نقلًا عن “المصري اليوم”
كنت أود أن يكون رد وزارة الخارجية على تقرير مجلة (الإيكونوميست)، البريطانية، معتدلاً وموضوعياً، بلا تشنج ولا غطرسة، ذلك أن المجلة لها ما لها من مصداقية عالمية، لن تنال منها لا بيانات وزارة الخارجية المصرية، ولا حتى منابر وزارة الأوقاف، فى ظل الإجماع خارجياً على ما ذكرته المجلة، وما هو أكثر من ذلك داخلياً، وإلا لما كان المتحدث باسم الخارجية انتفض إلى الحد الذى خرج به إلى ذلك الرد السطحى، الذى يتناسب مع طبيعة المرحلة من كل الوجوه.
دليلنا على ذلك هو أن كل هذه المعلومات التى ذكرتها المجلة ليست جديدة أبداً، تنشرها مقالات مصرية يومية، وما هو أكثر منها، لم يحدث ذات مرّة أن ردت الخارجية، ولا حتى الداخلية، لعلم هذه وتلك أن المعلومات صحيحة بنسبة ١٠٠٪، إلا أن العادة جرت بالرد على الانتقادات الخارجية، على موقع من المواقع، ذراً للرماد فى العيون، وإلا فما الداعى لوجود متحدث رسمى هنا، ومتحدث إعلامى هناك، العملية لا تعدو كونها أكل عيش لا أكثر ولا أقل، كله تمام يا فندم، أفحمناهم يا فندم، ونحن نُقدّر ذلك، على الأقل فى ظل الأوضاع الراهنة.. هذه ملاحظة أولى.
الملاحظة الثانية هى أن طريقة الرد على ما ينشره إعلام الخارج يجب أن تختلف تماماً عن الطريقة المتبعة حالياً فى الرد على الكُتاب المصريين، ويجب أن تختلف عن الرد الذى تقوم به الكتائب الإلكترونية على مواقع التواصل وعلى الإيميلات الخاصة، ويجب أن تختلف عن تصريحات الاستهلاك المحلى، التى يدلى بها المسؤولون، كلٌ فى موقعه، أساليب الردح والشرشحة، والذم والقَدْح، والتشكيك والتشهير، لا يجب أبداً أن تخرج عن وزارة الخارجية تحديداً، وإلا فماذا تركتم لوزارة الداخلية؟
المجلة كتبت مقالها أو تقريرها بعنوان (خراب مصر)، فكان رد الخارجية المصرية بعنوان (تخريب الإيكونوميست)، فى إشارة مبدئية بالغة الدلالة إلى أن مصر لا تبغى الرد، بقدر ما تريد الدخول فى وصلة ردح، على اعتبار أن مقر الوزارة يقع على أعتاب حى شعبى من الطراز الأول، بدلاً من أن تؤثر الوزارة فى سلوكيات سكانه تأثرت هى بسلوكياتهم، إلى الحد الذى جعلها تسعى لتصدير هذه السلوكيات خارج حدود الوطن، إلى بريطانيا العظمى تحديداً.
استخدم الرد المصرى تعبيرات وعبارات لا علاقة لها لا بالدبلوماسية، ولا بالأعراف الدولية، ولا بالتقاليد الاجتماعية، ولا بأى وحدات قياس يمكن التعامل معها، مثل السخيفة، والمبتذلة، والمغلوطة، والمهينة، وغير الموضوعية، والاستنتاج المتسرع، والأكاذيب، والوقوف مع من يقفون ضد مصر، والدوافع السياسية، والتحليل الركيك، والقراءة السطحية، والاختزال، والتحيز، وفى النهاية أن المصريين لا ينتظرون وصاية من أحد، وكأن مصر أصبحت تنظر إلى الإعلام فى هذه المرحلة على أنه يسعى إلى الوصاية والإملاء، وما إلى ذلك من مصطلحات الدونية والضآلة، وليس التنوير والتثقيف والتنبيه.
المجلة قالت فى تقريرها إن خراب مصر قادم لا محالة بفعل السياسات الحالية، قالت إن البطالة فى أوساط الشباب تجاوزت ٤٠٪، نصحت الرئيس بعدم الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة عام ٢٠١٨، قالت إن الوضع الحالى أشد قمعاً من ذى قبل، وأقل كفاءة، حذرت من اندلاع ثورة جديدة، قالت إن عجز الميزانية يتزايد وقد بلغ ١٢٪، وصفت النظام بالمفلس الذى يعيش على المنح السخية الخليجية، والعسكرية الأمريكية، رصدت المجلة إغداق أموال دافعى الضرائب على مشاريع وهمية، مثل توسيع قناة السويس التى تدنت إيراداتها، قالت إن الممولين العرب بدأ صبرهم ينفد جراء البيروقراطية المصرية، مستخدمة تعبير الرُّز، فى الإشارة لأموال الخليجيين، قالت إن الغرب ينبغى أن يتوقف عن بيع أسلحة باهظة التكاليف لمصر ليست بحاجة إليها، ولا تقوى على احتمال نفقاتها، كما نصحت بشروط صارمة للمساعدات الاقتصادية بالتوازى مع تعويم الجنيه.
أعتقد أن تقريراً كهذا، يتابعه العالم كله فى آن واحد، كان يجب أن يكون التعامل معه على نفس المستوى، نحن هنا لم نتناول ما أشارت إليه المجلة من تعبير انقلاب، فى إشارة إلى أحداث ٣٠ يونيو ٢٠١٣، ولم نتناول تكهناتها للمستقبل، إلا أن أى نظام عاقل لا يجب أبداً أن يتعامل مع مثل هذه التقارير بهذه السطحية، أو هذا العداء، أو ذلك الاستعداء، مثل هذه التقارير نتاج جهد كبير وجمع معلومات من داخل مصر، وليس من خارجها بالتأكيد، استند فى نهاية الأمر إلى أرقام ومسؤولين ومتخصصين، حتى لو لم يكن قد أشار إليهم، الحصيلة النهائية تؤكد أن هناك أزمة فى مصر، يراها الدانى والقاصى، هذه الأزمة يجب التعامل معها من كل الوجوه، اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً
أما وإن كانت التعبيرات الحماسية (نرى النصر قريباً)، (مصر هاتبقى قد الدنيا)، (مش مهم ناكل المهم نبقى كده)، إذا كانت هذه التعبيرات تؤدى هدفاً يتعلق باستهلاك الوقت، فإن ذلك لا يعنى تجاهُل أن الأمر يزداد سوءاً، وذلك ما أكدته تقاريرنا الرسمية الداخلية، التى أشارت إلى ارتفاع نسبة الفقر هذا إلى ٢٧٪، بل وصلت إلى ٦٦٪ فى بعض المحافظات، وهو قليل من كثير لم تذكره الإيكونوميست.العام إلى ٢٧٪، بل وصلت إلى ٦٦٪ فى بعض المحافظات، وهو قليل من كثير
نرشح لك
[ads1]