لينا مظلوم تكتب: إعلام "بلاد الرافدين".. ولعنة الاستقطاب الطائفي

نقلًا عن البوابة

وسائل الإعلام -المقروء أو المرئي- فى أى دولة هى من أهم المؤشرات التى تعكس بدقة نتائج أى تحول يعصف بكل مكوناتها سواء ثقافيا أو سياسيا أو مجتمعيا بل حتى فى معتقداته الدينية.. وهو ما كثّف التركيز على دور الإعلام فى مصر بعد ثورتى 2011/2013 كاشفا أوجه القصور المهنى الذى غلب على أداء معظم القنوات الفضائية.. كتابات وآراء طرحت أبعاد أزمة الإعلام بل وضعت حلولا منطقية- ما زالت مجرد حبر على ورق- للخروج من حالة الفوضى خصوصا أن جميع الآفات التى أصابت الإعلام تندرج تحت عنوان رئيسى يجمع بين الأداء المهنى وسيطرة العامل الاقتصادى أو رأس المال.. تقلصت مهنة الإعداد إلى «ورقة» أرقام هواتف مكررة تدور بين أغلب مكاتب الفضائيات.. تصاعدت «عقدة النجومية» لدى أغلب الوجوه التى تظهر كل مساء على شاشاتها حتى اختفت الحدود الفاصلة بين السبق الإعلامى والفضائح السطحية.. تراجعت الحقائق الموضوعية على حساب الآراء الشخصية وتصفية الحسابات.. فى مقابل هذه «الحالة» كان السؤال الأكثر تكرارا علىَّ فى مصر منذ عام 2003 حتى الآن.. ما أهم التحولات التى حدثت للإعلام العراقى بعد الانتقال من الصوت الواحد إلى التعددية؟ هل عبّر «الانفجار الإعلامى الذى واكب صدمة الإطاحة بنظام صدام حسين عن واقع الحرية المأمول فى انتقال الإعلام من موضوع واحد يدور فى فلك شخصية واحدة إلى ظهور ما يتجاوز 90 قناة «فضائية – أرضية» وحوالى 200 مطبوعة صحفية.

رغم كل التحفظات على ٥٣ عاما من حكم صدام حسين فقد دعمت خطة عمل وزارة الإعلام العراقية بكل مهنية واحتراف منظومة الأمن المجتمعى وفق السياسة العامة التى كان ينفرد بتحديد خطوطها العريضة رئيس العراق فى وجود معارضة شكلية وانتقائية قامت بدورها مؤسسة «بابل» الإعلامية والغريب أنها كانت مملوكة وتدار من قبل عدى الابن الأكبر لصدام حسين! بالتالى لم تتجاوز أكثر من كونها شكلا مختلفا للنمط الإعلامى السائد آنذاك.. فى المقابل يجدر الذكر أن تاريخ الصحافة منذ أوائل الخمسينيات كان حافلا بالعديد من صحف المعارضة الصادرة عن الأحزاب الشيوعية والليبرالية أبرزها صحيفة «الرأى العام» التى أصدرها الشاعر الكبير محمد مهدى الجواهرى.. كما انعكس المد القومى الناصرى بعد ثورة 1952 على توجه الإعلام العراقى.

«ديمقراطية» الغزو الأمريكي! التى نشرت الفوضى على أرض العراق أطاحت بكل مصادر قوة وتأثير الإعلام العراقى لدعم حالة الأمن المجتمعى وتعزيز روابط الوحدة بين الطوائف المكونة لنسيج الشعب العراقى خصوصا مع تعرض البلد إلى زلزال تتدفق منه حتى الآن حمم الدعوات الطائفية والمطامع الإقليمية التى تصر على استعادة حلمها التاريخى فى السيطرة على العراق وتحويله إلى مجرد امتداد جغرافى لحدودها.

انزلق الإعلام من دوره كأهم الأركان الرئيسية فى الدعوة إلى الحفاظ على وحدة وتماسك الأمن المجتمعى العراقى خصوصا فى توقيت يستدعى مواجهة أخطر التحديات.. ليتجه نحو الولاء للحزب أو الطائفة.. تكفى الإشارة كدليل على أهمية دور الإعلام فى الحفاظ على وحدة المجتمع أنه بعد 2003 تزامن مع قرار بول بريمر -رئيس الإدارة المدنية آنذاك – حل الجيش العراقى قرار آخر بحل مؤسسة الإذاعة والتليفزيون العراقية العريقة التى كان دورها مؤثرا فى المشهد السياسى والاجتماعى ثم إغلاق نقابة الصحفيين وتشريد منتسبيها.. بعد الغزو الأمريكى اقتصرت موافقات منح التراخيص لوسائل الإعلام على شرط عدم التعرض للسياسة الأمريكية وأهدافها فى العراق بالإضافة إلى شروط أخرى مقيدة للعاملين بالإعلام والصحافة ما يستدعى إلى الذاكرة الأصوات «النشاز» التى تتباكى من واشنطن على حرية الإعلام فى مصر.. حالة الانقسام المجتمعى والسياسى بعد غزو العراق انتقلت بكل مظاهرها إلى شاشات قنوات فضائية أغلبها يخضع لسيطرة قادة أحزاب أو منظمات طائفية دخيلة على الإعلام العراقى.

بعد مرور ٣١ عاما تفاقم فشل وسائل الإعلام العراقية فى التعبير عن دورها كأحد أهم مكونات الديمقراطية.. وترصد بصدق الأوضاع المتردية والتحديات التى تعصف يوميا بالأمن المجتمعى وحالة الاستقطاب الطائفى المتزايدة نتيجة قرارات وسياسات خاطئة تبدو الحكومة مصرة على المضى فى انتهاجها.. انتقل دور الإعلام من خدمة قضايا الأمن المجتمعى على رأسها كارثة الفساد المتفشى التى أشعلت غضب الشارع العراقى فى مظاهرات أسبوعية وفقدان الأمن السياسى والنفسى والاقتصادى، وأزمات الخدمات العامة كالماء والكهرباء والصحة، ومأساة المهجرين من المدن التى تحررت من سيطرة تنظيم داعش.. لتصبح عبارة عن منابر تبث روح الكراهية والصراع الطائفى وتمزيق النسيج المجتمعى إذ وفقا لتقرير صدر مؤخرا هناك حوالى 30 قناة فضائية تحمل اسم العراق لكنها فعليا تخضع لإشراف مباشر من الحرس الثورى الإيرانى.

المرحلة التى انتقل إليها الإعلام بعد الغزو الأمريكى من إعلام موجه محتكر.. لكنه رغم ذلك التزم بمقومات دوره فى دعم الأمن السياسى والمجتمعى لم تتجه به نحو الحرية والحفاظ على تماسك وحدة العراق وشعبه إنما عكس كل مظاهر الفوضى والتخبط التى واكبت هذه الفترة وأفرزت نموذجا لانفلات إعلامى لم يحدث فى أى بلد عربى.. الأدهى أن المشهد الإعلامى بكل مظاهره الطائفية الصارخة واكبته حملة كبت وتكميم للأفواه واستهداف تمثل فى اغتيالات واعتقالات للصحفيين والإعلاميين المغردين خارج «السرب الإيرانى».. حاكمة.. بالتالى فقدت وسائل الإعلام العراقى المصداقية والثقة لدى المشاهد نتيجة غياب الرصد الموضوعى وتأجيج الصراعات الطائفية والتكتم على حقائق بشعة لصالح ميليشيات وأحزاب طائفية.

نرشح لك

[ads1]