“سبحان من أبدعك ” ..هكذا عبر السيد رئيس التحرير من مكمنه داخل الكونترول رووم، عن انزعاجه من المذيعة بعد أن أتحفت المشاهدين بـ ” كلام فاضي ” تماما مدته حوالي 50 ثانية (وهي مدة كفيلة بإنهاء تعاقداتنا جميعا)… كان الرجل يلطم (فعليا) بسببغباؤها .. ومعه في ذلك كل الحق.
“الله يخليك يا أستاذ… انت أنقذتنا من كارثة” .. قال رئيس التحرير هذه الجملة ، للمذيع عقب خروجه من الهواء ، بسبب إنقاذه لسمعة البرنامج التي كانت على المحك بسبب “كلام كارثي” قاله الضيف على الهواء مباشرة … كان الرجل يشكره بحرارة (فعلا) بسبب حنكته .. ومعه في ذلك كل الحق.
وبين هذا وذاك تنتقل علاقة العاملين بالكونترول رووم بالمذيعين، علاقة كراهية وبغض ونفسنة من الكونترول ورجاله في اتجاه المذيع إذا كان غبي ومتحذلق ومكابر، وعلاقة من المودة والإحترام إذا كان المذيع محنك ولماح ومتواضع.
ومهما كنت (منفسن) من شهرة المذيعين وتدليلهم، فلا أستطيع تجاهل العبء الواقع عليهم بسبب طبيعة عملهم، فهم فعليا يتحملون كافة أخطاء البرنامج وهناته .. يتحملون النقد والسخرية .. يتحملون اللوم والتقريع ، وأحيانا يتحملون مواجهة القضاء ، بسبب ما يقولونه بألسنتهم وهم جالسون على مقاعدهم المريحة في مواجهة الضوء الأحمر المنبعث من الكاميرا… هذا الضوء الذي يرفعهم إلى سماء الشهرة والمجد… وكثيرا ما أوقع ببعضهم إلى قاع الاحتقار والكراهية.
السائق، الماكيير، عامل البوفيه، المخرج، فني الإضاءة، البروضيوصر، المونتير … الخ، الجميع يعمل لتخرج المحطة بصورة ممتازة أمام المشاهد/ المتلقي/ الزبون .. الكل يعمل بضمير قدر الإمكانفي محاولة لأن تخرج المحطة في أدق وأبهى صورها … والزبون في النهاية لا يقابل سوى المذيع ، وبالتالي فكل صغير وكبير داخل المحطة يعلم أن المذيع (مهما كان سنه وخبرته وشهرته) لابد أن يكون مستريح ورائق البال وفي قمة تركيزه، مهما كانت المشاكل التي نواجهها في الكواليس.
وعلى هذا فالكل يسعى إلى راحته، وينشد تألقه .. فتألقه يعني المزيد من المتابعة، التي تعني المزيد من الإعلانات ..التي تضمن بالتبعية انتظام ماكينات الصراف الآلي في إخراج البنكنوت شهريا في مواعيده للجميع.
تقديم البرامج في رأيي موهبة قبل أن يكون حرفة، يحتاج الكثير من المهارة والتركيز والشغف ، كما يحتاج الكثير من المذاكرة والمتابعة والاهتمام .. وهي الأمور الموجودة بالفعل في الكثيرين ممن عملت معهم شخصيا .. لكنني وبكل تأكيد عملت مع الكثير من النماذج لمذيعين فارغين تماما، لا يمتلكون من مهارات المذيع سوى الطلة الجيدة ، والكثير من الثقة بالنفس، أو قل الغرور.
في رأيي كذلك .. أن المذيع الذي لا يريد أن يصل إلى مرحلة ” سبحان من أبدعك” المذكورة.. عليه أن يهتم بمضمون ما يقوله لسانه بقدر اهتمامه بملابسه… أن يهتم بأن يفهم التوصيف الوظيفي لكل فرد يحتك به بالمحطة بقدر اهتمامه بالماكياج وشكل الشعر (فقد قابلت نوعا منهم يتعامل مع المخرج بنفس الطريقة التي يتعامل بها مع عامل البوفيه – مع كامل التقدير-) .
مطلوب منه كذلك أن يعتز بنفسه وأهميته بالقدر الذي يحافظ له على إحترام (الزملاء والزبون) .. فيظل دوما في برج عاجي ضخم يكسوه التقدير والتبجيل، ولا تقربه السخرية والنفسنة والاحتقار… وهي حرفة غاية في الدقة والصعوبة لا يمتلكها بعضهم ، فنظل جميعا (كأبناء كار) نعاملهم بود مزيف وابتسامة عريضة حفاظا على حالتهم المزاجية، ونقول عنهم دوما في جلساتنا الخاصة .. ” فلان الفلاني .. آه … سبحان من أبدعه” .
إقرأ ايضا
أشرف أبو الخير: سلسلة كونترول رووم .. المقال الثاني (التايتل)
أشرف أبو الخير: سلسلة كونترول رووم .. المقال الأول (البروضيوصر)
من بين 100 مقال ..إليك العشرة الأكثر قراءة على إعلام.أورج
تابعونا عبر تويتر من هنا
تابعونا عبر الفيس بوك من هنا