إبراهيم عيسى يكتب : عتريس الطاغية السينمائى!

نقلاً عن جريدة المقال

لو كان كل الطغاة فى الحياة العربية مثل عتريس لكانت الحياة أجمل كثيرًا مما نعتقد، وعتريس هو أشهر طغاة السينما العربية، إنه بطل فيلم «شىء من الخوف» الذى عاث فى الأرض فسادًا ساعتَين إلا ربعًا كرهه فيها الناس وفرحوا وشمتوا به قطعًا حين رأوا أبناء وطنه (قريته الدهاشنة) يثورون عليه ويحرقونه بالنار تحت شعار يرجّ الفيلم رجًّا (جواز عتريس من فؤادة باطل)، وقد غفر شعب الدهاشنة لعتريس القتل وسفك الدماء والفساد والسرقة ونهب الثروات، ولم يغفروا له «جوازة»!!

لكن الطاغية عتريس كان من وجهة نظرى طوال الأحداث ضعيفًا هشًّا، ورغم كل ما بذله حسين كمال مخرج الفيلم وعبد الرحمن الأبنودى وبليغ حمدى من مجازر موسيقية ومذابح غنائية، فإن الرجل لا يمثِّل عشرة فى المئة من الطغيان الحق الذى نراه فى واقعنا العربى.

فبالله عليك، هل هناك طاغية (إلا إذا كان طاغية عِرَّة خائبًا يتنصل منه زملاؤه الطغاة) لا يستطيع أن يلمس امرأة يحبّها ويعشقها ويهيم بها حبًّا لمجرد أنها قالت له (أنا رفضت أن أتزوجك ولا أريدك ولن تنالنى بخاطرى)؟

يا سلام، مَن هو ذلك الطاغية الرقيق القلب حتى الهشاشة الذى لا يريد امرأة إلا برغبتها وحبّها (هناك شك أن عتريس كان عنينًا) فلا يوجد طاغية أبدًا تهز شعرةً من رأسه مشاعرُ حريمه (الرجال العرب العاديون لا يهزهم هذا أساسًا فما بالك بالطغاة)، بل عتريس الطاغية فى فيلم «شىء من الخوف» تسبل عيونه وترتعش ساقاه حين تزغر له شادية إذا فكَّر أن يقبِّلها وهى رقَّة ورفعة نفس وشفافية روح من المستحيل أن تتوفَّر فى قاتل وسفاح إلا إذا كان طاغيةً سينمائيًّا يتحرَّك بأمر المؤلف وليس بمقتضى الواقع الحقيقى!!

وإذا تأمَّلنا تاريخ الطغيان العربى السياسى، فمن المعجزة أن تحصل على طاغية عمولة كما نراه فى «شىء من الخوف» فمَن هو الطاغية الذى يعكِّر صفو حياته مجرد شيخ صمت زمنًا أمام طغيانه وجرائمه ثم أخذ يردِّد أن زواج عتريس من فؤادة باطل، وإيه يعنى!

لو كان عتريس (محمود مرسى العملاق) طاغية حقيقيًّا لا طاغية سينمائيًّا، لقال ببساطة إيه يعنى باطل.. باطل، يا سلام! وهل كل ما يفعله حلال وجاءت على الزيجة لتصبح يا حرام باطلاً! ثم هذا الشيخ المعارض البليغ الذى عاش عمره تحت حكم وطغيان عتريس، لكنه لم يتمرد أو يرفض أو يلقى الخطب والمقالات ضد سياسة عتريس التى تقتل وتنهب وتسفك وتذل وعاش رأسه فى الطين مثل غيره ولم يفق يا إخواتى عليه إلا على حكاية الجوازة كأن كل الطغيان السابق شرعى وحلال، كأن ما يمس قوت وروح وكرامة المواطن ليس حرامًا! لكن عتريس كان طاغية سينمائيًّا تهزه مثل هذه الخطب التى يلقيها خطيب أو يرددها مواطنون على مصاطب!

فتوجس وتربص واهتز وابتز فى قريته الدهاشنة، كما تراه طاغية بلا حبيب أو صاحب أو حليف واحد فى البلد وهذا ينم تمامًا عن أنه طاغية جاهل بالطغيان ويستحق أن يكون طاغية سينمائيًّا فقط، فالطاغية كما نراه ونعرفه فى أوطاننا يحرص على كسب الأصدقاء والحلفاء.

فمثلاً كان على عتريس أن يدفع أموالاً يشارك بها تجار القرية قروضًا على البحرى، حتى يكسب ودّهم ومصلحتهم، وكانوا ساعتها يعلقون صوره فى المحلات والدكاكين يدافعون عنه ضد الفقراء التافهين، وكان يمكن أن يغرق عتريس شيخَين أو ثلاثة من أساتذة القرية وشيوخها بالمال أو الهدايا أو الحماية أو المناصب، حتى يهتفوا بحياته فى المدارس ويلهجوا بالدعاء له فى المساجد.

ولو كان يفهم فى الطغيان حقًّا لمنح عمالاً زراعيين أجورًا عالية فى مقابل حرث حقوله، حتى يشكروا نعمته ويسكتوا عن طغيانه، بل ويدعوا الله أن يزيدهم طغيانًا من خيره قادر يا كريم.

ولو كان طاغية حقًّا لاتفق مع زعماء البندر المجاور على معاهدة صداقة أو تحالف مشترك أو ترك لهم كذا قاعدة فى حدود البلد يضعون فيها جنود المركز وعساكره ووفَّر لهم من قوت الغلابة المال والطعام، فيضمن لو ارتفعت ضده المشاعل أن يجرى أصدقاؤه وحلفاؤه لحمايته والدفاع عن عرشه وحكمه!!

لكن الطاغية السينمائى يتبرَّأ منه الطغاة حقًّا، وإذا كان المؤلفون (ثروت أباظة ومحفوظ عبد الرحمن وعبد الرحمن الأبنودى) حرصوا على تقديم قلب عتريس الرهيف من أول الأحداث حيث لا يستجيب إلى جدِّه الطاغية الكبير حين يأمره بقتل حمامة، ويبكى ألمًا وفراقًا على ذبحها، لم يقولوا لنا ماذا يفعل قلب عتريس الرهيف حين كان يذبح أمامه عجل أو بقرة، وهل معنى ذلك أن كل رفاق عتريس فى القرية الذين كانوا يصطادون عصافير بالنبل والحجر ويكسرون رقبة الحمامة بأيديهم صاروا طغاة وقتلة؟ طبعًا لا!! إن هذا يشبه تمامًا محاولة إظهار الطاغية شخصًا طيبًا وطاهرًا فى داخله وطفولته، وأن المشكلة فقط فى المحيطين به والملتفين حوله!

لا علاقة للحمام ولا للحمامة بالطغيان والاستعداد له، الطغيان ظروف موضوعية وذاتية، شخص الحاكم زائد كوب شعب نائم مع ملعقتَين من المثقفين الجبناء والتافهين فى ميكرويف خوف وكراهية تنتهى هذه المقادير بطاغية مثل عتريس وشعبه التعيس!

أما أنه كان يحب فؤادة، فمن الصعب طبعًا أن لا يحب أحد شادية إذا وجدها مصادفة، فماذا لو كانت بطلة أمامه؟! لكن الحب لم يكن أبدًا دليلاً على طيبة الولد أو رهافة الرجال، بل إن طغاة العالم كلهم كانت لهم معشوقات وعشيقات هاموا حبًّا وغرامًا بهن ولم يهز هذا حجرًا فى طيغانهم، فمن هو المجنون الذى أوهم المشاهدين فى مشارق الأرض ومغاربها أن الحب نقيض الطغيان؟!

إن صور الطغاة يداعبون الأطفال أو مع أحفادهم أو تلاميذ المدارس لا تنجح فى إقناع أحد بحب الطاغية أو التعاطف معه، وأغلب الظن أن عتريس لو كان أقنع فؤادة بأنها ستكون جلالة الملكة أو سيدة القصر لكانت قد اقتنعت وأراحت واستراحت!

عمومًا، يتمنى الجميع فى كل قرية أن تخرج فؤادة لتفتح الهويس بينما نتفرج نحن الشعب عليها دون أن نفكِّر أن فؤادة تظهر فى الأفلام فقط.

الغريب أن يجلس شعب الدهاشنة فى انتظار فؤادة، ويجلس الشيخ المثقف إبراهيم فى انتظار زواج عتريس الباطل، دون أن يفعلوا شيئًا أو يحسوا على دمهم.

طيب، افرض مثلاً يعنى أن فؤادة أيام قفل الهويس كان عندها دور برد ونزلة شعبية حادة أو أن عتريس لم يفكِّر فى الزواج من فؤادة وربنا أكرمه بناهد شريف.. كان الفيلم استمر حتى الآن؟

نرشح لك

تعرف على هوية المصور ضحية حسام حسن

ننشر إيرادات أفلام ثاني أيام العيد

نهايات مسلسلات رمضان ٢٠١٦

شارك واختر .. ناوي تدخل فيلم ايه في العيد؟ اضغط هنـــا

بنر الابلكيشن