محمد أبو مندور يكتب: كلنا وليس جميعنا

كلنا وليس جميعنا نستطيع ان نفعل كل الأشياء، وليس جميعها، كلنا نستطيع أن نبدي الرأي في كل الأمور وليس جميعها، وكلنا يصلح لكل الوظائف وليس جميعها. فينا أكثر من 90 مليون طبيب وأكثر من 90 مليون مهندس و90 مليون محام ومدير فني لجميع الألعاب الأوليمبية وغير الأوليمبية، ونفهم في أنواع الداء ونصف الدواء وجهابذة في الاقتصاد وخبراء في الاكتشافات البترولية، وأنواع الأسلحة التكتيكية والاستراتيجية، وأصناف الأقمشة وطرق تطريزها وتصميم الملابس ومتخصصون في صناعة الصواريخ والأقمار الصناعية وخبراء سياحة وطباخين مهرة ومحللين ماليين وخبراء بورصة ومدربي تنمية بشرية وصناع أفلام ومخرجين وممثلين وفنانين تشكيليين وصحفيين … كلنا وليس جميعنا

قد يكون هناك مجالات لم أذكرها فيما سبق من مجالات تخصصنا فيها كلنا وليس جميعنا لكن اسألكم المعذرة فالذاكرة لا تسعفني. لا تظن انني ابالغ فقد بلغنا حداً من الفتي لا سابق له فيما لا ناقة لنا فيه ولا جمل، وساد منطق القطيع فالكل يمكنه فعل ما تخصص فيه الآخرون وهو سلوك يضمن الانهيار المدوي وغير المسبوق. سلوك القطيع تلاحظه على ابسط الأمور فإن نجح فلان في أمر ما فهيا بنا نقلده “يعني هي كميا”، تجد ذلك ممثلاً في كل القطاعات حتى في الاعجاب بقصة نجاح جارك عند افتتاحه لمحل سنترال موبايل في حارتكم فتتمطع وتتجشأ وتفتتح محلاً مماثلا له ليس بالبعيد عنه بل ملاصق له الحيط في الحيط على أساس أن من جاور السعيد يسعد ولعل الزهر يلعب وتتغير الأحوال. وبإتباع نفس سلوك القطيع الذي يقلد ولا يفكر في إمكانياته تجد أن معظم تلك الحالات تصل إلى ما يشبه الغراب الذي حاول تقليد مشية الطاووس فلا هو صار طاووساً ولا بقي غراباً.
ي
سرى سلوك القطعان على كم كبير من التجارب التي تراها حولك، فجأة تجد العديد من الكافيهات والصيدليات والعديد من مستشاري التنمية الإدارية والبشرية والكثير من مانحي شهادة التحكيم الدولي وخبراء التسويق الشبكي وزملاء الجامعات الوهمية، لما لا فمن ذا الذي يحاسب من؟ من يمنح تراخيص بماذا؟ وبالحديث عن التراخيص انتشر الآن أطباء الشنطة! وهم من يدورون في الشوارع مترجلين لخدمة زبائن المقاهي في الحال (وقتي) منهم من يخلع سناً أو يداوي قولوناً وعليك أن تعطيه “اللي فيه النصيب” وينساق وراء ما يبيعونه من وهم الكثيرين. وبنفس سلوك القطعان يمتلئ الساحل الشمالي عن بكرة أبيه بالمصطافين فجأة فيصبح لا يطاق من الزحام الذي هربوا منه، فالأغلبية لا تكاد تدرك ما قد يفعلونه للاستمتاع هناك سوى التقليد لهؤلاء من ذهبوا من قبل كلهم وليسوا جميعهم.

للأسف سلوك القطعان يمتد لما أصبحنا نفضل أو نكره فحسب “الموضة بتقول ايه؟” الموضة الأيام دي بتقول ان الأسطورة ده مسلسل رهيب فيصبح هو اهتمامك، الموضة بتقول أن تظهر الفتيات بجينز مهترئ ومقطع فيقطعون سراويلهن كلها وليس جميعها، الموضة أن تستخدم ألفاظ نابية في وصف أي شيء جميل فعادي جداً أن يكون رأي البعض أن هذا المقال “فشيخ” وأقول البعض من القراء وليس الكل بل جميعهم.

انتقي ما تقلده فليس كل ما تراه ينفعك أو يناسبك أو يليق بك.

نرشح لك

محمد أبو مندور يكتب: وكأنك

[ads1]