محمد إسماعيل
أكاد أجزم بأن غالبية، وليس كل، النجوم التي لمعت في سماء القاهرة سياسيًا واقتصاديًا وفنيًا وأدبيًا ورياضيًا وصحفيًا جاءوا إلى العاصمة من مختلف قرى ونجوع وكفور المحروسة بلا استثناء تقريبًا، فمن يدفع تكلفة التجاهل الإعلامي لإنجازات وآمال وآلام الأقاليم؟ وأكاد أجزم بأن من لا يعرف مصر إلا من خلال وسائل الإعلام المختلفة قد يظن أنه لا يوجد في مصر سوى المشاهير، بصخبهم وجدلهم وأخبارهم التي يتناقلها الجميع بسرعة البرق، الأمر الذي يدعو إلى إعادة النظر في تعامل وسائل الإعلام المختلفة مع أخبار الأقاليم وإعادة توزيع الاهتمام الإعلامي بأسلوب عادل على كافة المناطق إن هو أراد أن يكون إعلام الناس؛ كل الناس، وليس إعلام النخب. ولا يخفى على أحد أن جهود التنمية والروح المعنوية الجمعية من بين أبرز العوامل التي يلحقها الضرر من مثل هذا التجاهل.
في طريقي من العاصمة إلى بسيون بمحافظة الغربية، أخذت أردد لنفسي ولمرافقي: “مصر ليست القاهرة الكبرى فقط، وليست الأسكندرية فحسب”. ذهبت إلى مركز بسيون لرغبتي في استطلاع حجم التطور الذي أحرزته قرية كُتَامة التابعة للمركز في مجال صناعة وتجارة الأثاث المنزلي لتحتل في غضون 20 سنة أو أكثر بقليل المرتبة الثانية على مستوى الجمهورية مباشرة بعد دمياط من حيث أهميتها في هذا القطاع بل ويعتبر البعض معارض قرية كتامة منافسًا حقيقيًا للأثاث الدمياطي الذي يتمتع بصيت وسمعة قديمة محليًا وإقليميًا، وهو قطاع صناعي واعد يحظى باهتمام رسمي معلن.
وحسب الموقع الإلكتروني للقرية – الذي تصفحته لأول مرة قبل نحو شهر عن طريق الصدفة البحتة – يمكنك أن تشاهد وتشتري وتفاضل هناك بين أكثر من 300,000 منتج بأسعار معقولة وقابلة للتفاوض منها على سبيل المثال لا الحصر: غرف النوم والسفرة والصالون والأنتريه بالإضافة إلى غرف الأطفال والشباب بموديلات عصرية وتصميمات معقولة؛ وقد تعاون أصحاب الورش والمعارض في إنشاء مجمع (مول) تجاري بالقرية يوفر الخامات والأقمشه والستاير ومستلزمات التنجيد.
في كتامة، نزلت في ضيافة “مصطفى عبد العال” صاحب أحد معارض الأثاث المودرن، وعلمت منه أنه قرر تأجيل زفافه سنتين ونصف حتى يؤمن لأسرته الجديدة دخلاً جيدًا وفضّل أن ينتهي أولاً من بناء وتجهيز معرضه الخاص على الشارع الرئيسي، كما أخبرني بأن القرية هي مسقط رأس الزعيم مصطفى كامل الذي كان من أكبر المناهضين للاستعمار وأعظم من نادوا بالنهضة وأهمية التعليم وفضح جرائم الاحتلال في مطلع القرن العشرين، حدثني عبد العال عن أبرز مشكلات القرية وفي مقدمتها تضجر بعض السكان من أنشطة وأعمال النجارة التي يتم تنفيذ معظمها أمام المنازل، ويطالب العاملون بالنجارة بإقامة منطقة صناعية خاصة بهم إلا أن هذا المطلب يصعب تحقيقه نظرًا لحرص الدولة على عدم المساس بالأراضي الزراعية ومن المعروف أن محافظة الغربية ليس لها ظهير صحراوي يمكن الاستفادة منه في تخصيص الأراضي لأغراض صناعية كما هو الحال في بعض المحافظات الأخرى. الصرف الصحي وعدم إتمام أعمال رصف الطرق أيضا يمثلان شكوى متكررة لأصحاب المعارض الذين يحرصون على الشكل العام لمناطقهم التي يأتي إليها الزبائن من محافظات الوجه البحري والوجه القبلي لشراء ما يحتاجون من الأثاث المنزلي وتتعقد هذه الشكوى بصفة خاصة خلال فصل الشتاء حيث تزيد مياه الأمطار الأمر سوءًا ويصعب إتمام عمليات البيع والشراء وسط الوحل الذي يكسو شوارع القرية.
وعلى الرغم من كونها قرية صغيرة لا يتجاوز عدد سكانها 50,000 نسمة، فإنها استطاعت أن تتفوق في مهنة حفر الأويما مما جعل بعض المعارض في دمياط تتعامل مع ورش كتامة المتخصصة في فن الأويما وتعتمد عليها في توريد كميات كبيرة منها، ويوجد بالقرية حوالي 1500 ورشة نجارة و750 معرض للأثاث والموبيليا، ويعمل بالنجارة والتجارة والمهن المساعدة أكثر من 15,000 شخص من مختلف الأعمار ويتم تصدير أثاث وموبيليات كتامة للخارج، خاصة محافظة بريدة في المملكة العربية السعودية.
لتصفح الموقع اتبع الرابط التالي
نرشح لك
[ads1]