فقدت مصر ولا سيما العالم العربي إحدى أهم فنانات السينما على الإطلاق، الفنانة القديرة فاتن حمامة، وذلك بعد رحلة عطاء طويلة استمرت لأكثر من ستين عام، قدمت من خلالها أدوار حفرت اسمها وسط مبدعي هذا الوطن عبر تاريخه الطويل، فقد كان مجرد وجودها هناك، بعيدًا، معتزلة العالم، كفيلًا ليطمئن الملايين، هذا الوجود الذي يعطي المعنى للحياة، هذه الأنثى المهذبة والسيدة الوقورة .
بمجرد ما علمت بخبر الوفاة “ولم يكن مؤكدا وقتها”، اتجهت بصحبة الصديقة ماجي أنور، والتي كانت آخر شخص قابلها، واستطاعت الحصول منها قبل وفاتها بأقل من 24 ساعة على بعض الكلمات بالصوت والصورة، لتذاع في افتتاح مهرجان المنصور للأفلام القصيرة بعد أيام، وكان المنزل هادئًا، كل قطعة في مكانها، حالة حزن عامة سيطرت على الأجواء، وخاب ظني في أن أجد هناك بعض الشخصيات، سواء من داخل الوسط الفني أو خارجه، وعلمت أنها كانت في النادي صباحا، جلست في الشمس لبعض الوقت، وكأنها تودع الحياة، وبعدها عادت إلى البيت, وتناولت الغداء قبل أن تشعر ببعض التعب، توفت على إثره في منتهى الهدوء ودون مقدمات .
دارت بيننا عديد الحوارات والمناقشات على مدار الثلاث سنوات الأخيرة، لم يتخللها إلا لقاء واحد، كانت وقتها بصحبة زوجها المحترم د.محمد عبد الوهاب، وعبرت لها فيه عن عشق وفخري بالحديث معها، ومدى تقديري لهذه الميزة التي اختصتني بها دون غيري، وكنت أفرق جيدا في حقيقة الأمر بين كل ما يدور بيننا من حديث خاص تختتمه بجملتها المكررة “الكلام ده مش للنشر” وبين ما يمكن نقله وصياغته بقلم دقيق، يحاول أن يختار الألفاظ ويحرص ألا يضايقها، أو يذهب حيث لم تتمنى أو تشعر بالراحة.
من بين أبرز هذه المناقشات، عندما سألتها حول حفيدها، الذي نهشته وسائل التواصل الاجتماعي قبل فترة، على خلفية ميوله الجنسية الشادة، ولم أجد منها إلا رفضا للتحدث في هذا الأمر برمته، بل وطلبت مني ألا يصبح اسمها داخل أحد التصريحات الصحفية أو الأخبار الخاصة بهذا الموضوع .
سيدة الشاشة كانت تتسائل دوما حول مدى تذكر الناس لها ولأعمالها، وهل يشعر البعض حقا بأنها قدمت شيئا يستحق التقدير, لم تكن “رحمها الله” ترحب بالمدح المتكلف، وكانت لا تكمل أي مقال نقدي بالغ كاتبه في وصفها بعبارات رنانة، بخلاف انزعاجها في الفترة الأخيرة من بعض الأخبار التي كانت تنشر عنها مصحوبة بصور وهي فى مرحلة الشيخوخة .
أخيرا.. أستطيع أن أجزم أن مجرد ذكر اسم الفنان عمر الشريف أمامها كان كفيلا بأن يتجه بالحالة المزاجية لها إلى الأسوأ، و لم يحدث أنني ضبطها ولو مرة تتحدث عنه بشكل لا يخلو من التحفظ .
اقرأ أيضًا:
نهى سعد: لماذا أحب فاتن حمامة؟
28 معلومة عن فاتن حمامة من الميلاد إلى الوفاة