هالة منير بدير تكتب: مأساة أن تكون بطلاً أوليمبياً

قد يُفسد فرحة متابعة الألعاب الأوليمبية حرمان أبطال مصريين من المشاركة لتناولهم المنشطات، أو تصرف أرعن  يقوم به لاعب مصري كأن يحمل علم دولة أخرى في حفل الافتتاح، لكن دائماً وأبداً فإن وحوشاً مصرية تربض في عرينها حتى الانقضاض لإبهار العالم بالفاتح المصري العائد بالميداليات الأوليميبة ..

هالة-منير-بدير-350x466
هالة منير بدير

كنت أسير في شوارع مدينتي مساء مباراة الأهلي والزمالك المقامة منذ أيام، ولا يغيب على أحد كيف هي الشوارع في عشية مباراة بين الفرقتين العتيدتين، للوهلة الأولى كنت أتساءل عن سبب الهدوء وقلة المارة والانتظام المروري، ثم تذكرت أن الشوط الثاني قارب على الانتهاء، ومن بعده انطلقت موجة عارمة من السيارات التي ترفرف منها الرايات البيضاء والأبواق التي تملأك بهجة بسعادة الآخرين بالفوز، إلى أن تشعر أن الموضوع قد زاد عن حده وأصبح ماسخاً الاحتفال بهذا القدر لمجرد الفوز بمباراة كرة قدم تقام كل يوم، هذا الذي لا تجده أثناء دورة الألعاب الأوليمبية التي تقام كل أربع سنوات !

يمتك الشعب المصري حس تشجيعي عنيف وفي بعض الأحيان يكون همجياً في متابعته لكرة القدم، ينتهي في معظم الأحوال بالشجار، وبمقارنة هذا الحس مقابل حس متابعة الألعاب الأوليمبية قد تجده في ندرة أو يكاد يكون منعدماً، فمن النادر أن يعطيك مصري إجابة صحيحة إذا ما سألته عن أسماء أبطال مصريين أوليمبيين قديماً أو حديثاً، لن يجيب إذا ما سألته عن أكثر لعبة أوليمبية تحصد فيها مصر الميداليات، بل إنه “سَيُتَهْتِه” إذا ما سألته عن مكان دورة الألعاب الأوليمبية السابقة، وبالمناسبة سأكون أنا من هذه العينة العشوائية التي سَتُوَجِّه لها هذه الأسئلة، لأنه ببساطة مثلي كغيري من المصريين؛ لا نجد قناة واحدة أو برنامج واحد دائم مستمر يُكَرِّس كل مواضيعه عن الألعاب الأوليمبية، مقارنة بالعديد والعديد من البرامج الرياضية اليومية المهتمة بكرة القدم وفقط، استوديوهات تحليلية قبل المباراة تمتد لساعات وكأنها المراجعات النهائية قبل الماتش، ثم تقوم ذات الاستوديوهات بتحليل كل ركلة وصفارة وهدف بعد انتهاء الماتش، ويقوم المصريون المتابعون أيضاً بدورهم التحليلي في المنازل والعمل والقهاوي والسوشيال ميديا مغلفاً بكيد وغيظ بعضهم البعض لأيام تالية ليوم الفوز والخسارة ..

لماذا أُوَجِّه اللوم لأصحاب القنوات الفضائية ومقدمي البرامج والمواطنين؟! فأين رعاية الدولة نفسها برياضات أخرى غير كرة القدم؟! بل أين اهتمامها بألعاب كرة أخرى ككرة اليد أو الطائرة أو السلة أو التنس؟! أين الاهتمام بالألعاب الفردية والإعداد الجيد للبطولات المختلفة ولدورة الألعاب الأوليمبية؟! لا يوجد خطط أو استراتيجيات واضحة، لا دعم نفسي أو مادي في ظل غياب تعاون جاد بين الحكومة والاتحادات، حتى الجمود والتعنت مع الأبطال في تأجيل مواعيد الامتحانات التي تأتي بالتزامن مع بطولات، وكأنها خطة ممنهجة للإفشال !!

البعثة المصرية التي تم الإنفاق عليها ما يزيد عن مليون جنيه مصري تتوالى فضائحها، فالعلم السعودي الذي رفرف عالياً في افتتاح الدورة كان أكثر حظاً من العلم المصري الذي اختفى من فوق زي لاعب الجودو، وبدا مشقَّقَاً على زي لاعبة الكرة الشاطئية، بالإضافة إلى وصول منتخب المصارعة متأخراً لسبب بسيط جداً وهو حجز أمتعتهم في مطار القاهرة !! يتجلَّى من نوع الأخطاء انعدام الاهتمام بتفاصيل بديهية مُعطياً مؤشر بمدى الإهمال الذي يوليه المسؤولون لألعاب هي محط نظر العالم كله، ودورة رياضية تتبارى فيها الدول المتقدمة في وضع أعلامها وأسماء أبطالها في المراكز الثلاث الأولى ..

أكاد أقول أن وقوف اللاعبين المصريين على منصة التتويج وتقلّد الميداليات الأوليمبية هو إنجاز شخصي لأصحابها، جاء نتيجة الثقة في الله وفي أنفسهم مقابل الدعم الرسمي الفقير، ومن الجور أن تستمر الدولة في ذلك الإهمال المتعمد تجاه رياضيين مصريين يحرزون بطولات ذهبية وفضية وبرونزية باسم مصر وبأقل الإمكانيات ..

نرشح لك

هالة منير بدير تكتب: اضطراب الهوية الجنسية في سقوط حر

[ads1]