محمد حسن يكتب: تأملات في الولد الشقي

أجلس في البلكونة علي كرسي بلاستيك “موف”، دقات الساعة تشير إلى السادسة مساءً ، واضعاً ايدي على خدي ، أُشاهد أسراب البشر العائدين من أعمالهم “ومن أعمالكم سُلط عليكم”، لا شئ لافت للنظر، بشر أو أشباه بشر، رجال ونساء حوامل أجنة وكروش “جمع كرش”، أمامي مربع عبارة عن مساحة مجردة من الأسفلت، يبدأ الأطفال في التجمع للعب نصف ساعة قبل غروب الشمس والأحلام، لا أعرف بالتحديد لماذا يتكرر نفس الإحساس والإنتباه المُفاجئ والإعتدال في الجلسة وكأن مانشيستر يونايتد سيحل ضيفاً على ليفربول في “anfield road”

تلك عادة منذ الصغر، في كل الأحوال جلست أُراقب اللعب والتشويح وصيحات الإستهجان ووصلات الردح والردح المُضاد، كر وفر، لكنّي وجدت ضالتي، اسمراني حافي، رفيع، ركبتيه تشبه ثمرتان من الليمون الناضج، يرتدي تيشيرت البرازيل القديم، به من الوسع مايشعره بالبراح والحرية، كان أميز من لمس الكرة بالشارع، أسرعهم وأحرفهم، لن تجد فرق بين سمار الأسفلت وسمار قدميه، وكأن اللون بيحن لأصحابه، كان كلما أحرز هدفاً رفع يديه لأعلى “بيعمل طيارة زي أبو تريكة” وقتها بدأت الشمس تُغادر ، وكأنها تُباركه قبل الرحيل، كان مُفعم بالأمل، ربما لم يشعر بحرارة الأسفلت، قلبه كان أكثر حرارة، ينبض بالأمل والحياة، مرح وواثق، يُمرر الكرة بسحر مختلف، ربما يشعر بداخله أنه خليط من كل الموهوبين، ربما يضع الكرة بين الطوب المرصوص متخيلاً أنه شيكابالا أو أبو تريكة، يُسدد ركلة الجزاء مستلهماً روح مجدي عبد الغني “رغم اذلاله لينا” متوقعاً هبوط عدالة السماء يوماً من الأيام لتنقله من حرارة الأسفلت إلى حرارة اللعب في الدوري الإنجليزي، الشمس غادرت تماماً الآن، اختفي الولد بين العمارات، عاد مربع الأسفلت خالياً ساكناً بلا حراك، عادت عيني لتقع علي صندوق القمامة والقطط التي تحاوطه، عاد الهدوء والرتابة معاً، أحدهم يتوقف بسيارته يقوم بإلقاء حقيبة في الصندوق يُصفق له ابنه “شاطر يا بابا” ، تخيلت للحظات أنه تم استبدال الصوت والكلمات في مونتاج سريع لتصبح “جدع يا باشا” ، “ايه الخيال العكر دا” عدي اللقطة يا نصر

عدت سريعاً لاُفكر كيف تتفادي القطط ضربات شنط القمامة قبل أن تأتي ، كيف تشعر قبل أن تقترب من الصندوق فتقفز قفزة بهلوانية بديعة لتترك الصندوق في التوقيت السحري ، هل تلك ميزة للقطط المصرية ؟

أم أنها ميزة عمومية لقطط العالم ؟

طب هو برة القطط…..بس بس مفيش قطط جنب الصناديق هناك ولا جواها متخليش خيالك يسرح بزيادة ، القطط برة بتجيب لايكات أكتر منك ع الإنستجرام

_عدم المؤاخذه ، اه كده نورتني الله ينور عليك

_ مؤاخذتك معاك ولايهمك

تركت لنفسي الحُرية لتكمل معي الحوار ، وبعد هبوط الظلام وغياب الشمس وأعمدة الإنارة عاد الولد الشقي لتفكيري ، لفت انتباهي أن الوقت الذي لعبه لم أنظر لشئ غير ما قدم من أداء ، بالبلدي الحاجة الحلوة بتفرض نفسها ، بس تبقي مصيبة لو عينيك اتعودت علي السواد بس ، مصيبة لو عينيك بقت موظفين حكومة هم كمان مبيبحلقوش إلا في لبس البنات الضيق ومساحتك من صينية الفتة وطبق الفول بالبيض اللي بتضربه استعداد ليوم شغل طويل ، في سواد ، بس في بياض برضه ، ممكن في يوم الولد دا يبقي زي محمد صلاح والنني وأخيراً ورمضان صبحي

ويمكن يلعب في الدرجة التانية ويمكن يبقي بكرش ويبقي زميل مدام عفاف ويقمع معاها البامية ، الله أعلم ، المهم انك تشد ستايرك السودا ومتحرمش عنيك تراقب الطريق في السفرية الطويلة ، يمكن …يمكن تكون اخرتها فعلا حد مبتسم وبيقولك صباح الفل.

نرشح لك

محمد حسن يكتب: هوبا دبل كيك

[ads1]