فيض من الذكرى ينسكب على الصفحة 95 من كتاب “آخر كلام” للإعلامي الأستاذ “يسري فوده”. كنت بممرات Ontv, رأيته بتلك الليلة الشهيرة في اتجاه الاستوديو تأهبًا لواحدة من أهم مُقدماته. يا إلهي!! هذا الكتاب يوثق ذكريات غالية.
وثيقة ثمينة .. كتاب “آخر كلام” حتى الأن هو الأقيم والأكثر توثيقًا لتقاطع خطوط الإعلام ورأس المال والسلطة بأعقاب ثورة يناير, هذا يعود بالأساس لثلاثة أسباب, أولًا: الكتاب كشف كواليس الباحة الخلفية المثيرة للعلاقة بين برنامج تليفزيوني مصري كان الأهم “من يناير 2011 لسبتمبر 2014” وهؤلاء الذين حكموا أو ما زالوا بالسُلطة, وجميعهم على قيد الحياة وبالتالي لا مساحة لبنات خيال الكاتب, ثانيًا: الملعب الرئيس للأحداث هو جدران Ontv لصاحبها رجل الأعمال الجدلي “نجيب ساويرس” وذلك قبل بيعها مؤخرًا, ثالثًا: من دَونّ التجربة هو الصحفي الاستقصائي الأشهر بالمنطقة العربية “يسري فوده” الغير محبوب من أي نظام مصري لإيمانه أن مهمة الإعلام هي “الإعلام” وليست تسهيل مهمة الحاكم وهو ما يتنافى مع عقيدة ما بعد يوليو 1952, كل هذا وغيره ارتقى بالكتاب لمصاف الوثائق الثمينة التي سيعود إليها من لم يولدوا بعد, حال بحثهم عن “ثورة يناير”.
كتاب للقواعد .. هذا الكتاب ليس مجرد تجربة شخصية لصاحبه, بل يحمل بين طيات حكاياته قواعد يحسن بأي إعلامي محترم اتباعها, أهمها قاعدة ( لابد من وجود شاهد ) وذلك حين يتعلق الأمر بلقاء يجمع إعلاميًا بصاحب سلطة قد تؤثر على نزاهة منتجه. الشيخة “موزا” قرينة أمير قطر السابق في 2002 طلبتْ لقاء يسري فوده بالقصر لتعرض عليه فكرة تحقيق استقصائي يمس أفرادًا بالأسرة الحاكمة لبرنامج “سري للغاية”, حرص الرجل على حضور المُعد العراقي “مُحمد ضياء”. وفي 2013 استقبل ببيته عقيد البحرية الأمريكية “كيفين بوجوكي” الذي عينته المحكمة العسكرية بجوانتانامو مُحاميًا لـ “رمزي بن الشيبة” مُنسق عمليات 11 سبتمبر, طلب الضابط من فوده شهادته أمام المحكمة هناك, هذا اللقاء شهده الصحفي “محمد الجارحي”. وقبل 30 يونيو بحوالي شهرين طلب فوده من المتحدث العسكري اصطحاب الإعلامي “ألبرت شفيق” عند لقائه وزير الدفاع آنذاك الفريق عبد الفتاح السيسي بمكتبه, واعتقادي أنه لولا وجود شاهد لما تمكن الكاتب من توثيق ما دار يومها. الشاهد قد يحمي الإعلامي من أي إغراء مُحتمل ويكون مرجعًا عند أي اختلاف ينشب حول روايات ما قيل بالغُرف المُغلقة.
طاقة أمل .. في ظل هؤلاء المطلوقين على ثورة يناير من كل جانب, وتحت هذا القصف المُنظم لثلاثة أعوام من أبواق إعلامية أقرب للمراحيض, لا تستهدف إلا قلب الحقائق ومسخ التاريخ, وسط كل هذا الجنون يخرج علينا كتاب يذكرنا بأحداث وتفاصيل سعيدة ومؤلمة ومجيدة, يؤكد أن عقارب الساعة لا تعود للوراء, يقول فوده نصًا في معرض حديثه عن الليلة التي أطاح فيها بـ “أحمد السباعي” رئيس مصلحة الطب الشرعي الذي زعم ابتلاع “خالد سعيد” للفافة بانجو: “سيستغرق الأمر بعض الوقت قبل أن نستطيع تنظيف هذا الوطن, فما ورثناه من فساد يمتد عقودًا طويلة إلى الوراء”, يمنحنا الأستاذ كما عودنا طاقة أمل, ليرسخ من جديد بكتابه حقيقة أنه صوت, لو أراد أحدهم لهذا الوطن السكوت.
انتهيت من الكتاب, وبقيت ذكريات حلقة 28 يناير بالصفحة 95 جزءًا في نفسي من أحداث جمعة الغضب, تلك الحلقة قال فيها الإعلامي يسري فوده بعُمق شديد: يا ويل أمةٍ صغيرُها كبير, وكبيرُها صغير! ويا ويل من لا يعرفون بعد هذا كله متى يرحلون!
نرشح لك
[ads1]
شريف سعيد يكتب: لهذا أشاهد “سمرقند”
هذا ما فعلته C.A.T في عامها الأول
ايهما أفضل فيلم “كابتن مصر” ام فيلم “جحيم في الهند” ؟ اضغط هنـــا