وتحديدا كلما عادت بى إلى مريم وزكريا والمسيح عليهم السلام، فقد غلبتهم الحياة وغلبوها، انتصروا عليها وقهرتهم، لكنهم خرجوا من التجربة وهم رمز ومثل.

****

وعلى عكس ما كان يذهب المشايخ من أن سورة الرحمن هى ” عروس القرآن” فإننى لم أعتبرها كذلك.

كان تكرار ” فبأى آلاء ربكما تكذبا” مرهقا جدا، ورغم أن الغاية الإلهية كانت تسعى وراء التأكيد على نعمها على الناس، إلا أن التكرار وقف حائلا وسدا منيعا بينى وبين تأمل هذه النعم التى وضعها الله فى هذه السورة.

وحتى عندما قرأت بعد ذلك، أن لكل ” بأى آلاء ربكما تكذبان” معنى مختلف تماما، الا أننى لم استشعر ذلك، وظل التكرار حائلا بينى وبين سورة الرحمن.

كنت أحب سورة “طه”.

كنا فى المدرسة الإعدادية، وكان أحد الزملاء يتناوب معى قراءة القرآن فى الإذاعة المدرسية، كنا نسميه ” قرآن الصبح”، خرج زميلى ممسكا مصحفه، وبدأ يقرأ من أول سورة طه، لكنه قرأ بطريقة غريبة.

قرأ طه ثم سكت.

وقرأ ” ما أنزلنا عليك القرآن” وسكت.

ثم قرأ ” لتشقى” بمفردها وسكت.

فى نفس المدرسة كان يعمل سكرتير عبقرى اسمه الاستاذ موسى، كان خطيبا مفوها، حافظا للقرآن، لكن يبدو أنه لم يكمل تعليمه الأزهرى حتى نهايته، رأيناه خارجا من حجرته صارخا، يقول حرام عليك يا شيخ، بهدلت الدنيا.

أمسك بالميكروفون ليقول ما لديه.

فعندما قرأ زميلنا ” ما أنزلنا عليك القرآن” وسكت، فكأنه ينفى بذلك أن يكون القرآن نزل على النبى محمد من الأساس، وعندما قرأ ” لتشقى” وكأنه يقول أن القرآن ما نزل على النبى محمد صلى الله عليه وسلم الا ليشقى.

لم يقصد زميلنا شيئا من ذلك على الإطلاق، لكنها كانت قراءة خاطئة منه فى الوقفات.

لم تنافس سورة ” آل عمران” فى حبى وتوددى اليها الا سورة الكهف، عشت طويلا مع رحلة الخضر عليه السلام وموسى النبى الذى وجد أنه ورغم اتصاله بالسماء الا إن هناك على الأرض من هو أغنى منه.

قابلت ذا القرنين الذى طاف الدنيا ويقولون أنه هو الإسكندر الأكبر.

استمعت الى أنين يأجوج ومأجوج، وأكملت الحكاية من كتب التراث الصفراء، فقد بنى ذو القرنين سدا حديديا منيعا، حتى يمنع يأجوج ومأجوج من الفساد فى الأرض، وأنهم يظلون طوال الليل يلبسون الحديد بأيديهم، وعندما تشرق الشمس يعرب السد الى ما كان عليه.

وقبل أن تقطع الطريق على، وتقول أن القرآن فى النهاية ليس كتاب قصص وحواديت، حتى تتعامل معه على أنه مصدر للمتعة بسبب ما فيه من حكايات، سأقول لك: لم يشغلنى الأمر بهذه الطريقة على الاطلاق، فقد كانت قصص القرآن بالنسبة لى موضعا لأسئلة لم أعثر على إجابات لها، وأعتقد أن أحدا لم يقدم إجابات عليها على كثرة التفاسير.

فلماذا لم تكن هناك سورة فى القرآن باسم النبى موسى عليه السلام، رغم أن قصته وردت فى عشرات السور، بل ان اسم النبى موسى هو الأكثر ورودا فى القرآن على الاطلاق؟

ولماذا جاءت سورة نوح عليه السلام وهو أطول الأنبياء عمرا أقصر كثيراً من سورة يوسف عليه السلام، وهو الأقل منه عمرا بكثير؟

ولماذا لم يحظ آدم عليه السلام بسورة من القرآن رغم أهميته فى تاريخ البشرية وتاريخ الأديان أيضا؟

ولماذا كانت السيدة مريم هى السيدة الوحيدة التى وضع اسمها على سورة، رغم أن هناك أخريات لهن دور فى تاريخ البشرية يقترب مما فعلته السيدة العذراء؟

ولماذا ورغم أن هناك سورة تحمل اسم النبى محمد فى القرآن، إلا أن كتاب الله الأعظم لم يحتفى بحياة النبى محمد، وحتى عندما جاء على ذكر بعض ما حدث له، جعل ذلك مبهما تماما؟

قد تقول ولماذا ترهق ذهنك من الأساس؟ لماذا لا تأخذ القرآن على أساس أنه كلمة الله؟

يمكنك أن تأخذ ما تريد من تفسيرات وضعها سابقون عليك، وإذا لم يعجبك شئ من هذه التفسيرات، فليس عليك الا أن تقول أن لله حكمة فيما قاله، ومؤكد أن هناك من سيآتى ليفض المعنى الغامض.

لقد قرأت فى معظم كتب التفسير مثلا فيما يخص الحروف المقطعة فى القرآن مثل ” ألم، ألمص، ألمر، طس، طسم، كهيعص” أن الله علم بمراده منها.

هكذا دون أن يتعب أحد نفسها فى تفسيرها أو معرفة دلالتها، وظل الأمر كذلك حتى قرأت اجتهاد الشيخ الشعراوى فيها.

ذهب الشيخ الشعراوى إلى أن هذه الحروف المقطعة دليل على أن هذا القرآن نزل من عند الله.

وفى تفصيل ذلك يقول، أن المتعلم وحده هو الذي يعرف أسماء الحروف فيقول ألف ولام وميم، أما غير المتعلم فينطق مسمى الحروف، لأنه لم يتعلمها فى قاعة علم، ولما كان النبى محمد أميا لم يتعلم القراءة والكتابة، ولما كانت الحروف المقطعة فى بدايات بعض السور، تقرأ بأسمائها وليس مسمياتها، فهذا دليل قاطع على أن النبى محمد كان ناقلا فقط لكلمات الله، وإنه لم يضع فيها ولو كلمة واحدة من عنده.

صحيح أن هناك من يذهب إلى أن النبى محمد لم يكن أميا بمعنى أنه لا يجيد القراءة والكتابة، ولكن بمعنى أنه رسول أممى أرسله الله إلى أمة، لكن يظل اجتهاد الشيخ الشعراوى مشكورا، وربما يأتى من بعده من يقول كلاما مغايرا لما قاله.

****

الحياة مع القرآن ليست كلها عبادة، عملية الحفظ نفسها ليست أكثر من عملية علمية، يستغل الإنسان فيها كل مواهبه، التى قد لا يكون لها أدنى علاقة بالطاعة أو التقوى، وليس شرطا أن يمنعك حفظك للقرآن من الزلل، فكثيرون من الحفظة لا يقيمون للقرآن قدره، ولا يعملون له حسابا، ولذلك فلا أحد يمثل حجة على القرآن، بل هو الذى يمثل حجة على الجميع.

****

لقد قرأت تقريبا كل ما كتب عن القرآن فى مصر، وأنا أعمل على هذه السلسلة، التى منحتها اسم ” القرآن فى مصر” وأنا على قناعة أن القرآن عندنا مختلف تماما عنه فى كل بلاد الدنيا.

توقفت أمام حقيقة أعتقد إن كثيرين لن يوافقوا عليها، وهى أن الجميع يعملون للقرآن بما يريدونه هم، لا بما يريده ولا بما يحدده، ولذلك يظل القرآن ضنينا بما لديه، لا يفصح عن أسراره كلها.

لا أشكك على الاطلاق فى نوايا كل من عملوا للقرآن، لكنى فى انتظار من يعمل لكتاب الله كما يريد القرآن، وقتها سنجد فتحا جديدا ومطلقا، فالكتاب معجز وخالد، حفظه الله وليس علينا نحن الا أن نحفظه، فربما يحفظنا.

نرشح لك

محمد الباز يكتب: القرآنيون… شعب الله المنبوذ (القرآن في مصر 29)

بالفيديو : أحمد الطيب يعود على هذه القناة

القائمة الكاملة لنجوم مهرجان إعلام.أورج – رمضان 2016

شارك واختار .. من الممثلة الشابة الأكثر جاذبية في رمضان 2016؟ أضغط هنـــا

بنر الابلكيشن