“لو بصيتى على الكاميرا هتبقى بربرى”، كانت تلك الكلمات هى أول القواعد التى قالها أول مخرجى السينما المصرية محمد كريم لفاتن الفتاة الصغيرة، حيث كانت تحسس خطواتها، النصيحة كان لها هدف آخر وهو ألاتسرق تلك البذرة الصغيرة والتى لم تكمل عامها السادس الكاميرا من مطرب بحجم محمد عبد الوهاب، وبالفعل سيطر الخوف على الفنانة الصغيرة خشية أن يتحول جمالها الشاهق إلى رجل أسمر فلم تنظر فاتن إلى الكاميرا، دون استطاعتها الوفاء بعدم سرقة الكاميرا على مدار ستين عامًا تبعت هذا المشهد.
لم تملك فاتن صوتًا شجيًا كأم كلثوم يضعها فى بطولات الأفلام، أو حتى صوتًا ناعمًا مثل ليلى مراد أو شقيًا كشادية أو صباح، أو حتى حسًا راقصًا كسامية جمال أو نعيمة عاكف، لم يكن لديها أيضًا وجه زبيدة ثروت، أو انطلاق سعاد حسني، أو حتى ملامح أوربية مثل نادية لطفي، أو هند رستم، إنما حملت ملامحها جمالًا مصريًا غنيًا بتفاصيل تقترب فى الشبه مع وجوه صادفتها كثيرًا فى الشارع، لم تملك فاتن سوى موهبتها الجارفة وبساطتها فى التعبير عن فيضان من الموهبة لم تستطع عبقرية بحجم يوسف وهبى أن تصمد أمامها لينقلها من مرحلة الطفلة الصغيرة التى تناغش محمد عبد الوهاب بلماضتها فى “يوم سعيد” ثم بكلبها فى “رصاصة فى القلب” للابنة فى أفلام مليودراما “بيومى أفندى” و”كرسى الاعتراف”.
28 معلومة عن فاتن حمامة من الميلاد إلى الوفاة
حبى لفاتن حمامة لا يتلخص فقط فى زمن صورته الشاشة ورديًا، فهى تملك الكثير لتحبها من أجله، قد ترى فيها صورة لك موجودة أو تمنيت وجودها، تلك الفتاة التى أحبت التمثيل فعشقت معلمها، لقد وقعت الطفلة الصغيرة فى حب عزالدين ذو الفقار لتسرع فى الزواج منه وانجاب طفلتهما، كان حبًا أصقل موهبتها وزاد من رصيدها أفلامًا مهمة جدًا، حبًا أفاق الأم الصغيرة على شكل حياتها الفنية وعلى شباك التذاكر، وعلى جودة ما تقدمه وعلى التأثير الذى أحدثه زواجًا دخلته ابنة للبطل فى “ملاك الرحمة” خرجت منه حبيبة وبطلة ومنتجة فى “موعد مع الحياة” و”صراع فى الوادي”، لتصبح سيدة الشاشة من يومها، وسيد البيت، الذي سوف تنتقل منه فيما بعد لتتوج بلقب سيدة القصر أيضًا، وتعيش عشر سنوات من الحب الاستثنائي مع الشاب الوسيم على الدوام عمر الشريف.
موسيقى عمر خيرت تنعي فاتن حمامة
حبنا وحنينا لفاتن حمامة يبدو وكأنه حنين لزمن تمنينا العيش فيه، ذلك العصر الذى رأيناه فى أفلام الأبيض والأسود، الشارع نظيف منظم، الفتيات يرتدين الفساتين والتنانير القصيرة والرجال يرتدون البدل الأنيقة، حتى من يرتدي جلبابا يسير به ناصعًا، العائدون من أعمالهم قبل أن تنخفض شمس الظهيرة لا يكدر صفوهم سوى حرارة الجو يتناولون غدائهم على مائدة تجمع أفراد الأسرة ويذهب الأب لاستكمال قراءة الجريدة فى البلكونة بينما يستمتع بشاى العصارى، تفتح الأم الراديو على أغنية لعبد المطلب أوالشاب الجديد عبد الحليم حافظ بينما تمسك بأصابعها خيط الإبيسون لتطرز حكاية روميو وجوليت على قطعة من القماش وتسرح الفتاة فى كتاب تقرأة لسلامة موسى أو شعر لعمر الخيام، الأمال التى يعيشها أفراد المجتمع بالتنمية التى سيحققها بعد التخلص من الاحتلال ومن الملكية، التقدم والرخاء الآتى فى الطريق بتعاون الرجل والمرأة فى بناء المجتمع، جميعنا نتشوق لزمن لم نكن لنعرف عنه شيئا سوى من خلال فاتن حمامة وزملائها.
بالصور ..مشوار فاتن حمامة من محمد عبد الوهاب لعبد الفتاح السيسي
حتى وهى ترحل تجد لك سببًا تحبه من أجلها، أرادت فاتن أن تذهب فى هدوء دون عزاء يأتى فيه من يتشحتف على الظهور أو من يثبت قربه من الفنانة القديرة، أرادت تشييعًا من نوع أخر هو تشييع قلوب محبيها فقط، تاركة لهم بابًا مفتوحًا على محبتها.
اقرأ أيضًا:
بوسي شلبي عن جنازة فاتن حمامة: ايه التهريج ده؟