ياسر أيوب يكتب : مصر‭ ‬التي‭ ‬كلها‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬

‬حين‭ ‬أذكر‭ ‬أمامك‭ ‬اسم‭ ‬مصر‭ ‬وأسكت‭.. ‬ تتخيل‭ ‬بمنتهى‭ ‬التلقائية‭ ‬والثقة‭ ‬أن‭ ‬المقصود‭ ‬بمصر‭ ‬هو‭ ‬الدولة‭ ‬أو‭ ‬الرئيس‭ ‬أو‭ ‬الحكومة‭.. ‬وليس‭ ‬هذا‭ ‬صحيحًا‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬أقصد‭ ‬بمصر‭ ‬هنا‭ ‬إلا‭ ‬كل‭ ‬أهلها‭.. ‬أنت‭ ‬وهى‭ ‬وهو‭ ‬وأنا‭.. ‬الملايين‭ ‬الذين‭ ‬تختلف‭ ‬ملامحهم‭ ‬وأسماؤهم‭ ‬ووظائفهم‭ ‬وطبقاتهم‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬ولا‭ ‬يتشابهون‭ ‬فى‭ ‬النهاية‭ ‬إلا‭ ‬فى‭ ‬أنهم‭ ‬كلهم‭ ‬مصريون‭.. ‬فالشارع‭ ‬هو‭ ‬صورتنا‭ ‬الحقيقية‭.. ‬

وفى‭ ‬الشارع‭ ‬تبقى‭ ‬حقائق‭ ‬وشواهد‭ ‬سلوكنا‭ ‬وأفكارنا‭ ‬وعاداتنا‭ ‬ونظامنا‭ ‬وتناقضاتنا‭ ‬وأسباب‭ ‬تخلفنا‭ ‬وهزائمنا‭ ‬المتتالية‭ ‬مهما‭ ‬تبجحنا‭ ‬بالحديث‭ ‬عن‭ ‬قوتنا‭ ‬وانتصارنا‭ ‬أو‭ ‬عراقتنا‭ ‬وحضارتنا‭ ‬وتاريخنا‭ ‬العظيم‭ ‬الذى‭ ‬كان‭.. ‬وأظن‭ ‬أننا‭ ‬لم‭ ‬نحاول‭ ‬أىَّ‭ ‬مرة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬رؤية‭ ‬أنفسنا‭ ‬فى‭ ‬الشارع‭ ‬وكأننا‭ ‬نشاهد‭ ‬فيلمًا‭ ‬سينمائيًا‭ ‬على‭ ‬شاشة‭ ‬ضخمة‭ ‬أمامنا‭ ‬حتى‭ ‬نجلس‭ ‬كلنا‭ ‬معًا‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬الفيلم‭ ‬نحكى‭ ‬عما‭ ‬شاهدناه‭ ‬وعن‭ ‬انطباعاتنا‭ ‬ومخاوفنا‭ ‬وصدمتنا‭ ‬وانزعاجنا‭.. ‬فنحن‭ ‬لا‭ ‬نتخيل‭ ‬دائمًا‭ ‬أن‭ ‬الحقيقة‭ ‬هى‭ ‬دائمًا‭ ‬ظاهرة‭ ‬وواضحة‭ ‬هناك‭ ‬فى‭ ‬الشارع‭.. ‬نحن‭ ‬طوال‭ ‬الوقت‭ ‬مجتمع‭ ‬قصير‭ ‬النظر‭ ‬يتخيّل‭ ‬أن‭ ‬السياسة‭ ‬هى‭ ‬مكتب‭ ‬الرئيس‭ ‬واجتماعاته‭ ‬ومكتب‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬ووزراؤه‭ ‬والمحافظات‭ ‬ومحافظوها‭.. ‬نتخيل‭ ‬الاقتصاد‭ ‬هو‭ ‬البنك‭ ‬المركزى‭ ‬ومكاتب‭ ‬الصرافة‭ ‬والزراعى‭ ‬هى‭ ‬وزارتها‭ ‬التى‭ ‬فى‭ ‬الدقى‭ ‬وصوامع‭ ‬القمح‭ ‬التى‭ ‬فى‭ ‬النيابة‭.. ‬نتخيّل‭ ‬الداخلية‭ ‬هى‭ ‬تأمين‭ ‬مباريات‭ ‬الكرة‭ ‬وأقسام‭ ‬الشرطة‭ ‬وجمعيات‭ ‬ومراكز‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭.. ‬نرى‭ ‬ونتخيل‭ ‬كل‭ ‬مؤسساتنا‭ ‬وهيئاتنا‭ ‬وأشيائنا‭ ‬على‭ ‬غير‭ ‬حقيقتها‭ ‬لأننا‭ ‬لا‭ ‬نراها‭ ‬من‭ ‬الشارع‭.. ‬بفكر‭ ‬الشارع‭ ‬ومنطقه‭ ‬وأحكامه‭ ‬وقواعده‭.‬

نرشح لكياسر أيوب يكتب: إسرائيل التى هزمتنا مرتين

الغلاف 7 ايام 187
غلاف العدد رقم 187 من مجلة 7 أيام

وإذا‭ ‬كانت‭ ‬دول‭ ‬أوروبا‭ ‬كلها‭ ‬تعرف‭ ‬أن‭ ‬الشارع‭ ‬هو‭ ‬صورتها‭ ‬الحقيقية‭ ‬التى‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تبقى‭ ‬دائمًا‭ ‬حاضرة‭ ‬وماثلة‭ ‬أمام‭ ‬الجميع‭.. ‬الذين‭ ‬يعيشون‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬بلد‭ ‬والذين‭ ‬يحكمونها‭ ‬والذين‭ ‬يزورونها‭ ‬أيضًا‭.. ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬جوليانى‭ ‬حين‭ ‬فاز‭ ‬بمنصب‭ ‬عمدة‭ ‬نيويورك‭ ‬قبل‭ ‬سنين‭ ‬طويلة‭ ‬وأراد‭ ‬تغيير‭ ‬صورة‭ ‬المدينة‭ ‬الأمريكية‭ ‬الجميلة‭ ‬من‭ ‬مدينة‭ ‬للقبح‭ ‬والخوف‭ ‬والجريمة‭ ‬إلى‭ ‬مدينة‭ ‬آمنة‭ ‬وراقية‭ ‬وقوية‭.. ‬بدأ‭ ‬بشوارع‭ ‬نيويورك‭ ‬لأنه‭ ‬اقتنع‭ ‬بأن‭ ‬الحكاية‭ ‬كلها‭ ‬فى‭ ‬الشارع‭.. ‬بدايتها‭ ‬ونهايتها‭ ‬ونجاحها‭ ‬أو‭ ‬فشلها‭ ‬فى‭ ‬الشارع‭ ‬وليس‭ ‬فى‭ ‬أى‭ ‬مكتب‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬شاشة‭ ‬تلفزيون‭.. ‬إلا‭ ‬أننا‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬بعد‭ ‬لم‭ ‬نقتنع‭ ‬بذلك‭ ‬ولم‭ ‬نرَ‭ ‬للشارع‭ ‬أى‭ ‬ضرورة‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬نبدأ‭ ‬أى‭ ‬حديث‭ ‬عن‭ ‬مصر‭ ‬وحاضرها‭ ‬وواقعها‭ ‬وأزماتها‭ ‬ومعاناتها‭ ‬وأحلامها‭.. ‬ولهذا‭ ‬رأيت‭ ‬أنه‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬مناسبًا‭.‬‭. ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬ضروريًا‭ ‬أيضًا‭.. ‬أن‭ ‬نشاهد‭ ‬كلنا‭ ‬معًا‭ ‬فيلم‭ ‬مصر‭ ‬فى‭ ‬الشارع‭.. ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نخرج‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬آراء‭ ‬وأفكار‭ ‬وأحكام‭ ‬وملاحظات‭ ‬بعد‭ ‬مشاهدة‭ ‬هذا‭ ‬الفيلم‭.‬

أولى‭ ‬تلك‭ ‬الملاحظات‭ ‬هى‭ ‬الفوضى‭.. ‬نحن‭ ‬شعب‭ ‬فوضوى‭.. ‬شعب‭ ‬يعشق‭ ‬الفوضى‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يعلن‭ ‬ذلك‭ ‬ويرفض‭ ‬ويكره‭ ‬ويحتقر‭ ‬أى‭ ‬نظام‭ ‬مهما‭ ‬ادعى‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭..‬‭ ‬وأرجوك‭ ‬اذهب‭ ‬وقف‭ ‬فى‭ ‬أى‭ ‬شارع‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬الحى‭ ‬راقيًا‭ ‬أو‭ ‬شعبيًا‭ ‬أو‭ ‬عشوائيًا‭.. ‬فى‭ ‬القاهرة‭ ‬القديمة‭ ‬والجديدة‭ ‬وأى‭ ‬مدينة‭ ‬أخرى‭.. ‬قف‭ ‬وتأمل‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الذى‭ ‬يجرى‭ ‬أمامك‭.. ‬لن‭ ‬تجد‭ ‬أى‭ ‬نظام‭.. ‬ستجد‭ ‬الذى‭ ‬يسير‭ ‬عكس‭ ‬الاتجاه‭ ‬والذى‭ ‬يسير‭ ‬فى‭ ‬الاتجاه‭ ‬الصحيح‭ ‬لكن‭ ‬بطريقة‭ ‬عشوائية‭ ‬والذى‭ ‬يقف‭ ‬بسيارته‭ ‬دون‭ ‬أى‭ ‬مكان‭ ‬للانتظار‭ ‬لأنه‭ ‬يريد‭ ‬شراء‭ ‬شىء‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬السرعة‭ ‬ولا‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬ترك‭ ‬سيارته‭ ‬دقائق‭ ‬قليلة‭ ‬سيؤذى‭ ‬أى‭ ‬أحد‭ ‬أو‭ ‬يتسبب‭ ‬فى‭ ‬أى‭ ‬مشكلة‭.. ‬ستجد‭ ‬الميكروباص‭ ‬الذى‭ ‬يتوقف‭ ‬فجأة‭ ‬لأنه‭ ‬لمح‭ ‬راكبًا‭ ‬من‭ ‬بعيد‭ ‬وسائق‭ ‬سيارة‭ ‬الأجرة‭ ‬الذى‭ ‬يريد‭ ‬السير‭ ‬ببطء‭ ‬فى‭ ‬انتظار‭ ‬أول‭ ‬زبون‭ ‬وفى‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬ترفض‭ ‬كرامته‭ ‬أن‭ ‬يسمح‭ ‬لأى‭ ‬سيارة‭ ‬أخرى‭ ‬بتجاوزه‭.. ‬ستجد‭ ‬كل‭ ‬شخص‭ ‬منح‭ ‬نفسه‭ ‬الأولوية‭ ‬فى‭ ‬المرور‭ ‬قبل‭ ‬غيره‭ ‬ويظن‭ ‬طوال‭ ‬الوقت‭ ‬أو‭ ‬طوال‭ ‬الطريق‭ ‬أن‭ ‬الآخرين‭ ‬هم‭ ‬الذين‭ ‬على‭ ‬خطأ‭ ‬وهم‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬ولا‭ ‬يفهمون‭.. ‬وهناك‭ ‬دائمًا‭ ‬إشارة‭ ‬مرور‭ ‬أود‭ ‬التوقف‭ ‬أمامها‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬التأمل‭ ‬هى‭ ‬تقاطع‭ ‬شارع‭ ‬عبدالخالق‭ ‬ثروت‭ ‬مع‭ ‬شارع‭ ‬طلعت‭ ‬حرب‭.. ‬فالسيارات‭ ‬بدأت‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تحاول‭ ‬احترام‭ ‬إشارات‭ ‬المرور‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬باتت‭ ‬أوتوماتيكية‭ ‬مزودة‭ ‬بكاميرات‭ ‬تصوير‭ ‬للسيارات‭ ‬المخالفة‭.. ‬لكن‭ ‬المشاة‭ ‬لا‭ ‬يزالون‭ ‬يرفضون‭ ‬هذا‭ ‬الاختراع‭ ‬الجديد‭.. ‬ويرون‭ ‬أن‭ ‬الشارع‭ ‬من‭ ‬حقهم‭ ‬قبل‭ ‬غيرهم‭.. ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬قانون‭ ‬مصرى‭ ‬دائم‭ ‬ينص‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬فى‭ ‬حالة‭ ‬الخلاف‭ ‬بين‭ ‬قائد‭ ‬سيارة‭ ‬وأحد‭ ‬المشاة‭ ‬فقائد‭ ‬السيارة‭ ‬هو‭ ‬المخطئ‭ ‬بالتأكيد‭.. ‬تمامًا‭ ‬مثل‭ ‬قانون‭ ‬آخر‭ ‬غير‭ ‬مكتوب‭ ‬ينص‭ ‬على‭ ‬الأغنى‭ ‬هو‭ ‬بالضرورة‭ ‬الأقل‭ ‬إنسانية‭ ‬والأكثر‭ ‬عدوانية‭ ‬من‭ ‬الإنسان‭ ‬أقل‭ ‬منه‭ ‬اقتصاديًا‭.. ‬وقوانين‭ ‬أخرى‭ ‬كثيرة‭ ‬وصور‭ ‬أخرى‭ ‬كلها‭ ‬تعكس‭ ‬وتؤكد‭ ‬بوضوح‭ ‬قمة‭ ‬الفوضى‭ ‬التى‭ ‬فى‭ ‬شوارعنا‭ ‬نتيجة‭ ‬الفوضى‭ ‬التى‭ ‬فى‭ ‬حياتنا‭.. ‬وإذا‭ ‬أردنا‭ ‬مواجهة‭ ‬هذه‭ ‬الفوضى‭ ‬فى‭ ‬حياتنا‭ ‬فلابد‭ ‬من‭ ‬مواجهتها‭ ‬فى‭ ‬الشارع‭ ‬أولاً‭.. ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذى‭ ‬أبدًا‭ ‬لم‭ ‬نحاوله‭ ‬من‭ ‬قبل‭.. ‬دائمًا‭ ‬نبدأ‭ ‬من‭ ‬آخر‭ ‬مكان‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬الشارع‭ ‬فنفشل‭ ‬ونعجز‭ ‬عن‭ ‬إتمام‭ ‬أى‭ ‬محاولة‭ ‬لتبقى‭ ‬الفوضى‭ ‬سائدة‭ ‬ودائمة‭.‬

نرشح لك –  ياسر أيوب يكتب :المجتمع المصري الذي أبدا لن يتغير

صورة‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬الشارع‭ ‬أيضًا‭ ‬يمكن‭ ‬التقاطها‭ ‬من‭ ‬فوق‭ ‬كوبرى‭ ‬أكتوبر‭ ‬الشهير‭.. ‬نحن‭ ‬بنينا‭ ‬هذا‭ ‬الكوبرى‭ ‬قبل‭ ‬سنين‭ ‬طويلة‭ ‬لمواجهة‭ ‬زحام‭ ‬القاهرة‭ ‬وبالتأكيد‭ ‬كانت‭ ‬خطوة‭ ‬رائعة‭ ‬وضرورية‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬تصور‭ ‬شوارع‭ ‬القاهرة‭ ‬بدون‭ ‬اكتمال‭ ‬هذا‭ ‬الكوبرى‭.. ‬والمشكلة‭ ‬الآن‭ ‬هى‭ ‬تحول‭ ‬هذا‭ ‬الكوبرى‭ ‬إلى‭ ‬محنة‭ ‬يومية‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬يستخدمه‭.. ‬فالزحام‭ ‬لا‭ ‬ينتهى‭ ‬وزحف‭ ‬السيارات‭ ‬فوقه‭ ‬يحيلها‭ ‬إلى‭ ‬ديناصورات‭ ‬شديدة‭ ‬البطء‭ ‬عاجزة‭ ‬عن‭ ‬الجرى‭ ‬إنما‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬تواصل‭ ‬زحفها‭ ‬حتى‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬تريده‭.. ‬والتبرير‭ ‬الطبيعى‭ ‬الجاهز‭ ‬دائمًا‭ ‬هو‭ ‬الزحام‭ ‬وعدد‭ ‬السيارات‭ ‬الذى‭ ‬يزيد‭ ‬عامًا‭ ‬وراء‭ ‬آخر‭.. ‬وهو‭ ‬سبب‭ ‬حقيقى‭ ‬بالتأكيد‭.. ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬ينتبه‭ ‬إلى‭ ‬الخطأ‭ ‬الفادح‭ ‬فى‭ ‬تصميم‭ ‬هذا‭ ‬الكوبرى‭ ‬عبر‭ ‬مراحله‭ ‬المختلفة‭.. ‬فأى‭ ‬كوبرى‭ ‬علوى‭ ‬أو‭ ‬نفق‭ ‬تحت‭ ‬الأرض‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬اتساعه‭ ‬وعدد‭ ‬حاراته‭ ‬واحدًا‭ ‬منذ‭ ‬بدايته‭ ‬حتى‭ ‬نهايته‭.. ‬حقيقة‭ ‬بديهية‭ ‬بسيطة‭ ‬يسهل‭ ‬ملاحظتها‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬كبارى‭ ‬وأنفاق‭ ‬العالم‭ ‬حولنا‭.. ‬أما‭ ‬كوبرى‭ ‬أكتوبر‭ ‬فقد‭ ‬بنيناه‭ ‬حسب‭ ‬الظروف‭ ‬والفراغات‭ ‬المتوافرة‭.. ‬يتسع‭ ‬الكوبرى‭ ‬حين‭ ‬تسمح‭ ‬الشوارع‭ ‬أسفله‭ ‬أو‭ ‬المبانى‭ ‬حوله‭ ‬بذلك‭ ‬ويضيق‭ ‬حين‭ ‬لا‭ ‬تسمع‭.. ‬وبالتالى‭ ‬تتكدس‭ ‬فوقه‭ ‬السيارات‭ ‬وتجد‭ ‬الناس‭ ‬فيها‭ ‬حين‭ ‬يصلون‭ ‬لنقطة‭ ‬الانفراج‭ ‬يتعجبون‭ ‬من‭ ‬الزحام‭ ‬والتوقف‭ ‬الطويل‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬حادثة‭ ‬هناك‭ ‬أو‭ ‬إصلاحات‭ ‬كانت‭ ‬تعيق‭ ‬المرور‭.. ‬ولا‭ ‬يعرف‭ ‬هؤلاء‭ ‬أن‭ ‬المشكلة‭ ‬كانت‭ ‬فى‭ ‬التصميم‭ ‬أصلاً‭.. ‬تمامًا‭ ‬مثل‭ ‬كوبرى‭ ‬15‭ ‬مايو‭ ‬حين‭ ‬يضيق‭ ‬فى‭ ‬بداية‭ ‬الزمالك‭ ‬من‭ ‬ثمانى‭ ‬حارات‭ ‬إلى‭ ‬حارتين‭ ‬فقط‭ ‬فيصبح‭ ‬من‭ ‬الطبيعى‭ ‬أن‭ ‬تضطر‭ ‬أى‭ ‬سيارة‭ ‬للانتظار‭ ‬ساعة‭ ‬أو‭ ‬ساعتين‭ ‬لتعبر‭ ‬هذه‭ ‬النقطة‭ ‬الخانقة‭.. ‬ثم‭ ‬جئنا‭ ‬نحن‭ ‬ووضعنا‭ ‬بصمتنا‭ ‬الخاصة‭ ‬فقررنا‭ ‬تخصيص‭ ‬حارة‭ ‬من‭ ‬الحارتين‭ ‬الباقيتين‭ ‬للمرور‭ ‬وأحلناها‭ ‬إلى‭ ‬موقف‭ ‬دائم‭ ‬لسيارات‭ ‬الميكروباص‭.. ‬ونبقى‭ ‬نردد‭ ‬الشكاوى‭ ‬وصرخاتنا‭ ‬من‭ ‬الزحام‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬نعرف‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬مشكلتنا‭ ‬نحن‭ ‬حين‭ ‬بدأنا‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭.. ‬وهو‭ ‬درس‭ ‬يمكن‭ ‬تعلمه‭ ‬من‭ ‬الشارع‭ ‬حين‭ ‬نبدأ‭ ‬أى‭ ‬مشروع‭ ‬آخر‭ ‬جديد‭.. ‬فنبدأ‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬الجديد‭ ‬وفقًا‭ ‬لما‭ ‬هو‭ ‬متوافر‭ ‬ومتاح‭ ‬وحسب‭ ‬الظروف‭ ‬والأهواء‭ ‬دون‭ ‬أى‭ ‬دراسات‭ ‬حقيقية‭ ‬وعلمية‭ ‬ودون‭ ‬أى‭ ‬تخطيط‭ ‬ثم‭ ‬ندفع‭ ‬كلنا‭ ‬فيما‭ ‬بعد‭ ‬ثمن‭ ‬هذه‭ ‬الفوضى‭ ‬والارتجالية‭.‬

صورة‭ ‬أخرى‭.. ‬فى‭ ‬الشارع‭ ‬أيضًا‭.. ‬تعكس‭ ‬فوضويتنا‭ ‬وعشوائيتنا‭.. ‬لافتات‭ ‬الأطباء‭ ‬والمحامين‭.. ‬إشغالات‭ ‬الطرق‭.. ‬بلطجة‭ ‬الانتظار‭ ‬وحجز‭ ‬أماكن‭ ‬للسيارات‭.. ‬تحويل‭ ‬الأرصفة‭ ‬إلى‭ ‬أسواق‭ ‬للبيع‭ ‬والشراء‭.. ‬القذارة‭ ‬والمهملات‭ ‬الملقاة‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬مهما‭ ‬تكن‭ ‬مكانته‭ ‬الاقتصادية‭.. ‬وكلها‭ ‬أفعال‭ ‬يبررها‭ ‬أصحابها‭ ‬ويقبل‭ ‬بها‭ ‬الآخرون‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬الاعتياد‭ ‬أو‭ ‬الإدعاء‭ ‬بأنه‭ ‬لا‭ ‬ضرر‭ ‬منها‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬الإشفاق‭ ‬على‭ ‬الآخرين‭ ‬وتفهم‭ ‬أوضاعهم‭ ‬الظالمة‭.. ‬والنتيجة‭ ‬هى‭ ‬الفوضى‭ ‬الكاملة‭.. ‬القبح‭ ‬الكامل‭.. ‬وإذا‭ ‬أراد‭ ‬أحد‭ ‬اليوم‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬تغيير‭ ‬مصر‭ ‬وصورتها‭ ‬وواقعها‭ ‬ولم‭ ‬يبدأ‭ ‬من‭ ‬الشارع‭.. ‬فتأكدوا‭ ‬أنها‭ ‬مثل‭ ‬كل‭ ‬المحاولات‭ ‬الكثيرة‭ ‬السابقة‭.. ‬لن‭ ‬تنجح‭ ‬ولن‭ ‬تكتمل‭.. ‬ويبدو‭ ‬أننا‭ ‬كلنا‭ ‬فى‭ ‬النهاية‭ ‬أصبحنا‭ ‬نريد‭ ‬ذلك‭ ‬ونستمتع‭ ‬به‭ ‬أيضًا‭.‬

نرشح لك – ياسر أيوب يكتب: أزمة رمضان صبحي ومدحت شلبي