آندرو محسن
في فيلم يجمع ممثلين من عدة أجيال أثبتوا كلهم كفاءة تجعل لكل منهم جمهوره، مثل فيلم “الماء والخضرة والوجه الحسن” الذي يظهر فيه الفنانون ليلى علوي، باسم سمرة، منة شلبي، أحمد داود، صابرين، ومحمد فراج، يدخل المشاهد وهو في انتظار أداء مميز من كل ممثل على أن يقوم هو في النهاية بتتويج الفائز بلقب الأفضل، ومن بين كل هؤلاء في هذا الفيلم، كان الأفضل هو علاء زينهم!
لماذا لم نذكر علاء زينهم منذ البداية؟ صناع الفيلم أنفسهم لم يضعوه ضمن مجموعة الممثلين الذين اختاروهم للظهور على الأفيش. من جهة أخرى، الفنان علاء زينهم من الفنانين الذين يحلون في أدوار ثانوية في السينما والتليفزيون، وفي الأغلب يقدم دائمًا نوعية محددة من الأدوار، أقرب للكوميديا، وحتى الأدوار الجادة التي يقدمها لا يهتم المخرجون بإبراز موهبته من خلالها بل يعتمدون على ملامحه الطيبة دون الاستفادة من موهبة هذا الممثل، إلى أن جاء المخرج يسري نصرالله وجاء هذا الفيلم.
مشاهد علاء زينهم في الفيلم قليلة جدًا، ولكن هناك مشهدين منها كفيلان بترك تأثير يدوم طويلًا عن هذا الممثل بعد الخروج من الفيلم، لا أبالغ إن قلت إن مشهديه يبقيان في الذاكرة أطول من كثير من تفاصيل الفيلم نفسه.
لعب زينهم في الفيلم دور “يحيى الطباخ”، كبير عائلة الطباخ المتشعبة في بلقاس، والذي يعمل كما هو لقبه في مهنة الطبخ وإعداد الولائم للمناسبات هو وولداه وآخرون من العائلة.
المشهد الأول كان ليحيى الطباخ يتحدث لولديه عن أهم رهان في حياته، الرهان الذي كان بينه وبين الباشا الذي كان يعمل عنده، الباشا يقول إن الفلاحين لا يتذوقون ويأكلون أي شيء والطباخ يقول العكس ويثبته، كل هذا يحكيه علاء زينهم، بهدوء وتأني، لتشعر أنك تستمع إلى راوي أو حكاء يأسرك بتأثيره، بعد الانتهاء يخرج من جيبه ساعة ذهبية ربحها من الرهان، ويعرضها سريعًا ثم يعيدها إلى جيبه مرة أخرى، تخيلت أن نلمح هنا شبح خفة الظل المعتادة من علاء زينهم، ولكن ملامحه ظلت على هدوئها، إنه الطباخ هنا وليس علاء زينهم المعتاد، يكمل حديثه، ماذا كان سيقدم لو كان خسر الرهان؟، وكانت إجابته “أبطل طبخ.. واشتغل سواق.. على عربية نقل”، كل مقطع من هذه الجملة نطقها علاء بتعبير مختلف على وجهه، تعبير شخص يتأمل فيما آلت إليه حياته الآن بسبب فوزه بالرهان وتخيله لما كانت ستنتهي إليه في حالة خسارته، تعبيرات وجهه قالت أكثر مما في العبارة.
ينهي المشهد قائلا إن أهم ما كسبه هذا اليوم هو كرامته، وكفنان، أهم ما كسبه في هذا المشهد هو إعادة اكتشافه كممثل لديه المزيد بعيدًا عن الإطار الكوميدي.
المشهد الثاني في الأهمية، يجلس في منتصف محله الضيق وعلى وجهه العرق والإرهاق، تدخل عليه سيدة ويدور بينهما حوار قصير، علاء زينهم طوال الحوار، يحافظ على طبقة صوت خافتة، والحروف تخرج منه بمشقة، وعيناه مغمضتان معظم لقطات المشهد، بعد هذا يتضح أنه تناول كمية من أقراص الفياجرا أدت إلى ظهوره بهذه الحالة، ولكن من قبل أن يظهر هذا صراحة في المشهد التالي، كان علاء زينهم أوصل الحالة كاملة دون الكثير من الكلام، بالأداء الطبيعي غير المفتعل.
بعد هذا الدور، هل ستستمر قولبته في الشكل الذي نشاهده عليه عادة أم سيبدأ المخرجون في إفساح مساحات أخرى لهذا الممثل المتميز الذي خطف الأضواء من ممثلين أكثر منه نجومية؟