في العامين الماضيين ) 2014 – 2015) كانت أحلام الكتابة الدرامية تعصف برأسي، كنت أعلم يقيناً أن علاقاتي الباهتة بسوق الدراما المصرية (شركات الانتاج – الممثلين – الكتاب – المخرجين.. الخ) ستؤثر حتماً على تحقيق الحلم، بيد أنني كنت أحاول أن أعتمد على قدراتي ككاتب يظن في نفسه بعض الإمكانات التي تؤهله لكتابة عمل درامي متماسك.
وكان أن اجتهدت برفقة صديق مقرب للغاية، له علاقات متشابكة ومتشعبة بهذا السوق الواسع، وكتبت بمساعدة إرشاداته عدد لا بأس به من المعالجات لمسلسلات وأفلام مختلفة كان مصيرها المحتوم أن تقبع داخل (شركة الدرج للإنتاج الفني)، حيث لا أحد يهتم بكاتب بلا سابقة أعمال، ولا أحد يستمع إلى أفكار -أحسبها طازجة- فالكل يريد اللعب داخل المساحات المضمونة، ولا يمكن لأي شخص أن يخطو خطوة بدون اللجوء إلى بطل العمل لاستشارته في (الورق).
نحن هنا نتحدث عن ملايين الجنيهات يتم إنفاقها سنوياً، تدفعها شركات الإنتاج للنجوم، الذين يحددون بدقة طلباتهم في السيناريو، وباتت مسألة تدخلهم في كافة تفاصيل التحضير للأعمال الدرامية، أمراً بديهياً.. للأسف.
أشرف أبو الخير يكتب: وفاة التلفزيون (3).. كبريت 45
وحين شفاني الله من متلازمة الركض خلف الأحلام، صرت أكثر قدرة على التأمل في الوقائع التي نعيشها بلا توقف منذ منتصف التسعينيات وحتى الآن، فالإبداع يتقلص ويتقلص، حتى أصبحت مصادفتنا لعمل درامي (سينمائي أو تلفزيوني) ممتاز، أشبه بالمعجزة.. أصبح روتيناً مملاً أن نشاهد عدداً ضخماً من الأفلام والمسلسلات كل عام، تتركز في مواسم بعينها، تدور حول الموضوعات نفسها، يسرق بعض مبدعيها الكثير من خطوطها الدرامية ولقطاتها و طريقة صياغتها بصرياً وموسيقاها، وحتى جملها الحوارية، من أفلام أجنبية… إلى أن ظهرت المنصة الأشهر على الإطلاق YouTube.
ومن هذه المنصة، وبمرور الوقت صرنا أكثر قدرة على إعادة تقييم التجارب الفنية والإبداعية المختلفة، صرنا نشاهد كل الجديد، ونلاحق من خلال القنوات المختلفة على هذه المنصة كل ما يمكننا اللحاق به من كل ما هو قديم.. فصارت المقارنة واضحة كالشمس، ثم بدأت المنافسة بين الجميع في الاشتعال، وحين تحولت منصات التواصل الاجتماعي إلى جزءاً من الحياة اليومية للجميع، اختلف ذوق المتلقي تماماً، وصار وحده ينبذ الغث ويبحث باجتهاد عن السمين، مبتعداً عن الركاكة والسلق والسرقة، أكثر انفتاحاً على الثقافات المختلفة، أكثر قدرة على التذوق.. وصار لزاماً على الصناع أن يجيدوا صنعتهم وإلا قتلتهم مقصلة الجودة وذهبت بهم إلى غير رجعة.
المدهش حقاُ بالنسبة إلي أن المهنة الرئيسية لكل صناع الفن والإعلام صارت ضبابية، فمهنتهم الواضحة هي إعادة تدوير كافة أشكال التسلية، المطلوب منهم منذ الأزل هو فقط تسلية المتلقين وإثراء مواطن الشعور داخلهم، فيأخذ (الزبون) ما يريده، ويستمر (الصانع) في مهنته… ضاعت تلك القاعدة وسط ضجيج غير مسبوق من فقر الخيال، والتحذلق، والاستسهال، رفض معظمهم أن يسلي الزبون باحترافية، فتركهم الزبون وبدأ في متابعة الجديد والمسلي و المدهش من كل مكان بالعالم، وأخيراً بدأ البعض في الاستفاقة، فقبل عامين فقط بدأت شركات الانتاج تنتبه إلى أهمية الترويج والتسويق لمنتجاتهم من برامج ومسلسلات وأفلام وحتى المسرحيات عبر منصات التواصل الاجتماعي، وبدأ سوق كامل في النهوض، فوجدنا الحال يتغير، الزبون يهرب إلى السوشال ميديا ليقرأ ملخصات الأعمال و يشاهد الحلقات مختصرة، يبحث بشغف عن أهم مقاطع الفيديو في كل سلعة يريدها، صار الزبون يبحث عن الخلاصة.. هارباً من الإعلانات والتنظير والسخافات، وصارت الدعاية على السوشال ميديا تتحكم تماماً في مزاجه ورغبته في متابعة العمل من عدمه.
سادتي، اتبعوا العالم، كفوا عن تقديم دراما طويلة، برامج مليئة بالحشو، كوميديا مكررة، ممثلين يبالغون في أدائهم، مذيعين بلا طعم، نقاشات متكررة، فقط قوموا بعملكم، ابحثوا حول العالم عن كل ما هو مسلي، وأعيدوا تقديمه.. وهنا لن يفلت منكم المتلقي أبداً.
لكم المودة بلا حدود.