اعرف انى ادخل بهذا المقال منطقة شائكة وربما حقل الغام، لكن احياناً تكون الكتابة هى مهنة البحث عن المتاعب لان ارضاء الجميع غاية لا تدرك، وقبل كل شئ اعترف بانى من محبى كوميديا “عادل امام” واعتبره واحد من المضحكين الكبار بالنسبة لى بعد العملاق الراحل “نجيب الريحانى”، وفى درجة مشابهة للمتألق “سمير غانم” وقبل درجات بسيطة من العبقرى الراحل “وحيد سيف”، ولكن لا يمكن ان يمنعنى حبى لكوميديا “عادل امام” من ان اختلف احياناً مع اسلوبه او اعترض على بعض اتجاهاته الفنية، ومن اكثر الملاحظات التى يمكن ان يدركها اى متابع لمجمل اعمال الزعيم هى اصراره على الدفع المباشر بشخصية المسلم المتزمت دينياً او المتطرف او الارهابى فى الغالبية العظمى من اعماله.
وقبل كل شئ يجب ان نوضح بعض الحقائق الدرامية منها ان شخصية المتزمت دينياً (اياً كان دين هذا المتزمت) هى من الشخصيات المثيرة للضحك لدى قطاعات عديدة من المشاهدين، بل يمكن ان نطلق عليها انها احدى ماكينات صناعة الضحك، لان الناس فى معظم الاماكن والاوقات يميلون الى الاعتدال ولذلك يعتبرون المتزمت او المتطرف شخصية غير طبيعية ومختلفة عنهم، ويتجسد رفضهم له ولتصرفاته فى السخرية والتهكم عليه، ومن تلك الحقائق كذلك ان الافورة هى تكنيك كوميدى مضمون النتيجة منذ بداية صناعة الكوميديا، لان الشخص الطبيعى ربما لا يثير ضحكاتنا بينما يفجر الضحكات الشخص المبالغ فيه ولذلك يرى البعض انه لا كوميديا بدون افورة، وحتى لو افترضنا ان الشخص المتزمت دينياً هو شخص مثير للضحك بطبيعته فان المبالغة فى رسم شخصيته وتصرفاته هى من قبيل رفع معدلات الضحك، وبالتالى قد يكون مقبولاً حينما تقدم شخصية المتزمت ان تبالغ فى رسم اسلوبه وطريقة كلامه بل وشكله ونبرة صوته فكل هذا يمكن ان يصب فى مصلحة الكوميديا الاجمالية.
وهو بالتأكيد الهدف الذى يسعى له اى كوميديان خصوصاً الزعيم، سواء بفرضه ذلك النمط من الشخصيات المثيرة للضحك فى اعماله او حتى لو جامله مؤلفوا اعماله بحشر شخصية يعلمون مسبقاً انه تستهوى الزعيم وتثير اعجابه، كل ما سبق قد يبدو منطقياً مع مضحك كبير استمر على عرش الكوميديا فى العالم العربى منذ السبعينات، ولذلك يتعقب اى مشهيات كوميدية كى يضمها لاعماله خاصة فى زمن اصبحت صناعة الضحك من اصعب واخطر الصناعات لان الناس تعانى فى كل المجالات فلا وقت للضحك.
لكن تكمن المشكلة الاولى مع شخصية المتزمت فى اعمال الزعيم انها موجودة دائماً وحاضرة بقوة حتى ولو لم يكن لحضورها اهمية او ضرورة، بل الاخطر ان حضور تلك الشخصيات فى كل اعمال الزعيم هو حضور فى منتهى السلبية، فلم يقدم ابداً”امام” فى اى عمل فنى تلك الشخصية بشكل ايجابى بل هى دائماً سبب المشاكل ومؤذية لكل من حولها.
وبنظرة خاطفة على بعض اعمال الزعيم تجد دليلاً واضحاً على كل ما سبق، ففى اخر اعمال الزعيم “مأمون وشركاه” حضرت شخصية “معتز” زوج ابنته بشكله المبالغ فيه وصوته المنفر وكان دائماً سبباً للمشاكل، حتى انتهى به الحال لمحاولة تفجير البيت بالجميع بمن فيهم زوجته واولاده وفى النهاية تم القبض عليه بعد محاولته الهرب.
وفى مسلسل “فرقة ناجى عطا الله” حضرت شخصية الشيخ “حسن” والذى ادى بدوره الفنان “محمود البزاوى” والذى يحاول دائما ايجاد تبرير دينى لكل افعاله ومنها سرقة البنك الاسرائيلى باعتبارها غنيمة، اما فى افلام “عادل امام” فحدث ولا حرج، فى فيلم “طيور الظلام” تجد المحامى المتأسلم “على الزناتى” الذى ادى دوره “رياض الخولى” والذى يلعب بالبيضة والحجر من اجل الوصول لاهدافه السياسية مستغلاً مظهره المتدين، بحيث يكون بديلاً مباشراً للبطل الفاسد “فتحى” بغرض التأكيد على ثنائية الفساد الدينى والسياسى.
وفى فيلم “الارهاب والكباب” قدم “احمد عقل” شخصية الموظف ذو اللحية المهمل والمتراخى والذى يتحجج بالصلاة للتهرب من تأدية عمله، وفى مشهد اخر تجده يستمر فى الاكل فى وقت الصلاة باعتبار ان الكباب اهم لديه من الصلاة !! وكذلك فى فيلم “مرجان احمد مرجان” قدم “احمد السعدنى” شخصية الشاب المتدين الذى يتاجر بالشعارات الدينية ولكنه ينهار مع اول اغراء من “مرجان” ويتحول لشخص اخر بعد الفلوس.
وبعد تلك اللمحة الخاطفة لعلاقة شخصية المتزمت باعمال الزعيم ننتقل الى المشكلة الثانية، وقبل ان نعرضها نقر بحق الزعيم وكتاب اعماله ان يختاروا ما يريدون من انماط ويضمونها لاعمالهم، لكن من غير المنطقى ان يقدموا فقط شخصية المسلم المتزمت الفظ ذو اللحية ولا يقدموا فى ذات الوقت شخصية المسلم المعتدل المستنير والذى لا يسبب المشاكل لكل المحيطين به.
بل الاسوء على الاطلاق فى مسيرة” امام” كانت تلك الثلاثية التى قدمها فى فيلم “الارهابى” فالاول مسلم متزمت ارهابى منغلق الفكر وحاقد على المجتمع، بينما الثانى هو شاب روش (زيادة عن اللزوم) وهو ابن الطبيب الشهير والاسرة الارستقراطية والذى ادى دوره “ابراهيم يسرى” ويشرب الخمر ويحمل افكاراً ماركسية ويصاحب البنات بتلقائية ولا يغار على شقيقاته، وكأن بديل المتزمت هو الشخص المنحل !! حتى البيت نفسه الذى تم اختياره لاعادة تربية وتهذيب المتطرف لم يكن صورة للبيوت المصرية التقليدية، خلافاً للاسرة المصرية التى قدمها “احسان عبد القدوس” فى فيلم “فى بيتنا رجل” فهى اسرة مصرية عادية موجودة فى معظم البيوت اما اسرة الطبيب الكبير قى “الارهابى” فهى اسرة استثنائية ولا تعبر عن عموم المجتمع المصرى، واكتمل المثلث بتقديم شخصية ملتزمة بل ومحافظة على علاقتها الاجتماعية وعباداتها من صلاة وصوم ولكنها كانت شخصية المسيحى “هانى”، اى ان الفيلم لم يقدم نموذجاً واحداً ايجابياً لمسلم يحافظ على علاقته بالله وكذلك علاقته بالناس، وتلك اكبر مشاكل الزعيم انه يقدم الشخص المتطرف ولا يقدم النموذج البديل الذى يمكن ان نحتذى به، ولذلك نهمس فى اذن “عادل امام” ان يراجع نفسه فى اختياراته لان الناس تتابع اعماله بشغف واى افكار سلبية يقدمها يمكن ان تتسرب بقوة من خلال اعماله، وكذلك يمكن من خلال ادواره تدعيم الافكار الايجابية التى نرجو انتشارها فى المجتمع …
وليد رشاد يكتب: جمعية أصدقاء العرقسوس
نرشح لك
حكاية المتهم البريء في تفجير الحرم النبوي
القائمة الكاملة لنجوم مهرجان إعلام.أورج – رمضان 2016
شارك واختر .. ناوي تدخل فيلم ايه في العيد؟ اضغط هنـــا