عالية قاسم (نقلا عن مجلة 7 أيام)
رفض المخرج هانى خليفة بشكل قاطع أن يكشف لي عن نهاية مسلسله الجديد (فوق مستوى الشبهات) قبل انتهائه بأيام قليلة حتى لم يكشف لي عن أحداث الحلقة الجديدة التي كانت ستذاع في نفس ليلة لقائنا وإن كان يفصلنا عنها أقل من ساعة، وبعد ساعتين اقتنعت بوجهة نظر خليفة الذي لم يرد أن يفسد على أحد من متابعي المسلسل متعة مشاهدة أحداث مسلسله الذي كان فوق مستوى التوقعات.
يترك هاني خليفة في أعماله القليلة كمًا الرائعة كيفًا بصمته الرومانسية سواء في سهر الليالي أو سكر مر، حتى مع مسلسله الجديد البعيد نسبيًا عن طابع الرومانسية وإن كان فيه أيضًا تتشابك علاقات الأزواج، ولكن المسيطر بشكل أكبر مشاكل اجتماعية وأزمات نفسية يخيم عليها حدث كبير وهو وقوع جريمة قتل، فيتحدث خليفة عن طابع المسلسل فيقول: لم يكن في حسابنا طابع واضح للمسلسل فهو لا يشبه شيئًا فلم نضع في الحسبان أن يشبه نمطًا معينًا من الأعمال، فكان تصوري الخط النفسي والاجتماعي للأزواج المحيطين برحمة (الشخصية الرئيسية التي لعبتها الفنانة يسرا) مع الجريمة وهذا ما جعل المسلسل مختلفًا، وهذا مجهود فريق الكتابة فكان هناك تعب كبير، ومن خلال عمل الفريق يوجد نقد وتحليل مما يخرج شيئًا مميزًا.
ويضيف خليفة: وكان رأى الدكتور مدحت العدل أنه عندما ترتكب يسرا الجريمة في أول حلقة بدلاً من الرابعة كما كان مخططًا له، وبالتالي نكشف للمشاهد كل شىء من البداية وفي نفس الوقت نثير فضول المشاهد لمعرفة من هذه الشخصية ولماذا تفكر بهذه الطريقة وماذا تفعل وماذا سيحدث لها وهذا مختلف عن لغز البحث عن القاتل.
ولكن اللغز في فوق مستوى الشبهات يكمن في انسيابية السرد وكيف أن نهاية كل حلقة تثير فضول المشاهد لمشاهدة حلقة اليوم التالي، وأنه منذ بداية المسلسل هناك مؤشر درامي يتصاعد مع كل حلقة مثل مؤشر البورصة وهو يتجه في اتجاه متصاعد، فيعلق خليفة: كان هناك توفيق كبير في السيناريو الذي مر برحلة طويلة جدًا بداية من الفكرة، ووجود دكتور مدحت العدل كمشرف على السيناريو في مراحله المختلفة مع كتابة عبدالله حسن وأمين جمال اللذين كتبا القصة ومحمد رجاء الذى كتب السيناريو والمشاهد والحوار وما وراء هذه الشخصيات وإحساسها، وإحساسي بكل هذا فكنت أحاول أن أنفذ العمل على الجريمة ولكني أردت أن أخنقها قليلاً وكنت أحاول أن آخذ من الجريمة فى السرد الشىء الجذاب الذى يجعلك تريدين أن تعرفى ماذا سيحدث بعد وكيف سيتم القبض عليها، وفى نفس الوقت كانت يدى على الحالة النفسية التى فيها رحمة، ويستطرد: أنا كنت أتوقع قبل التصوير أننا نحكى الأيام الأخيرة فى حياة رحمة كيف هذه السيدة عاشت حياتها بكل الاضطرابات النفسية التى عاشتها حتى وصلت إلى نقطة جريمة قتل الدكتور، والتورط بارتكاب هذا النوع من الجرائم يسحب قدم الشخص نحو المزيد، وهذا نوع من الجرائم يغرى الشخص بارتكاب أشياء أكثر، فلو مثلاً لم تقتل الدكتور كان يمكن أن تستمر فى حياتها تقوم بأنواع من الشرور البسيطة لمن حولها، ولكن بعد الجريمة كان هناك لديها إحساس بالانهيار وأن الدنيا تضيق عليها أكثر فأكثر وهى تحاول الخلاص والتغلب على الموقف لتدير دفة الأمور لصالحها.
استحوذت الفنانة يسرا على الشاشة وأيضًا على تفكير متابعى المسلسل الذين مع كل تصرف شرير من رحمة يشعرون بالامتعاض من سرعة بديهتها فى إلحاق الأذى بالآخرين واستغلالهم وإن كانت فى مواقف أخرى قد ينبع لديهم الشعور بأنه من الجائز لا يزال داخل رحمة شىء من الرحمة وإن كانت لم ترحم أحدًا فى المسلسل، وفى حوار سابق لى مع خليفة قال إنه عندما يحب الشخصية عند قراءتها يستطيع أن يوصل هذا الإحساس للناس.. وعن شخصية رحمة يروى خليفة: أنا أحببت شخصية رحمة بداية من السمع عنها قبل قراءتها، وكان الأستاذ جمال العدل هو الذى رشحنى لهذا العمل وهو الذى فكر فى أن تظهر يسرا فى شخصية شريرة، وأنا أحببت الفكرة خاصة أنه طابع من الشر غير متوقع، وبدأت أفكر فى نوعية هذا الشر ويسرا كانت لديها قصة فى حياتها عن شخص شرير جدًا وإن كان لا يصل إلى درجة شخصية رحمة فى المسلسل.
ويضيف: الشر عامل جذاب فى الدراما لأننا جميعنا كبشر بداخلنا درجات متفاوتة من الخير والشر، فالفكرة كانت أن ندخل داخل رأس وروح هذه الشخصية، الشخصية الجذابة السيكوباتية التى يمكن أن توقع الأذى على أى شخص بأى درجة مثل سرقة أو قتل أو تورط أحد فى مشكلة وكانت فكرة الشخص السيكوباتى أن وراءه شيئًا وأنا كنت أشعر أنه من الممكن أن يخرج من هذه الشخصية شىء جذاب وأن يكون وراء كل هذه القسوة شخصية الإنسان الحقيقية لأننا بدرجات ما لدينا درجات من القسوة نريد أن نصبها على شخص آخر أو أن نكون تعرضنا لها من الآخر.
ويستطرد: رحمة لا ترى نفسها شريرة وأنا لا أراها شريرة، ولكن بالطبع هى شريرة لكن أنا أتعامل معها كما ترى نفسها، فهى ترى أنها وهى صغيرة كان لديها درجة من الرهافة ولكن العالم لم يسمح لها بها، ومن منطلق وجهة نظرها للدفاع عن نفسها أنها ستكون قاسية جدًا حتى لا يوجعها أحد، فأحيانًا نرى مجرمين فى منتهى الرقة ولكن لديهم جانب الدفاع عن النفس الذى يبررون قسوته من قسوة العالم المحيط بهم فتحولوا ليكونوا أقسى من العالم المحيط بهم، وهى شخصية أعتقد أن الونس الوحيد الذى وجدته كان فى كلبها (مايلى)، وأنه لن يؤذيها وليس خائنًا وكل ما تتصور أنها لن تجده لدى البشر.
فى مرة قال لى خليفة إنه لا يحبز أن يدخل مشروعًا دراميًا أو سينمائيًا لا يشبه الواقع أو لا يشبه ما يراه فى حياتنا فيعلق: فى فوق مستوى الشبهات كان يوجد عدة أمور بالنسبة لى كانت تقع فى خانة (أول مرة)، فمثلاً كان لدى لأول مرة ضباط وعساكر فى عملى وأنا ليس لدى الخبرات الكبيرة فى مشاهد الجو البوليسى والجريمة وهذا بالنسبة لى كان به تحدٍ، ولكننى قلت إننى سأحاول أعمله مثل إحساسى فى هذه المواقف على قدر ما أستطيع، ولكن ليس بالضرورة أن أكون عايشت أو أحسست كل ما جاء فى المسلسل، ولكن تخيلت ماذا لو هذه المواقف موجودة فكيف يكون رد فعل هذه الشخصيات تجاهها وكيف ستكون طريقتهم فى الحياة.
ويضحك قائلاً: فأكيد أنا لا أعيش فى كومبوند.
البساطة والطبيعية فى أداء الممثلين فى فوق مستوى الشبهات كانت أداة مهمة فى انجذاب المشاهدين إلى الشخصيات وتصديقهم فيعلق خليفة: أحب أن يظهر الممثل يشبه حياتنا مثلما نتحدث مع بعضنا ولحظات البريق تشبه تلك التى أراها فى حياتنا، وليست مأخوذة من التراث مثل شخص يصفع الآخر على وجهه، فبالنسبة لى هذا مشهد استهلك سينمائيًا لدرجة أننى لو شاهدت فى حياتنا اليومية شخصًا يصفع الآخر سأضحك ولذلك فأنا أحاول أن أبتعد عما شاهدته من تراث سينمائى، وأحاول أن أبحث عما يمكن أن يحدث فى تلك المواقف، ولكن من حياتنا اليومية وجزء آخر بخيالى فليس بالضرورى أن أكون عشت أو شاهدت هذه المواقف فى الحقيقة.
تلونت صورة مسلسل فوق مستوى الشبهات بطيف أزرق فيوضح خليفة: فكرنا فى الجو النفسى الذى نرى فيه الحكاية، وجربنا مع أحمد عبدالعزيز مدير تصوير العمل ومع يحيى علامart director أن نفكر فى الألوان، فشعرنا بأن الأزرق لون ملائم وهذا ليس من منطلق تفسير سيكولوجى معين، ولكن يوجد شىء من البرود فى الصورة وداخله جميع المشاكل حتى كل العائلات والأزواج فى المسلسل لديها مشاكل، فكل العلاقات التى نستعرضها فى المسلسل لديها مشاكل وحياتها ليست خالية من الذنب فلديهم شىء يعكر صفو حياتهم.
خاض خليفة بفوق مستوى الشبهات أولى جولاته داخل حلبة دراما رمضان، والذى أظهر خلالها براعة فى الأداء والأسلوب بقوة ناعمة جعلت فوق مستوى الشبهات بنهاية شهر رمضان الكريم يجد لنفسه مكانة بين أفضل الأعمال التى قدمت لهذا العام، وبسؤاله إذا كانت تلك الخطوة أبعدته عن السينما فيجاوب: على العكس أشعر بأننى داخل اللعبة الفنية بشكل أكثر ففكرة أن كل يوم يوجد امتحان، وكل يوم مشهد وإحساس تريدين الوصول إليه فى ضغط وقت أكبر، ويضيف: التجربة استفدت منها لأن طبيعة العمل مختلفة وبها فريق عمل مختلف، وهى تجربة العمل تحت ضغط الوقت وهو مختلف تمامًا عن السينما لأن المشروع تظهر ملامحه ويتكوّن ونحن نعمل عليه لأن السيناريو كان يكمل أثناء التصوير، فنحن كان لدينا الفكرة ونعرف تمامًا ما نريد أن نقدمه، ولكن فكرة تصوير المشهد بالتوازى مع علاقة تصورنا للشخصية لم يجعلنا بالضرورة أن نعرف من البداية كيف ستكون النهاية هذه الشخصية، فالورق لم يكن انتهى بشكل كامل والتجربة كنت أرى أن بها جزءًا فنيًا فى عملية خلق الحكاية على الهواء (الكتابة والتصوير فى الوقت ذاته) وترك مساحة للارتجال ومساحة أن الشخصية تتكون أمامنا، وكنا وقتها ندخل فى نقاشات بين المؤلفين والممثلين وكان ذلك يخلق حالة من الخطورة كانت مرعبة ولكنها حلوة.
تحدثت مع خليفة عن مسلسلات هذا الموسم وكيف أن غالبيتها كان متميزًا جدًا، ووجهت سؤالى الأخير له إذا ما شعر تجاه عمل معين بالمنافسة فكان رده: نحن لا ننافس الجريمة أو السيكولوجى أو غيره، فأفراح القبة لا يشبه جراند أوتيل ولا الأسطورة فتوجد أنواع واضحة، ويوجد مشاهد مختلف ومنافسة رمضان بها شىء مختلف عن السينما، ففى الماضى كان ما يضايقنى أن نجاح الفيديو ليس واضحًا مثل شباك الإيرادات فى السينما، ولكن الآن إحساسى الآن تغير لأن المسلسلات متابعة من الجمهور بشكل كبير، ولكن التصنيف من أول أو ثانٍ فهذا يستلزم تقارير وأوراقًا وحسابات أخرى.
نرشح لك
[ads1]
شاهد : هنا الزاهد مطربة في أغنية شهيرة
شارك واختر .. ناوي تدخل فيلم ايه في العيد؟ اضغط هنـــا