نقلًا عن جريدة المقال
هى حقيقة باتت مؤكدة، بل هى واقع نعيشه مع كل رفّة جفن.
لقد أضاعوا ثلاثين يونيو منهم لله.
ما سعى إليه الشعب المصرى فى هذه الثورة كان الخلاص من الحكم الدينى، ومن الحكم المغلق على ذاته، ومن الحكم المعتقد أن الله هو مَن جاء به والله هو مَن يدعمه والله -جل جلاله- هو الذى يلهمه، وأنه حكم لا يخشى إلا الله ولا يقصد إلا الله، ومن ثَمَّ فلا حاجة له إلى الشعب، لا رأيه ولا موقفه، فمَن هذا الذى يحاسب أحدًا جاء به الله للحكم والسلطة؟ مَن هذا الذى يمكن أن ينافس ويعارض ويسائل أو حتى يختلف مع الذى وضعه الله على مقعد الحكم؟
كنا نسعى لإزاحة حكم ينظر إلى شعبه باعتباره رعايا لا مواطنين.. رعية فى المعية وليسوا مواطنين مشاركين.
كنا نسعى لإطاحة منهج حكم الغرف المغلقة والقرارات السرية، والانفراد بالقرار واحتكار الحقيقة.
لكننا فشلنا.
نعم أطحنا بحكم الإخوان وجئنا بحكم وطنى حقيقى، لكن كل أجهزته مشبَّعة تمامًا بالتسلُّف والوهابية بل والطائفية.
نشهد يوميًّا مهازل الحكم فى التعامل مع المفكرين والمجددين والمجتهدين والمبدعين.
نعيش أسوأ من عصر الإخوان ألف مرة من حيث مطاردة وملاحقة كل مَن يجتهد ويفكِّر فى دينه ولدينه بطريقة غير سلفية وهابية.
الأزهر يقود حربًا للتخشُّب الدينى والتجمُّد الفقهى ويقيم دعاوى قضائية لمنع كاتب من عرض أفكاره تليفزيونيًّا، النائب العام يتعامل مع كل بلاغ ازدراء أديان كأنه مقدم من لدن حكيم خبير ويقرر القضاء التفتيش فى قلوب الكتاب بلا ذرة تردد، اعتداءات على الأقباط تحت رعاية الجلسات العرفية ودعاية بيت العائلة، انكشاف وتعرٍّ فاضح لطائفية أجهزة الدولة وسلفيتها حين إعداد تشريع قانون الكنائس، مناهج تعليم تدعو إلى العنف المذهبى والطائفى وتنشر التطرف، منافقو الرئيس ممن تطلقهم الدولة فى وجه معارضيه إذا بهم يرفعون أعلام السعودية فى طابور عرض الأوليمبياد، فى ما يشكل اختراقًا وهابيًّا سلفيًّا للدولة وسط طرمخة وتدليس يشيب لهوله الولدان.. أليست هذه الأعلام نفسها التى كانت ترفعها أذرع الإرهابيين السلفيين فى مظاهرات الإخوان فها هى دولة ثلاثين يونيو ترعى رافعى الأعلام السعودية التى تشوه وتضرب الهوية المصرية التى خرجنا فى ثلاثين يونيو لندافع عنها وندفع بها الطغيان الدينى، ثم إن دولة ثلاثين يونيو هى التى تلقى بمَن يرفع أعلام مصر دفاعًا عن تيران وصنافير فى السجن، ثم الأشد بيانًا وتبيانًا هو هذا الانفصام الغريب والعجيب والمريب والموغل فى حدّته بين الكلام الشفوى المتناثر على لسان السيسى حول تجديد الخطاب الدينى، بينما يعصف بكل ما هو تجديد دينى تحت جنازير قوانينه ومخالب أجهزته.
تأميم ناعم لوسائل الإعلام الخاصة وسيطرة الدولة الخفية التحتية على مقاليد الإعلام الخاص عبر شركات واجهة يعرف القاصى والدانى أنها مجرد واجهة لأجهزة الدولة.
سجن فرَق موسيقية وغنائية ورمى الفنانين والمبدعين فى الزنازين، وسجن الأدباء بتهم خدش الحياء العام.
هى أمور لم يجرؤ الإخوان فى عامهم الأسود أن يفعلوها ففعلها مَن يظن فى نفسه أنه تخلَّص من الإخوان.
هذا من ناحية الفكر والعقيدة وطريقة التفكير.
أما من ناحية الإدارة والسلطة فها هو نظام حكم يعتقد أن الرئيس ملهم وأنه يعرف ما لا يعرفه عالم أو مفكر أو سياسى أو بنى آدم آخر.
ثم هو حكم مغلق على مجموعته وأهل ثقته من جماعة الولاء للرئيس المقدس، والبراء من أى اختلاف أو نقد أو مناقشة أصلاً.
ثم هو حكم يرى الآخرين أغيارًا، فإذا كان كل مَن خارج الإخوان كافرًا فى مفهوم هذه الجماعة فكل مَن خارج مجموعة الحكم وأجهزته متآمر أو عميل أو خائن أو أهل شر أو ولا حاجة.
ثم نحن أمام حكم لا يرى إلا ما يرى ولا يطيق ما يسمعه من جدل أو خلاف معه أو حوله، ويتجاهل أى نقد ويعيش حالة إنكار للواقع، ويترفع عن أى اعتراف بخطأ، بل يظن مؤمنًا تمامًا أنه لا يخطئ.
ونحن أمام حكم يرى فى ما يفعل الصواب المطلق والنجاح المذهل.
كنا أمام الإخوان نحذر من ذرة تراب على أرضنا تدخل ضمن مفاوضاتهم أو صفقاتهم مع النظم العربية، بينما الآن تتبارى أجهزة دولة ثلاثين يونيو فى الصراخ بأن مصر دولة محتلة لجزيرتَى تيران وصنافير، وأن الرئيس لو عايز يهدى السعودية الهرم فهو حر!
فهل يصح ساعتها أن نقول إننا نجحنا فى إزاحة الإخوان من الحكم؟