تجد نفسك ترى الفيلم من خلف شباك عربة الترحيلات، تتذكر لحظات شاء لك القدر أن تعيشها خلال الخمس سنوات الماضية، تجد بجوار مقعدك يجلس شخص معارض لك وعلى يسارك شخص آخر معارض لكما، وتظهر نقاط الخلاف كطرقعة صوت فشار السينما.
أسئلة كثيرة تشتبك فى ذهنك عندما ترى الفيلم، هل الإخوانى الغير مسلح يستحق الكره لاعتناقه فكر معين، هل الوطنية تعنى تخوين الجميع، هل الأقباط أعداء الدين رغم حمايتهم للمصلين فى ثورة يناير، هل الشرطة مدانة دائمًا أم هى حالات فردية، هل الثوار على باطل مع مراعاة أن الفيلم يحمل وجهة نظر مخرجه محمد دياب والذى شارك فى كتابته مع شقيقه خالد .. وإن صح ذلك كله فمن على حق رغم أننا جميعا نتفق على ضرورة ثورة 30 يونيو إلا الإخوان؟!!
استمد الكاتب تفاصيله من الواقع، أحداث الفيلم ما بين مظاهرات حاشدة لا تفرق بين الأخ والعدو، والتداخل بين أغانى تسلم الأيادى والجيش والشعب أيد واحدة وهتافات إسلامية إسلامية، وطوب ومياه وغاز وقناصة توزع الموتى كالحلوى، ومصر بإكملها سجينة فى عربة ترحيلات تضم جميع الأطياف من ينحاز للجيش .. من يكره الشرطة .. من يكره الصحافة .. من يريدها دولة مدنية، من مازال مؤمن بعودة محمد مرسى للحكم، ومن لا تعلم شيئًا سوى أن طفلها تم احتجازه بعربة الترحيلات فتلقى الحجارة على العربة ليدخلوها معه.
الإخراج
جميع الفئات العمرية والمستويات الفكرية والطبقات الإجتماعية، موجودة بالعربة وفكرة السمع والطاعة والعنصرية بين المحب والمنتظم من أعضاء الإخوان تمكن المخرج من توجيه الممثلين بشكل جيد لتوصيل الفكرة من خلال نظرات العين، والصراع بين الإنسانية وتأدية عمله كمجند، وموت أعز الناس لديك أمام عينيك مشهد موت مسن إخوانى أمام عين ابنته الصغيرة تمكن المخرج من خلق حالة مختلفة جعلتك ترفض فكرة الموت لأى شخص.. ثم الجميع فى نفق مظلم الموت يحاصرهم من جميع الإتجاهات، يضحكون ويتشاجرون وفكرة واحدة يتفقون عليها عدم الرغبة فى الموت، فتدرك أن الخلاف فى الفكر لا يستحق الذبح طالما السلاح لم يرفع بعد.
حركة الكاميرا
جاءت حركة الكاميرا مناسبة للأحداث ما بين سرعة فى مشاهد “المظاهرات والاشتباكات” ، وهدوء فى اللقطات التى يعم فيها السكون مثل مشهد عقب فض مشاجرة بالعربة بخراطيم المياه
الحوار والسيناريو
الفيلم ناقش فكرتين ما بين القبض العشوائي، وتم استخدامها من قبل فى فيلم إحنا بتوع الأتوبيس، والصراع بين الإنسانية وتنفيذ الأوامر كما حدث فى فيلم البريء بطولة الفنان الراحل أحمد زكي حيث تم تدريبه على إطاعة الأوامر بأسلوب الطاعة العمياء التي تتطلب تنفيذ الأوامر بدون أية مناقشة حتى ولو كانت منافية للمنطق، وهو ما اعتمد عليه محمد دياب فى كتابة فيلمه، ولم يصدر حكمًا نهائيًا على أى تيار ولكن الجميع مدان فنحن من نسجن أنفسنا فى عربة الترحيلات عندما نلغى عقولنا ونخون الآخر لاختلافه معنا ونهاية العنف والتعصب هى الموت المحتم الجميع.
يعد الحوار من أبطال العمل، فالجمل مكتوبه بشكل ممتاز خاصة الكوميدية، والمواقف نفسها غير مفتعلة ومرتبة بسلاسة، ومعايشة كل شخصية لمثيلتها فى الواقع جعلت الشخصيات حية.
الملابس والديكور
الملابس لريم العدل مناسبة جدا لكل شخصية ومستمدة من حياتنا اليومية ملابس الصحفى و”السايس” والممرضة والولد الذى يعمل ” دى جي” فى منطقة عشوائية، والديكور عظيم إن تشاهد فيلما مدته تتجاوز الساعة ونصف فى عربة ترجيلات دون أن تمل لوجود تفاصيل كثيرة جعلت الصورة غنية.
وفى نهاية الفيلم الجميع لن يرضى عن العمل فمن يعارض الداخلية سيجد الفيلم مكتوبا بمكاتب أمن الدولة، الإخوان سيتهمون صناع العمل بتشويههم، الثوار سيرفعون لافتات تزييف الثورة، ولكن خلاصة العمل أن الثورة لم تبدأ بعد فالمجتمع مازال يغلى على نار هادئة ستنتهى بالفوران.
نرشح لك
[ads1]