طبيبة شابة في الثلاثين من عمرها تتعرض لتحرش أثناء قيادة سيارتها من قِبَل مجموعة من شباب منحل متهور يستقلون سيارتهم ويطاردونها على الطريق، تتوتر الطبيبة وتصدم سيارة أمامها وتشتبك مع سائقها الذي لم يقبل لا اعتذارها ولا عرضها بإصلاح التلفيات، فيقوما بعمل محضر ينتهي بالصلح في النيابة التي أمرت بإخلاء سبيلها مالم تكن مطلوبة على ذمة قضايا أخرى، وبعد الكشف في ملفات مديرية الأمن تجد اسمها وأوصافها مطلوبة على ذمة قضية سرقة ودعارة ! أول نظرات العار التي تصيبها كانت من أخيها ومن زوجها الذي كافأها ببصقة على الأرض مُصَدِّقاً خيانة زوجته قبل أن يتم التحقيق معها أو تقديمها للمحاكمة والحصول على حكم بالإدانة، ليتضح فيما بعد أن المُدَّعِي في القضية شاب منفلت أخلاقياً ومقامر ومعاقر للخمر، سرق من والده أموالاً خسرها في لعبة قمار، ولكي يُبَرِّيء نفسه اختلق قصة مفادها أن إحداهن قامت بسرقته أثناء تواجدها معه بمنزله في أحد الليالي، ولم يأتِ بباله في وقت تلفيق القصة أثناء عمل المحضر حين سألوه عن أوصاف السارقة إلا اسم وأوصاف تلك الطبيبة المسكينة، ثم تتفاقم الكارثة بقيام صحفي منزوع الضمير بالتقاط صورة للمسكينة ونشرها تحت عنوان ناري: ( ضبط طبيبة في واقعة سرقة وأعمال منافية للآداب ) والناس تبحث عن الفضائح وتعشق سماعها وتهوى تناقلها وإشاعتها ..
فيديو انتشر على يوتيوب بعنوان ” أول زواج لمثليين في مصر على مركب بالنيل “، ولأن وظيفة الإعلام الفاسد هو ترصُّد أي خبر يزيد نِسَب المشاهدة فلقد تم تناول الفيديو في المواقع الإخبارية وإعادة نشره بعنواين “حَرَّاقة ” مثل : ( ننشر تفاصيل زواج الشواذ والأمن يرصد العديد من الحالات مؤخراً بنفس الطريقة )، وذلك على حساب سمعة وشرف شباب “كان بيهرج في عيد ميلاد” ، ليتم تبرئتهم فيما بعد بتوقيع كشف الطب الشرعي ونفي التهمة المنسوبة إليهم، ولكن لأن حكم البراءة ليس فيه إثارة وتشويق اكتشاف الجريمة؛ فقصتهم ظَلَّت في التناقل إعلاميا وعلى ألسن الناس تحت نفس مسمى التهمة ( زواج الشذوذ )
وبالمثل فإن حادثة حمام باب البحر مؤخراً لن يحرص فيها الإعلام على تحسين صورة 26 بريئاً بعد أن دَمرت سُمعتهم منى عراقي مذيعة برنامج المستخبي بالزور والبُهتان مع سبق الإصرار والترصد !! لن يهتم أحد بتبرئة المتهمين بعد أن برَّأهم الطب الشرعي من تلك التهمة القذرة، من سيعوِّض الشاب الذي انكسر كبرياؤه وعزة نفسه أثناء توقيع الكشف الطبي عليه ليبرأ من جريمة لم يرتكبها ؟!! سُئِلَ صاحب الحمام إذا ماكان سَيُقَدِّم بلاغاً ضد مذيعة البرنامج وضد الضابط المسئول عن عملية الضبط، فأفاد بأنه يخشى تقديم البلاغ ضد الضابط !! لم ولن يتوقف التشهير بالأبرياء وتناقل صورهم وأسمائهم حتى يتم محاكمة ومعاقبة كل من يشوه أعراض وشرف الناس بالتلفيق والتشنيع وتناقل الإشاعات ..
وعلى النقيض فإن جريمة أميني الشرطة اللذين اغتصبا فتاة في سيارة النجدة وأثبت الطب الشرعي جرمهما المشهود فيها، فإنه لم يتم تداولها بنفس الزخم الذي تم على الوقائع المفبركة للشذوذ والمثلية الجنسية، بل وتجد أحد المذيعات تبرر واقعة الاغتصاب بأنها عادية ومألوفة في مجتمع فيه 90 مليون نسمة، وأن نشرها والتركيز عليها فيه إساءة للداخلية ومحاولة للإيقاع بها من خلال قطاع أمناء الشرطة !!!!
قصة الطبيبة الشابة التي وردت في بداية المقال من خيال المؤلف وحيد حامد في فيلم التخشيبة للمخرج عاطف الطيب في عام 1984، وإن لم تكن خيالاً محضاً لأنها بالفعل تحدث في واقعنا الأليم الذي تشتد فيه النظرة المجتمعية القاسية للمتهم والتشهير الإعلامي الجائر به قبل التثبت من جرمه أو الحصول على حكم قضائي يقضي بإدانته ووضعه خلف القضبان، وإذا ما تمت تبرئته فإنه يخرج للحياة مطوقاً بشرف مقدوح فيه وسمعة ملطخة بالعار، وعندها يصل اهتمام الإعلام إلى أدنى مستوياته فحكم البراءة ليس فيه الجاذبية والتشويق والإثارة كخبر اكتشاف الجريمة وسير التحقيقات ..
اقرأ أيضًا:
هالة منير بدير: بدلة الوقاية من بُمْب العيد !
هالة منير بدير : ياسمينا وأحلام ” سنو وايت والساحرة الشريرة”