نقلًا عن “المصري اليوم“
عاتبنى بعض الأصدقاء من الإعلاميين النابهين لأننى قلت، فى تصريحات عديدة، على هامش متابعة المحاولة الانقلابية فى تركيا، إن «الإعلام المصرى يكاد يفقد أحد أهم أسباب وجوده، لأنه يعجز، فى معظمه، عن أن يكون (مصدر اعتماد) الجمهور المحلى، فى أوقات الخطر والغموض، وعند تكوين الرأى واتخاذ القرار حيال الأحداث المهمة».
ما قلته ليس تعميماً بالتأكيد، فبين الإعلاميين المصريين مهنيون بارعون، وهم ليسوا مسؤولين وحدهم عن مجمل الأداء الإعلامى فى صناعة معقدة وضخمة، تلعب فيها أطراف عديدة أدواراً مختلفة.
لكن ما يجب الإشارة إليه والتحذير منه أمر واضح، فقد هيمنت أنماط الأداء المنحازة وغير المهنية على معظم الأداء الإعلامى، بحيث كادت تفقده الشروط الأساسية لأداء وظيفته الإخبارية.
صبيحة يوم المحاولة الانقلابية، كانت بعض الصحف الرئيسة تحمل عنواناً خاطئاً، مفاده أنه تمت الإطاحة بـ«أردوغان»، وهو عنوان قد يجد من وضعه أعذاراً تتعلق بتوقيت الذهاب إلى المطبعة، لكن يصعب أن يجد أعذاراً للتعجل بتبنى رواية لم تثبتها أى وسيلة إعلام ذات اعتبار، ولم تحسمها براهين قاطعة.
إن وجود هذا العنوان متشابهاً، بل ومتطابقاً، فى أكثر من صحيفة رئيسة يعكس نمط انحياز بنيوى فى الأداء، ويشى بدرجة من التفكير بالتمنى، والرغبة فى التشفى، وعدم القدرة على الفصل بين تغطية حدث يتعلق برجل قد يعارضه ويعاديه معظم المصريين، بسبب «تعاليه، وتدخله فى شؤوننا الداخلية، ودعمه الواضح للإرهاب»، وبين حق الجمهور فى معرفة ما يجرى فى نطاق اهتمامه من دون تحريف أو تلوين.
ليس هذا فقط، لكن ما حدث على بعض القنوات الفضائية كان مهزلة بكل المقاييس.
حتى هذه اللحظة تخفق صناعة الإعلام فى مصر، فى مجملها، فى الإجابة عن السؤال: «من الإعلامى؟»، وفيما إذا كان هذا الأخير بشراً يؤدى وظيفة، أو كائناً «سوبر» يعرف الغيب، ويحتكر الحقيقة، ويقود الجمهور، ويعيش على الإلهام.
بسبب تضخم ذات بعض زملائنا المذيعين، وغياب شروط الصناعة الحيوية، فقد توقف مذيعون عن محاولة تقصى الأخبار، أو نقل الآراء، أو تقديم الشرح المستند إلى أدلة، أو توفير الفرص للأطراف المنخرطة فى القضايا للتعبير عن مواقفهم. وراح هؤلاء الزملاء ينكّلون ببعض الأطراف، أو يفكرون بالتمنى، أو يختلقون الوقائع، ويشوهون الحقائق، ويمطرون الجمهور المسكين بالتحليلات المأفونة.
لم تكن هناك مؤسسات إعلامية تضع أكواداً وأدلة لتغطية مثل تلك الأحداث المهمة، ولم تكن هناك وحدات لمراقبة الجودة ورصد الأخطاء، كما لم تكن هناك آليات تنظيم ذاتى تسمح بتلقى الشكاوى وبحثها.
لم يهتم القائمون على صناعة الإعلام فى مصر سوى بالتعاقد مع هذا المذيع النجم أو ذاك، لكن أحداً لم يعط اهتماماً، فى معظم الأحيان، لعملية إرساء الأدلة التحريرية، والتدريب على تغطية الأحداث الكبرى والأزمات، ونشر الكوادر فى الأماكن الحيوية، والإنفاق على الإعداد، وتوفير المواد التليفزيونية الكافية، وإجراء البحوث المعمقة، واستخدام أدوات التلفزة الفريدة.
معظم المالكين يفكرون فى «شغل الهواء» عن طريق المذيع النجم، ولا يبذلون جهداً لتطوير صناعة أخبار معيارية، لا يمكن أن تقوم منظومة إعلامية بدورها من دونها.
بسبب أنماط الأداء الإخبارية المفتقدة لمعايير الدقة، والتوازن، والموضوعية، والاستناد إلى دلائل وبراهين، والنسب إلى مصادر معلنة وواضحة، والاختيار الجيد للمصادر، والعمق، سيفقد الجمهور الثقة فى منظومة الإعلام الوطنية.
ولأن بعض أصحاب الفضائيات والصحف قصيرو النظر، يبحثون عن النفاذ السياسى، عبر حصد رضا النظام، أو عن المكاسب السريعة لمواجهة أزماتهم المالية، فإنهم يفرطون فى استحقاقات الصناعة وأسباب نجاحها الجوهرية.
والحصيلة.. أن مصر لا تملك وسيلة إعلام قادرة على أن تنافس وسائل إعلام دولية وإقليمية عديدة فى تغطية أحداث مهمة فى الإقليم كالحدث التركى، وهو أمر سلبى بكل تأكيد.
لكن الإشكال الأكبر والأخطر يكمن فى أن قطاعات من المصريين تفقد الثقة باطراد فى قدرة المنظومة الإعلامية الوطنية، وتسلم نفسها بالطبع لمنظومات أخرى، لكى تحصل على حقها فى معرفة ما يجرى من دون خبل أو تشويه أو تزوير.
وأنا هنا لا أعمم مجدداً، ولكننى أحذر بشدة، لأن الفراغ الذى سيسببه ذلك النكوص الإعلامى الوطنى قد يجر علينا مخاطر كبيرة.
نرشح لك
[ads1]
هذا ما فعلته C.A.T في عامها الأول
ايهما أفضل فيلم “كابتن مصر” ام فيلم “جحيم في الهند” ؟ اضغط هنـــا