أصدر الدكتور يوسف زيدان بيانًا يرد من خلاله على الاتهامات التي وجهت له بازداء “تاريخ الجزيرة العربية”، واللغة العربية، وذلك بعد تداول رواد موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» مقطع فيديو يهاجم فيه الروائي يوسف زيدان ، سكان المملكة والجزيرة العربية ضمن محاضرة خلال حضوره مهرجان اختتام مهرجان «ثويزا» بمدينة طنجة، في المغرب، حيث وصفهم بـ «سراق إبل»، إذ يقول: «ينظر للجزيرة تاريخيا بأنهم سراق إبل، وعمر هذه المنطقة ما كان فيها حضارة»، وقال زيدان إن «الحواضر العربية هي فاس والقرويين ودمشق وبغداد».
وجاء نص البيان كالتالي:
“الضجة المفتعلة المثارة ضدي في بعض دول الخليج، خصوصاً السعودية ، ناشئة عن سوء فهم او سوء قصد . . و قد وجد فيها نفر من الإعلاميين فرصة لنفث سموم الكراهية التي تعتمل بصدورهم ، أو مناسبة لشدّ الأنظار إليهم . و عموماً ، فإن بيان الأمر كالتالي :
كنت قد قلت في لقاء مع قرائي بالمغرب، أن الثقافة العربية نتاجٌ لأعراقٍ و جماعات كثيرة، و ان اللغة العربية هي السمة الأولى التي تحدّد شخصيتنا الحضارية، فسألني أحد الحاضرين عن أصل اللغة العربية، فأوضحتُ له ما ذكرته في كثير من مؤلفاتي ( و ذكره كثيرون من كبار الباحثين ) أن اليمن هي أصل العرب، و بعد انهيار سد مأرب في حدود سنة ألف قبل الميلاد، انتقلت قبائل عربية إلى منطقة الشام و العراق، و عاشوا هناك . قال لي احدهم : اللغة العربية نشأت في قلب الجزيرة ، فقلت له : لا ، قلب الجزيرة قبل الإسلام لم يكن يسكنها إلا عدد قليل، يتقاتلون فيما بينهم و يُنظر إليهم باعتبارهم : سُراق إبل ( راجع ، يوليوس فلهوزن : أحزاب المعارضة السياسية في فجر الإسلام ، الخوارج و الشيعة . ترجمة د . عبد الرحمن بدوي )
و أضفتُ ، أن ذلك لا يعيب مواطني المملكة السعودية اليوم ، و بالعكس : السعودية هي ثاني أكثر بلد عربي قارئ لمؤلفاتي ، بعد مصر ، و أنني أعتزُّ كثيراً بأهلنا هناك ( قلت ذلك بالحرف )
وفجأة، تم اقتطاع جزء من كلامي و إهمال الجزء الآخر، و نُشر الموضوع المفبرك تحت عناوين مستفزة لتهييج الناس ضدي بلا داع ، بل و كذب بعضهم فجعل كلامي هجوماً علي “دول الخليج” عموما . . و لا أدري دافعهم لذلك ، أو أدري و لا اريد إعلانه حفاظاً علي ما بقي فيهم من انسانية .
المهم الآن، أن العبارة المجتزئة من كلامي، لتشويهه، كان الكلام فيها عن قبائل “قلب”الجزيرة “قبل” ظهور الإسلام، و هي منطقة لم يخرج منها عالمٌ واحد من علماء اللغة العربية في تراثنا القديم . و ليس هناك أصلا ما يدعوني للهجوم علي أي دولة عربية ، خليجية أو غير خليجية . و صحيحٌ أنني أتجنّب التعامل مع السياسيين و أصحاب السلطة هناك، وهنا، لكنني دائم التفاعل مع أهلنا في الخليج و مع الجهات الثقافية، ولهم عندي مكانة خاصة . فمن الخليج ( الإمارات ) أعلن فوزي بالإجماع بالجائزة العالمية للرواية العربية “البوكر” و صدرت لي كتب كثيرة ، منها موسوعة الشامل “ثلاثون جزءاً ” عن المجمع الثقافي بأبو ظبي . و من الخليج ( الكويت ) فزتُ مرتين بجائزة مؤسسة الكويت للتقدُّم العلمي ، و ألقيتُ ما لا حصر له من محاضرات ، و صدرت مجموعتي القصصية “حل و ترحال” و ستصدر الشهر القادم مجموعتي القصصية الثانية “فوات الوفيات” . . وفي بلدان الخليج كلها ألقيت المحاضرات و التقيت بالقراء و الأحبة طيلة السنوات الماضية . فما الذي سيدعوني للهجوم ، حسبما يزعمون ، علي دول الخليج .
و لخبث مقصد هؤلاء الإعلاميين ، غير المسؤولين ، جمعوا في هجمتهم عليّ بين كثير من الآراء و الأفكار التي طرحتها موخراً ، مما يصعب علي العوام قبوله لأول وهلة ، لتهييج الرأي العام ضدي ، و اتهامي بأنني أميل إلى اليهود ! و احتقر الثقافة العربية و التراث ! و استهين بنا يسمونه المقدسات الدينية ! يعني جمعوا كل المثالب ، و عكسوا مواقفي بالكامل ، ليضمنوا إثارة الناس الذين لا فرصة أمامهم كي يدقّقوا و يفحصوا كل اتهام علي حدة . . و هي حيلة حقيرة .
وأخيراً يقولون إنني جاهل بالثقافة العربية ! . . فكيف إذن أنجزت أعمالي و نشرت الثمانية و الستين و أغلبها تراثي . و يقولون إنني أجهل طبيعة الحياة قديماً في الجزيرة العربية ! . . فكيف كتبتُ “النبطي” و لماذا لم يكتبوا مثلها ماداموا هم العالمون . و يقولون إن رواية عزازيل ماخوذة من قصة وعظية كتبها قسيس إنجليزي منذ ماية و خمسين سنة ! . . فكيف غاب ذلك عن قراء الرواية في خمس و عشرين لغة تُرجمت إليها ، و كيف فازت بجائزتين كبيرتين في إنجلترا ، بلد الإنجليز . أم تراهم يعرفون عن الأدب الإنجليزي أكثر مما يعرف اهله.
أقول إجمالاً : لن تعوقني هذه الترهات عن استكمال طريقي للارتقاء باللغة و الثقافة العربية في هذا المنحني الحرج و هذه المرحلة التاريخية الصعبة التي نمرُّ بها جميعا . . و معروفٌ أن الزبد يذهب جُفاءً ، و لا يمكث في الأرض إلا ما ينفع الناس”.