المصري البسيط له قاموسه الخاص الذي يعبر عن حالته ويحفظ له كرامته إذا اقتضى الأمر، تظهر هذه المعادلة بوضوح في تعبير “على باب الله ” وهي المهنة التي يلجأ إليها كل من لا مهنة له، الأرزقي صاحب المهام اليومية غير المنتظمة لا يقول إنه يعمل “بارت تايم” أو “بالقطاعي” أو “حسب الظروف” لكن تسأله “بتشتغل إيه؟” يقولك “على باب الله” أي إنه يقف يوميا على باب الله يسأله الرزق والرب يستجيب من فوق 7 سماوات.
كلنا طبعا “على باب الله”، حتى رجل الأعمال صاحب المليارات لا الملايين، كل شيء يمكن أن يضيع في لحظة، لكن الحياة نفسها لا تستقيم إذا تملك هذا الشعور من يعمل في أي مهنة محترمة كل يوم، تخيل أن طبيبا يذهب للمستشفى أو مدرسا للمدرسة أو مهندسا لموقع العمل وهو لا يعرف إذا كان مستمرا في هذه المهمة حتى نهاية الشهر أم لا، بل يحدث أكثر من ذلك في مجال الإعلام حيث من الممكن أن يتم الاستغناء عن صحفي أو معد أو مذيع بعد نهاية الحلقة وليس بعد نهاية الشهر.
الوضع في سوق الإعلام أصبح مثل الوضع في سوق “الفواعلية” مع الاحترام للجميع، الكل بات على باب الله والأمر ليس مرتبطا فقط بتغيير سياسات أو ملكيات الصحف وإنما بافتقاد الحد الأدني من التنظيم واحترام قيمة العمل والالتزام بالكلمة وتفهم مدى احتياج العاملين في البرامج والقنوات لِما يتقاضونه من راتب شهري.
في بداية هذه السنة انطلق برنامج “أنا مصر” بعدة وجوه سرعان ما تبخر بعضها بعد الأسابيع الأولى، واستمر محققا لـ “لا شيء” تقريبا حتى جاء موسم رمضان لتخرج قيادات ماسبيرو فتقول إن البرنامج قيد التطوير خلال رمضان وسيعود بشكل مختلف، تصريحات دائما ما يكون معناها أنه لن يعود أو لا نريد ذلك، وأعلن ماسبيرو لاحقا عن برنامج “توك شو آخر”، فماذا يفعل الآن الذين ارتبطوا بـ “أنا مصر” وإلى أين ذهبوا، ومن المسئول عن انطلاق البرنامج بهذا المستوى وعدم تطويره على مدار 6 أشهر كاملة؟.
بعد رمضان بأيام أعلن الإعلامي عمرو أديب رحيله عن قناة اليوم التابعة لشبكة أوربت.. حدث مهم بالتأكيد خصوصا مع ترقب اسم القناة التي سينضم لها المذيع الشهير، لكن العاملين في البرنامج ما مصيرهم؟، هل سيستمرون بدون أديب أم يتم تسريحهم؟، وكيف يثق هؤلاء في المهنة برمتها وقد علموا خبر رحيل أديب من الصحف؟.
تتغير إدارة أون تي في فيقع خلاف مع أحد مؤسسيها جابر القرموطي، وبدون حق الوداع للمشاهدين يخرج القرموطي من القناة خلال شهر رمضان، ثم يذهب للعاصمة 2 فيلومه البعض لأنه وقع مع سعيد حساسين بعدما كان يعمل مع نجيب ساويرس، ولو دخل اللائمون مدينة الإنتاج الإعلامي لمدة أسبوع سيدركون أن القرموطي “عمل الصح” بصوت غسان مطر، وانتظار قناة كبيرة توفر له مناخا مستقرا بات صعبا هذه الأيام.
تخرج إيمان الحصري من قناة المحور بشكل محترم وتوقع مع قناة دي إم سي الجديدة، نموذج مثالي لانهاء التعاقدات، لكن ذهبت بدلا منها إعلامية أخرى تمتلك خبرة كبيرة هي إيمان عز الدين لنكتشف أنها عملت في الحياة 6 أشهر بدون أن تتقاضي جنيها واحدا واضطرت لرفع قضية، وأنها ليست الوحيدة بل هناك عدة إعلاميين آخرين فعلوا ذلك مع القناة التي كانت رقم 1 في مصر، القناة التي فصلت عشرات الموظفين بها تعسفيا خلال شهر رمضان بعدما نظموا إضرابا للحصول على جزء من مستحقاتهم المتأخرة قبل رمضان بأسبوعين.
الأمثلة كثيرة ولا تنقطع عن ما يجرى داخل مدينة الإنتاج الإعلامي، أمثلة تجعلنا نتخيل كل معد أو مخرج أو حتى مذيع يدعو وهو خارج من المدينة مساء كل يوم أن يعود لها غدا ولا يجد نفسه مفصولا أو موقوفا أو عاجزا عن صرف مرتبه.
لا أريد مما سبق أن يظل رجل الأعمال يصرف على القناة دون عائد، أو يمتنع المالك الجديد عن تسريح من يراهم فوق حاجة العمل، فقط أتمنى أن يكون ذلك في إطار أخلاقي وقانوني، أن يلتزم الناس بالكلمة وليس فقط بالعقود الوارد استغلال ثغراتها، لأن الكلمة عقد كما قال “سيد غريب” الذي كان يعمل مصورا على باب الله في “اضحك الصورة تطلع حلوة”.