نسمة سمير
أزاح ستارة المسرح، مطلًا برأسه المتناثر شعر مقدمتها ، ثم بدأ يخرج تدريجيا إلى المسرح وهو يرتدي الجبة والقفطان يبدو أنه من الأعيان ويرتدى دبلة بيده اليمنى، مصيحًا “عظمة على عظمة ياست”.
هو عم سعيد الطحان، أحد أعيان طنطا، عرف بمجنون الست، رافقت جملته الشهيرة “عظمة على عظمة ياست” أغلب حفلات كوكب الشرق أم كلثوم سنوات طويلة، يتبع الست فى كل سهرة وحفلة، يجلس على المقاعد الأمامية مهما كانت تكلفة التذكرة، واضعا يده اليمنى على خده الأيمن وعيناه تشع إعجاب وحب هائما فى حب الست.
كان الطحان غارقًا فى البحث عن الست لم يراها منذ فترة مرض بها والتزم الفراش، وضع شخصًا ما يده على كتف الطحان من خلف، فأدار عم سعيد وجهه ليجد شابًا فى الثلاثينات يرتدي تيشرت أسود وبنطال جينز، فقال له الشاب”معاك ولعة ياشق؟”، فأجابه الطحان “شق ؟! .. لا والله يابنى مبدخنش”، فرد الشاب “قشطة”.
ضرب الطحان كفًا على كف، محدثًا نفسه “شق .. قشطة”، فعاد الشاب مرة أخرى “قولى صحيح أنت بتدور على أيه”، فأجابه الطحان بوجه مبتسم “الست”، الشاب: “آآآآه .. الكراش ماتقول كده ياعم من الصبح”، الطحان “كرش ايه يابنى بقولك الست”، الشاب “ايوه ياعم فاهم المزة يعنى .. هى حلوة؟”، الطحان “صوتها شبه تكات فتح باب الجنة”، بقولك حلوة تقولى صوتها .. جسمها ياعم فلات ولا كيرفى”.
كيف يخبره أنه قضى عمره بأكمله دون أن يلمس يدها بسلام، كان يكتفى بالتوسل لها قائلًا ” ونبى تانى ياست أنا جايلك من طنطا”، كيف سيفهم ذلك الأبله الذى لايرى فى الست سوى جسدها معنى جمال الروح، جمال منديلها الذى يذوب بين يديها من عذوبة وقسوة صوتها، فستانها الذى لا يكشف سوى عن وقارها، كيف سيفهم كل ذلك وهو بنطاله ممزق من كل مكان ويكاد يسقط منه، فالشاب من المؤكد سيراه معتوهًا.
جلس الطحان والشاب على سلم المسرح، الشاب” طب معندهاش فيس بوك .. واتس آب .. انستجرام أى طريقة نوصلها بيها”، الطحان “عندها فرقة كبيرة”، الشاب: “هى رقاصة .. قشطة”، الطحان: “اتأدب شوية رقاصة أيه .. أنا مش عارف أزاى أنت مش عارفها .. مطربة ياسيدى مطربة”، الشاب”آه.. طب ما أكيد فى بيدج للفانز بتوعها بتجيب كل أخبارها”، الطحان ايه الفانز دول ؟، الشاب: “المعجبين يعنى يابا”، الطحان: السمعيه يعنى”، الشاب: أنت مش عارف حاجة خالص كده أنت جاى منين، الطحان: ” جاى من زمن بعيد”.
داس الطحان على حذاء الشاب دون قصد، فصاح الشاب “كله إلا الكونفرس”، فاتسعت عين الطحان فهو لا يعرف الكونفرس، فقال له الشاب “متبحلقليش ياحاج الكوتشى يعنى” أنا رايح التويلت الحمام يعنى، الطحان “الجزمة بقت “كونفرس” والسمعية “فانز”، والست بقت “كراش”، ودورة المياه بقت ” تويلت”، ياخوفى يا طحان تبقى بيبي بعد العمر ده كله.
عاد الشاب بعد فترة وجيزة، الشاب “لسه الست بتاعتك مظهرتش برده”، الطحان “لأ”، فجأة صوت صياح وصريخ وأبواب المسرح تفتح ويدخل منها افواج كبيرة من الجمهور الشباب، يرتدون تيشيرتات كت وشورتات وبناطيل ممزقة، والبنات تضع حلقان فى أنوفهن وخدودهن، وشفاتهن، والشباب يرتدون سورتيت يمسكون به شعرهم الطويل، وتدخل فرقة على المسرح يرتدون نفس ملابس الجمهور يغنون ويعزفون والجميع يرقص فى الصالة.
هجم أحد الشباب على المسرح ليحتضن أحد المطربين صارخًا “أسيادنا راضيين عنك”، هنا تذكر الطحان كيف كانت حفلة الست هادئة، تمنع الست الجمهور من الصفير والتصفيق والفرقة من الخروج عن النوتة، ما هذا العبث؟”، الجميع يجلسون على مقاعدهم يستمعون الوصلات الغنائية دون التفوه بكلمة، ملابس رسمية بدل وجبة وقفطان، مش جاين بالملابس الداخلية، الله يسامحكوا على اللى عملتوه فى الطرب، أيه الزمن المهبب ده ونعيب على الزمن ليه أنتوا اللى دماغكوا مهببة.
بعد الحفل وجد الشاب عم سعيد يجلس فى أحد أركان المسرح، الشاب”أنت لسه قاعد ياحاج؟”، الطحان”آه هستناها هى مبتخلفش معاد ثم وضع سماعات الموبايل فى أذنه كانت الحادية عشر مساء موعد حفلة الست بالراديو، الطحان مصيحًا ” الله ياست صوتك حلو طحن .. عظمة على عظمة يا مزة.