أنا واحد ممن يقدرون تفوق الإعلامي يسري فودة مهنيا.
هذه بداية لابد منها، قبل أن أطرح أسئلة كثيرة، عن مسئولية العمل الإعلامي وضرورة تمتعه برؤية مستقبلية لما يثيره من قضايا، سألتها لنفسي وأنا أشاهد حلقة من برنامج “آخر كلام”، أذيعت في 14 فبراير 2013، عما يسمى بـ”الجهاد في سوريا”، بعد مقتل الشاب الإخواني محمد محرز هناك. وأعتقد أن تأثير هذه الحلقة سيمتد سنوات.
في الحلقة قدم فودة للمشاهدين المصريين والعرب، واحدا من قيادات التيار الإسلامي المسئولين بشكل مباشر ورئيسي عن تجنيد الشباب المصري، وتسهيل سفره إلى سوريا للانضمام إلي جبهة النصرة، ومعظم هؤلاء الشباب انتقل فيما بعد إلى تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”. وهذا القيادي هو الشيخ مصطفى البدري، إمام مسجد التيسير بمدينة العبور، ومؤسس الدعوة السلفية بها، وعضو اللجنة الشرعية للمحكمة العليا في حلب، وهو الآن هارب إلي تركيا، ومحكوم عليه بالإعدام في قضية قطع طريق قليوب مع مرشد الإخوان.
كما استضاف شخصا “ملثما”، كنموذج للمصريين الذين سافروا للقتال في سوريا، وعرفه على أنه يدعى “أبوآدم”، وظهر يغطي وجهه ويعطي ظهره للكاميرا، مبررا ذلك بـ”خوفه من الأجهزة الأمنية”، وهو الآن أحد المقبوض عليهم في القضية رقم 309 لسنة 2013، حصر أمن دولة عليا، والمعروفة بقضية “العائدون من سوريا”، التى تحقق فيها نيابة أمن الدولة العليا.
وتحدث الاثنان مع فودة عن كيفية الذهاب إلى سوريا “للجهاد ضد القاتل الخائن عدو الله بشار الأسد”، وبدا أن الإعلامي يشترك معهما في الموقف ذاته.
شخصيا كنت واحدا ممن حركتهم هذه الحلقة للذهاب إلى سوريا، لإعداد تحقيق صحفي عن تجنيد المصريين للقتال في سوريا تحت لواء تنظيم القاعدة، بانضمامهم إلى جبهة النصرة، التي كانت أعلنت مبايعتها لأيمن الظواهري، واتصلت بالبدري وذهبت لمقابلته في مسجد التيسير واتفقت معه على مساعدتي في السفر إلى سوريا، بحجة رصد تفاصيل الرحلة الشاقة للمجاهدين من مصر إلى بلاد الشام، لكن المؤسسة التي كنت أعد التحقيق لصالحها رفضت سفري لأسباب تتعلق بضمان سلامتي الشخصية.
خرجت من مسجد التيسير بعد مقابلة الشيخ، وكلي يقين أنه “إرهابي” بامتياز، يخالف القانون ويعرف ذلك، ولما سألته عن مخالفة ما يرتكبون لحزمة المواد المعروفة بمواد الإرهاب، في قانون العقوبات، قال كلاما لا قيمة له، عن أن هذه القوانين التى وضعها نظام مبارك، وأنه على دولة الإخوان أن تغيرها. وقد عدت في التأصيل القانوني لهذه المخالفة، للمحامي الحقوقي طاهر أبوالنصر.
بعدها بأقل من شهرين، ظهر البدري أمام مقر جهاز الأمن الوطني بمدينة نصر، مع السلفي حسام أبوالبخاري، يحرضان شباب السلفيين على اقتحامه، ردا على ما وصفوه وقتها بعودة ضباط أمن الدولة لاستدعاء القيادات السلفية مرة أخرى.
إن كانت معلوماتي دقيقة – وهي في الغالب كذلك- وكان “أبوآدم” الذي ظهر مع فودة، هو نفسه “أبو آدم” المتهم في قضية “العائدون من سوريا”، فاعترافات الرجل في القضية تؤكد أن معظم من سافروا مثله إلى سوريا انضموا إلى تنظيم “داعش”.
إذا هنا يمكننا طرح السؤال الأهم، هل اشترك فودة – بدون قصد- في حشد الشباب المصريين للانضمام إلى تنظيم داعش؟. هل يحق للإعلامي المساهمة في إخفاء هوية شخص يخالف القانون عن الأجهزة الأمنية؟، ألم يكن يعلم الأستاذ يسري أن أبوآدم يخالف القانون المصري؟ ولماذا وافق على ظهوره متخفيا وبرر ذلك بخوفه من الأجهزة الأمنية؟.
ربما تقول لي أنه لا يصح للإعلامي أن “يُسلم” مصادره للأمن، وأقول لك لا يصح له أن يساهم في تهرب شخص مخالف للقانون من أجهزة الأمن.
لا أدري لماذا لم يحقق فودة في الموقف القانوني لسفر المصريين للقتال في سوريا؟، ولماذا اكتفى بالتحقيق في شرعيته من الناحية الدينية، إذ أنه أجرى مداخلة هاتفية مع أحد شيوخ الأزهر تحدث عن شرعية “الجهاد في سوريا”؟، ألم يكن يعرف أن المسألة تمثل خطرا على الأمن القومي، خاصة وأن مصر كانت لها تجربة مريرة مع العائدين من ألبانيا وأفغانستان؟.
الأمر يتخطى ممارسة العمل الإعلامي باحترافية، ويصل إلي مساعدة المجرمين لمجرد الاتفاق معهم في الموقف. موقف هؤلاء الإرهابيين ضد بشار الأسد واضح، وفودة له موقف مماثل. شخصيا لا أدعم الأسد ولا أؤيده لكني لا أقبل أن يكون البديل هو داعش أو جبهة النصرة، وإن كان وصول التنظيمات الإرهابية إلى حكم سوريا هو السيناريو الوحيد للثورة، فلا قيمة لثورة تضع بلدها في حجر من يستيقظون كل صباح على سيمفونية تطبيق الحدود بضرب الأعناق.
اقرأ أيضًا:
يسري فودة ضيف محمود سعد غدًا على النهار
جديد إبراهيم عيسى.. المقال “أول” جريدة على 8 مستويات