نقلاً عن البوابة
الربط بين أهم المؤسسات العلمية مثل وكالة (ناسا) وأى شخصية يفرض على الطرف الثانى تقديم نموذج فى الالتزام بأقصى درجات الدقة العلمية قبل الإدلاء بأى أحاديث معلنة.. على الأقل كى يكون على مستوى الوكالة التى يحمل اسمها عنوانا لعمله. الأعوام الستة الماضية أثبتت أن الانتماء «العقلانى» إلى مصر وطرح حلول واقعية للأزمات لن يتحققا وفق معايير ودراسات معدة من خارج نطاق فهم طبيعة هذا البلد. فى هذا السياق يبدو الحديث عن مبادرة عصام حجى تشكيل فريق رئاسى للترشح لرئاسة الجمهورية عام ٢٠١٨ أقرب إلى نغمة نشاز على «الأذن المصرية» بكل مواصفات الاغتراب الذى تحمله المبادرة عن الواقع المصرى. خان حجى الذكاء «العلمى» فى اختياره الوسيلة التى أعلن عبرها عن مشروعه، فالمبادرات العلمية لا يكون مكان إعلانها «نفايات» فضائية تفوح رائحتها بدماء الأبرياء والكذب والشتائم.. خصوصا أن القنوات الإخبارية العربية المختلفة كانت متاحة أمامه، وهى بالتأكيد تلقى قبولا أكثر عند المشاهد المصرى.. ثم أى من شباب قوى ٢٥ يناير يخاطب حجى حين يتحدث عبر أوكار عصابة لا تعترف أبجدياتها بالثورات وفق تعليمات مرشدهم الأول، لكنها وهى تُحرم حتى الهواء على الآخرين تستحل لنفسها سرقة الثورات منذ ١٩١٩.
«المشروع العلمى» الذى يرسمه حجى اختار مبدئيا عنوانا يروج لأخطر الآفات التى يسعى أصحاب التوجهات «المريضة» إلى تصديرها وفرضها على الساحة السياسية، وهو الفصل بين ثورتى ٢٥ يناير و٣٠ يونيو.. حين اختص حجى بمشروعه دون أى تبرير علمى لهذه التفرقة بين شباب مصر عامة. إشكالية تصدير الشباب لتولى المناصب القيادية فى مصر لا يمكن طرحها بمعزل عن تراكمات عديدة يعلم الباحث جيدا أن حلولها «العلمية» لا تتحقق بين ليلة وضحاها.. أهمها ملف التعليم بكل السلبيات التى تنخر فى مفاصله. مصالح أى دولة أوروبية لا تتعارض مع وجود شريحة عمرية كبيرة من الشباب فى مناصب وزارية بالنظر إلى مستوى التعليم –بمختلف مراحله- فى هذه الدول.. فى المقابل افتقد الشباب فى مصر عبر العقود الماضية المؤسسات والبرامج التى تعمل على بناء ثقافته السياسية والمجتمعية والإدارية كما تم خنق كل القنوات التى تؤهله مستقبلا لتصدر المشهد السياسى، وهو السبب الرئيس وراء عجز الشباب عن خلق مشروع سياسى يطرح البديل بعد التغيير الذى حققته ثورة ٢٥ يناير.
تقديم حجى مشروعه فى إطار البرنامج الرئاسى لتأهيل الشباب للقيادة هو الخطوة الأقرب إلى المنطق أولا.. الفكرة العامة القائمة على إعداد قاعدة من الكفاءات الشبابية المؤهلة للعمل السياسى والإدارى تلتقى مع ما طرحه «باحث ناسا».. هدف البرنامج الرئاسى تقديم جيل مؤهل سياسيا لخوض انتخابات المحليات ثم البرلمان، ودفع الدارسين نحو تقلد مناصب مهمة فى الوزارات.. كل ما يطرحه حجى يندرج تحت نفس الأهداف، أما فى حال اقتصار مشروعه على إعداد كتلة معارضة سياسية جادة لا تغازل الإرهاب أو تُجمِّل وجهه القبيح بمساحيق المصالحة، فإن قيامها على أسس مرفوضة من العقل المصرى للتفرقة بين ثورتين، بالتالى تداعيات هذا التقسيم البغيض لن تقدم للمشهد السياسى أى معارضة وطنية قائمة على مصلحة هذا البلد.
موضوع تسليح الجيش المصرى لم تعد حتمية حدوثه قاصرة على دراسات الخبراء العسكريين رغم كونهم الأقدر، لكنها أصبحت جزءا من وعى المواطن العربى العادى.. يكفى أن يقوم حجى بجولة افتراضية لاستعراض أوضاع المنطقة كى يعرف أن إقحامه هذا الأمر هو أشبه بالهزل فى موضع الجد. الحقيقة الأولى أن حدود مصر الثلاث شمالا وغربا وجنوبا تقف على أبوابها تنظيمات إرهابية متعطشة لسفك دماء الأبرياء فى مصر وضمها إلى «جحيم» ما يزعمون أنها مناطق الخلافة الإسلامية، الحقيقة الثانية أن التركيبة السياسية للدول العربية مهددة بالانقراض بين مطامع سيطرة تتجاذبها كل من إيران وتركيا.. الحقيقة الثالثة هى كل ما تعرضت له الجيوش العربية تحديدا العراق وسوريا من إرباك وتفتيت نتيجة سيطرة النزعات الطائفية ودورها فى إضعاف العقيدة العسكرية الوطنية مما غيَّب دورها كمنظومة أمنية عربية متكاملة، ويتحمل حاليا الجيش المصرى وحده مسئولية هذا الدور الاستراتيجى. أمام كل هذه الثوابت.. لم يطرح حجى حلوله «العلمية»! وهو يتساءل باستخفاف عن أهمية تسليح الجيش المصرى ولا يقدم تصوراته عن كيفية تحقيق توازن للقوى فى ظل صراعات إقليمية خطيرة تهدد المنطقة، لم تعد هناك أمامها قوة تحقق التوازن الأمنى للمنطقة العربية سوى جيش مصر. الكارثة تكمن فى التعبير الصادر ضمن تصريحات حجى «اختيار أي من كان لرئاسة مصر»!! وهو قد يبدو مقبولا من أحد «دراويش عصابة البنا».. وليس باحث علمى يضع فى حسابات مشاريعه التداعيات الكارثية للعام الظلامى الأسود التى ما زالت مصر تعانى منها حين اختير فى غفلة من الوعى «أيا من كان» لرئاسة مصر.. أخيرا من حق المواطن العادى أن يعرف من أنزل من السماء- أو حتى الجحيم- صكا يُفوّض الباحث العلمى عصام حجى بالدعوة إلى المصالحة نيابة عن الشعب المصرى.
نرشح لك
[ads1]