– 30 يناير 1948، العالم يستيقظ على فاجعة، قتل هندوسي متعصب أحد أكثر رجال العالم الحديث سلاما، قتل الشاب الهندي ناتورام جودز، الهندوسي المتزمت دينيا، غاندي. أمام القضاء، رفض القاتل المتدين طلب الرحمة من المحكمة، اعتبر أن قتله لـ غاندي عملا إلهيا، لأن غاندي خان الهندوس وخان الإله راما بموافقته على تقسيم شبه الجزيرة الهندية لدولتين، إحداهما علمانية، هي الهند، والأخرى إسلامية، هي باكستان. ذهب المتطرف إلى حبل المشنقة وهو يُغني: (للوطن الباقي.. أرض الهندوس).
– 4 نوفمبر 1995، الشاب الإسرائيلي إيجال عامير، الطالب بجامعة باراسلان الدينية، وهو يهودي متعصب، أحد أعضاء جماعة إيال المتطرفة، يقتل رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين. وقف عامير أمام المحكمة، وأعلن أمام القضاة أنه فعل ذلك تنفيذا للشريعة اليهودية والتوراة، التي تأمرنا بقتل العدو، وإسحاق رابين عدوا، لأنه خان اليهودية بتوقيعه اتفاقيات السلام مع الفلسطينيين. قال عامير بكل فخر: (أمرني الله بذلك.. ولست نادما).
– 6 أكتوبر 1981، خالد الإسلامبولي، ضابط عامل باللواء 333 مدفعية، وعبد الحميد عبد السلام، وهو ضابط سابق بالدفاع الجوي ويعمل في الأعمال الحرة، وعطا طايل، وهو ملازم أول مهندس احتياط، وحسين عباس وهو رقيب متطوع بالدفاع الشعبي، يقتلون الرئيس المصري محمد أنور السادات أثناء العرض العسكري احتفالا بانتصارات الجيش المصري في أكتوبر في معركة التحرير الوطني لسيناء من الاحتلال الإسرائيلي. كان الجناة ينتمون تنظيميا لعدة جماعات إسلامية، أبرزهم تنظيم الجهاد، وتنظيم الجماعة الإسلامية، وهي جماعات تتلمذ مؤسسوها على يد سيد قطب، وخرجوا من رحم تنظيم الإخوان المسلمين. أثناء التحقيقات قال الإسلامبولي إنه قتل السادات جهادا في سبيل الله، وأرجع ذلك إلى إهانة السادات للعلماء في آخر خطبه، ورميهم في السجن، إضافة إلى زيارة السادات لإسرائيل، وإبرامه معاهدة السلام، التي اعتبرتها الجماعات الإسلامية ردة وخيانة. أمام المحكمة العسكرية، صرخ خالد الإسلامبولي قائلا: (السادات كافر، لأنه والى اليهود الكفار، ووقع معهم اتفاقية سلام، ومن يوالي الكفار فهو مثلهم، كافر.. قتلت هذا الكافر ولست نادما، إنه جهاد في سبيل الله).
العقلية الأصولية واحدة في كافة الديانات، هذه العقلية، ترفض السلام، ترفض الآخر، ترفض التعايش المشترك، ترفض السلام الاجتماعي. هذه العقلية تتغذى على الجهل لتنشر التطرف الديني والتعصب. التكفير والتخوين هو سلاحها لتنفيذ القتل في معارضيها، من دعاة السلام والتعايش المشترك من العلمانيين والليبراليين الذين ينتمون لنفس العقيدة الدينية. هذه ثلاثة أمثلة لثلاث حالات اغتيال، قام بها المتزمتون والمتعصبون، المتدينون الهندوس واليهود والمسلمون، ضد سياسيين علمانيين ينتمون إلى الهندوسية واليهودية والإسلام، لأنهم تجرأوا وحاولوا قتل الأصولية الدينية والتطرف عبر إحلال السلام كجسر للتعايش المشترك بين الناس، بصرف النظر عن اختلافاتهم الدينية والعقدية والجنسية!
لعل أبرز العوامل المشتركة بين هؤلاء القتلة الثلاث هو انتمائهم لجماعات منظمة، تراخت الدول الثلاث في مواجهتها، وتركتهم على اعتبار أنهم حفنة من المجانين.. تركوهم، حتى استطاع المجنون الوصول إلى السلاح، فقام بعمل منظم، محكم التخطيط، ونفذ جريمة الإغتيال بحق المعارضين، الذين في هذه الحالة يُصبحون كفارا، مرتدين، خارجين على الدين!
هذه الحالات الثلاث اهداء لدعاة التعايش مع العقليات القروسطية الأصولية، التي تؤمن بالحق المطلق.. الذين يروجون لدمج هؤلاء في أي عمل سياسي. هل قرأتم تاريخ الأصوليات الدينية!
إما أنكم قرأتموه فتتآمرون علينا وتريدون صلبنا على مقاصل هؤلاء الأصوليين الدينيين، أو أنكم تجهلون تاريخ هذه الحركات الدينية، وهنا تُصبح المصيبة أعظم، فليس أسوأ من أن يتحكم في حياتنا الجهلة والسفهاء، وليس أفظع من أن تُصبح مصائرنا بيد حفنة من الدهماء والحشرات!
اللهم لا تُحكم فينا الجهلة والسفاء، ولا تجعل مصائرنا بيد الدهماء والحشرات.