أشرف أبو الخير يكتب: وفاة التلفزيون (3).. كبريت 45

بداية، أنا شاب يعمل بالإعلام منذ أكثر من عقد كامل من الزمان، ومازال من أمنياتي أن أستمر في العمل داخل مصر وخارجها لأحقق طموحاتي بالحياة، هذا حقي، وبصراحة شديدة لم أقابل بعد أيا من العاملين بذات القطاع ممن لا يرغبون بالعمل لصالح كيان ضخم كـ MBC ، وأنا لست استثناء بالطبع، لكن العمل لدى تلك المؤسسة الضخمة العريقة ليس من أسباب كتابة هذا المقال، التملق ليس هو الهدف إطلاقاً.

ثانياً، أود أن أشكر القائمين على إدارة موقع (إعلام دوت أورج) على تفهمهم الشديد، وقبولهم تسمية الأشياء بمسمياتها في هذه السلسلة، فأتصور أنها كانت ستبدو سخيفة للغاية إن كانت تحمل جملاً من نوعية (كيان إعلامي سعودي شهير/ مسابقة انتشرت بشدة على صفحات التواصل الاجتماعي/ مسلسل مبشر للغاية انتشر على الانترنت… الخ)… والحمد لله أنني لست مضطراً لهذا الأسلوب في السرد، لأنني هنا مثلاً أحدثكم عن ( MBC / مسابقة قصة غير/ مسلسل كبريت 45).

العاصمة الأردنية “عـمان” / مارس 2016

بارد هو الطقس في عمّان في تلك الفترة من العام، بارد للغاية، وإن لفّ الحماس الكثيرين من المتواجدين في هذا المطعم الفاخر والذي خُصص الفضاء الكبير به لاستضافة فعاليات مسابقة تتم للمرة الأولى، تحت رعاية أحد الأجنحة المؤثرة في كيان MBC، وهي شركة O3 للإنتاج، وأتصور أن الدفء دب في الأوصال منذ اللحظة الأولى.

الفكرة تلخصت في أن الكيان الإعلامي الضخم تحمس لتجربة إنتاجية فريدة من نوعها، وبدأها من عمّان، حيث تم تصميم مسابقة وتحدٍ ضخم، لأربعة فرق من المبدعين الشباب، يتكون كل فريق من أربعة أشخاص، دورهم أن يقنعوا لجنة تحكيم معتبرة تضم كاتبة معروفة، ومنتج فني لا يُشق له غبار، ومنتجة وممثلة أردنية مخضرمة، ومؤسس واحدة من أكبر الشركات العربية العاملة في مجال الإنتاج للإنترنت، كان دورهم أن يقنعونهم مجتمعين بقصة قام كل فريق بالعمل عليها لمدة يومين فقط، قصة صنعوا لها معالجة درامية، وبوستر، وميزانية احترافية… إلخ.

يلف ذلك تواجد مستمر للجمهور المستهدف عبر حوارات ولقاءات وجهاً لوجه أو عبر الانترنت في بث مباشر بين أعضاء الفرق الأربعة، وبين عدد ضخم من طلبة الجامعات والمدارس بالأردن، والشباب حتى سن الثلاثين.

كان اسم المسابقة، “قصة غير”، وقد تشرفت بالاشتراك فيها كـموجه للمتسابقين فيما يخص تقديم الأعمال الدرامية على الانترنت بمشاركة صانعة الأفلام المتمرسة “سوزان يوسف” والممثلة الجميلة “صبا مبارك” – اللهم لا حسد، قل أعوذ برب الفلق.

وعلى مدار يومين، نجح أعضاء كل فريق في إنجاز المهمة، اختلقوا “قصصاً” جذابة، وضعوا لها أطر درامية مشوقة، ورؤى فنية واضحة، بميزانيات معلنة صادقة لا لبس فيها.. واتفق الجميع (لجنة التحكيم، والموجهون، والجمهور) على اختيار القصة المسماة (كبريت 45) التي قام بإخراجها المخرج الشاب “محمد حشكي”… فقد كانت أكثر تميزاً من تجاهلها، والجائزة هي إنتاج القصة على صورة مسلسل بميزانية لم تتخط العشرين ألف دولار!!، وتم الانتهاء من المسلسل وعرضه مؤخرا عبر منصة الإنترنت التابعة لـ MBC، شاهد.نت.

التجربة كانت الأولى من نوعها، كما أتصور أن النجاح الذي تحقق، مقارنة بالتكاليف المادية كان مقبولا للغاية، ويبدو أن التجربة ستكون مشجعة على تكرارها، وأؤكد أننا هنا نتحدث عن جهة إنتاجية قررت دفع رقم ضئيل نسبياً، لتنتج عملاً على الانترنت – فقط الانترنت- وتفتح به باباً قد يغير طريقة رؤية الأمور بالمستقبل، متحدين بذلك كل الأعراف الراسخة للإنتاج الدرامي في الوطن العربي.

العاصمة المصرية “القاهرة” / مارس 2016 .

ممثل محدود الموهبة، يهرب من منتج محدود الإنتاج، يتصارع عليه مع شركة إنتاج أخرى لإنتاج مسلسل رمضاني لم ينته كاتبه “لص الأفكار والحبكات” من كتابة حلقته السابعة بعد، فيضطر محدود الإنتاج للرضوخ إلى محدود الموهبة رافعا أجره إلى ضعفين أو ثلاثة، فيصل الرقم إلى ما يزيد عن المليون دولار، لترتفع ميزانية إنتاج المسلسل بالكامل إلى حوالي ثلاثة ملايين دولار، ليجد نفسه أمام حلقة مفرغة متكررة… وفي النهاية لم يحقق مسلسله كالعادة نسبة الانتشار والمشاهدة المرجوة.

نحن أمام مشهد ينبئ بكارثة محققة للإنتاج الدرامي خلال عامين في تقديري، كارثة أرجو ألا تتحقق، أن يفطن صناع الدراما بمصر إلى أبعادها قبل فوات الأوان، قبل أن يُشعل (كبريت 45) النار في مستقبلهم المهني بعد رفضهم للقبول بأهمية وسيطرة الإنترنت على الكوكب.

وهذا بالتفصيل، سيكون الموضوع التالي.

لكم المودة بلا حدود.

نرشح لك

أشرف أبو الخير يكتب : وفاة التلفزيون (2) ..لمجرد الحظ

[ads1]