مى سعيد تكتب : سلفنة كورنيش ماسبيرو

مجموعة من الكراسى المتناثرة أمام كورنيش ماسبيرو إعتدت أن أراها كل صباح تبدو كما لو أنها صديقة لهذا الرصيف و كأنها مزروعة فيه و جذورها ضاربة و ملتحمة بجذور الأشجار المجاورة ، منذ بضعة أسابيع تم إقتلاعها و تكسير الكورنيش فلم أجد عند رؤية حطامها تعبيراً يليق غير التعبير المصرى الذى نستحضره عندما يحدث ما لا يروق لنا ” لعله خير” أغمضت عيناى و تخيلت التجديدات و عودة الكراسى الخشبية الجميلة ذات السيقان الحديدية المورقة إلى حيث تنتمى ، منذ بضعة أيام وجدت الكورنيش و قد انتهى  العمل فيه لكن أين الكراسى تلك التى كانت ملاذ للمحبين و الأسر البسيطة التى لا تملك ما يُمَّكِنها من إرتياد النوادى و الكافيتريات ، لقد انتهى العمل و انتهى معه الحلم بجلسة هادئة أمام النيل لا يتطلب جلوسها الكثير أو القليل من المال ، لابد و أن المهندس أو أياً كان صاحب هذا القرار سلفى النزعة دائماً ما أزعجه الحب الذى إعتاد أن يلف تلك المقاعد فقرر أن يجرد الكورنيش منها حتى لا يترك خياراً لمن إعتاد القدوم سوى أن يقف حتى تتورم قدماه عقاباً على ما يحمل فى قلبه من مشاعر ، هل مثل هذا الفعل جزء من سلفنة الدولة و الذى يمكننا أن نراه و نرصده حولنا فى مظاهر كثيرة ، بينما أمشى على الكورنيش بعد تقبيحه تيقنت من هذا فعند سؤالى لأحد العاملين المسؤلين عن إنهاء الرتوش الأخيرة لهذا المشهد القبيح ، أجاب : كدة أحسن كفاية المسخرة اللى كانت بتحصل هنا !!

تركته و غادرت دون أن أتفوه بكلمة واحدة لكنى لم أقوى على محو الصورة القديمة من رأسى ، بينما أمشى مطأطأة الرأس وجدت أن حتى البلاطات التى استخدموها ليست من نفس اللون و الشكل ، فأيقنت أن هذا القبح لابد و أن يرتبط بمثل هذه الأفكار و التى لا تختلف عنه كثيراً بل هى أشد قبحاً ، نظرت إلى مياه النيل فبدا و كأنه نسى كل شئ حتى أنه لم يعد يتذكر أنه نهراً ، أخذت أتفحص المكان و أتسائل أين ذهبت الكراسى الخشبية القديمة و إلى أين أخذها هؤلاء بينما يدور السؤال داخل عقلى و قلبى فيعصرهما وجدت أحد الكراسى ملقى بعيداً بعد أن فقد ساقيه ، رأيته ملقى على جنبه و قد كساه الحزن بعد أن صار عاجزاً عن إراحة الناس و إجلاسهم  فقد إقتلع من جذوره و فقد هويته هو الآخر كما فقدناها نحن ، فما حدث له يشبه ما يحدث لنا و لمصر كل يوم ، حالة من التجريف و السلفنة التى تبدو متعمدة ، تعمد واضح لنشر القبح ، فلا يمكننا أن نستعيد أنفسنا إلا لو تصدينا لمثل هذه الأفعال التى تقضى على أرواحنا فى طريقها و تمحو ما تبقى بنا من رقى و جمال  فما تقوم به أجهزة الدولة يقضى على كل أمل لنا فى تجميل تراث و تاريخ شوههم القبح و الدم و البغض و كره الآخر و كأن ما يحدث يخط بأنامله لتراث جديد تكتبه أقلام منتفخة بأحبار ممتلئة بذات القبح و سيرثه من بعدنا أولادنا وأحفادنا تماماً مثلما ورثناه بل أشد قبحاً .

نرشح لك

مي سعيد تكتب: في يوم المرأة العالمى.. أنا عندي غسيل

[ads1]